من كان أصلع، فليغادر مدينة الحلّاقين
الكاتب التونسي: سفيان رجب
من كان أصلع، فليغادر مدينة الحلّاقين:
1:ه
أتصوّر أن تحديد عدد الأصدقاء في الفايسبوك بخمسة آلاف صديق أو متفاعل، لم تكن مجانية من مهندس الفايسبوك مارك زوكربارغ، ويمكننا التّساؤل عن العلاقة بين العدد الأقصى للمشتركين في كلّ حساب فايسبوكي، والعدد الأقصى الذي حدّده أفلاطون لسكّان مدينته الفاضلة، وهو خمسة آلاف ساكن؟.
2:ه
كلّ مشترك في فايسبوك، يمكنه إذن تأسيس مدينته الفاضلة، بالأسلوب التي يتصوّره هو، فإن كان شاعرا أو روائيا، سيختار سكّان مدينته من المهتمين بشؤون منشوراته، ويطرد كلّ شكّاك مستفزّ له. ومن كان تاجرا، سيختار سكانا مستهلكين لتجارته: كتب، أو ملابس، أو حيوانات داجنة، أو فواكه، أو نباتات، أو أجهزة إلكترونية…الخ. ومن كان سياسيا، سيختار أتباعا، ويطرد كلّ شاعر. ومن كان حلاقا، سيختار جمهورا مهتمّا بالحلاقات الجديدة والمثيرة، وسيطرد كلّ أصلع من مدينته، وهكذا، ستتكوّن مدن فاضلة بتصوّر مؤسّسيها.
3:ه
لكن دعونا ننظر في شأن الذين أسسوا مدنا فوضوية يعيش فيها الشاعر على سطح عمارة يسكنها التاجر والسياسيّ والطبيب والحلاق ومصمم الأزياء ولاعب كرة القدم.. الخ. وفي ركن قريب من العمارة، يفتح محلّ سريّ لبيع الخمر خلسة، وينتشر في المدينة مروّجو مخدرات صغار، ليكونوا ستارا لمروّجي المخدرات الكبار الذين يدفعون أجور الشرطة، وأجور رئيس الشرطة.. هؤلاء عادة يكونون متناقضين، مصابين بالباريدوليا وبالسكيزوفرينيا.. كأغلب مقاولي السياسة والثقافة.
4:ه
دعونا كذلك ننظر في شأن الذين دخلوا الفايسبوك، دون مشروع تأسيس مدينة، ولم يؤسّسوا سوى قرى صغيرة، تكثر فيها الشجارات الليلية والصباحية، وتستعمل فيها كلّ الوسائل البدائية التي اكتشفها الإنسان لإطالة يده، من العصيّ والحجارة إلى السكاكين والسيوف.. هؤلاء عادة يهتمون بحسابات غيرهم أكثر مما يهتمون بحساباتهم، إنهم نمط من الرحّل حتى في مخيّلاتهم، يدخلون مدن الفايسبوك الكبيرة، فاتحين أفواههم مثل الشخص الذي يظهر في لوحة الصرخة لمونش، ولا تعرف هل هم يصرخون أم يغنّون الصالحي، هؤلاء عادة لا يميزون بين صور السيكس وبين لوحات نابيوشي أراكي. ويدخلون عادة إلى المدن الحديثة، لكتابة التعاليق السخيفة على جدرانها، ولتخريب اللوحات الجميلة. يتمّ عادة طردهم بالبلوك، ويعودون إلى المدينة التي طردوا منها بحسابات مزيّفة، وهكذا يهدرون أوقاتهم في تعكير مزاجات الآخرين، عوض أن يهتموا بإسعاد أنفسهم.
5:ه
هناك من يكتفون بتحويل حساباتهم على الفايسبوك، إلى مساجد، وهناك من يحولون حساباتهم، إلى مكتبات لعرض الكتب، لا غير. وهناك من يفتحون صالونات للحلاقة والتجميل، أو مغازات ملابس، وهناك من يفتحون قاعات رياضية، وهناك من يفتحون عيادات للطبّ الجسدي والنفسي، وصيدليات، وهناك من يفتحون محلات لبيع الطيور والقطط، وهناك من يفتحون ورشات لصيانة السيارات وبيع قطع الغيار… الخ
وهؤلاء لا يهتمون كثيرا بالتعاليق الجانبية، إنهم يكتفون بالتفاعل مع التعاليق الجادة لا غير. إنهم يبدون براغماتيين، ومخيلاتهم في الفايسبوك لا تشتغل أبعد من تبادل المصالح مع الحريف. المتفاعل معهم في الفايسبوك، ينظرون إليه مجرّد حريف لا غير. ولا يهتمون بأيّ حدث لا يمسّ اختصاصاتهم.
6:ه
بين هذه المدن والقرى والمحلات المرتبطة بها، أو المعزولة عنها، يتحوّل الوجود البشريّ، من المادي إلى الافتراضي، من المصافحات والقبلات إلى الجادورات والجامات، ومن اللكمات إلى اللايكات الغاضبة والأيقونات الحربية، يتحول الإنسان الشفهي إلى الإنسان الكاتب بامتياز. فمن كان أميا في الفايسبوك، لن يدخل مدينة أبدا، وإن كان مدعوما بجبرائيل، أو غيره من جنود إيل.
من كتاب: قضيّة حقّ شخصي ضدّ أفلاطون.
(*) العمل الفني: للفنان التشكيلي العراقي المقيم بالسويد: كريم سعدون