قصيدة:(على إيقاع الصباح) للشاعرة الأمريكية: مايا أنجيلو (1928-2014)
ترجمة الشاعر الفلسطيني: يوسف حنا
على إيقاع الصباح
صخرةٌ، نهرٌ، شجرةٌ
تستضيفُ أَصنافاً غادرتنا منذُ عُهودٍ خَلَتْ
“مَسْتودون”(1) من مَعالِمِها.
الديناصورُ، وما تركَ من رموزٍ جافة
تَذكاراً لإقامتِهم المُؤَقتةِ هنا
على أَرضِ كَوْكَبِنا،
وأَيّ إنذارٍ واسع النطاق عن هلاكِهم الطائِش
كان قد ضاعَ في كآبة الغبارِ والأَعمار.
لكن اليومَ, الصخرةُ أَطلقتْ صرختَها واضحةً ومُدوِّيَة،
تعال، يمكنُكَ الوقوفَ فوقَ ظهري
لمواجهةِ مصيرِكَ البعيد،
لكن، لا تبحثْ عن مَلاذٍ في ظِلّي.
لنْ أَمنحَكَ مَكاناً للاختباءِ هُنا.
أَنتَ، خُلِقْتَ أَقلَّ بقليلٍ مِنَ
المَلائِكَةِ، وَجَثَمْتَ طَويلاً،
في الظُلماتِ الطاحِنَةِ،
استلقيْتَ بجهلٍ فترةً طويلة
مُطأْطِئًا رأسَكَ في اللامبالاة.
كلماتُك التي تتفوَّه بها
مُسلّحة للمجزرة.
الصخرةُ تصرخُ اليومَ في وجهِنا, يمكنُكَ الوقوفَ فوقي،
لكن، إِيّاكَ أَن تَحْجبَ وجهَك.
عبرَ جُدرانِ هذا العالم
هناكَ نهرٌ يُغني أُغنيةً جميلة،
تقولُ تعالَ واسترحْ إِلى جانبي.
كلُّ واحدٍ منكم بلدٌ محاطاً بالحُدودِ،
بهشاشةٍ مرهفةٍ ودواعٍ غريبةٍ للمُفاخَرَةِ،
ومع ذلك، تدفعُ بِكَ دوماً نحوَ الحِصار.
كفاحُكَ المُسلَّحُ من أَجلِ الربحِ
تركَ أطواقاً من النفاياتِ على شاطئي،
وتياراتٍ من الحُطامِ فوقَ صَدري.
اليومَ، ما زلتُ أَدعوكَ إِلى ضِفَّةِ نهري،
إذا توقفتَ عن دروس حربك. تعالَ،
وعُد مُتسربلاً بالسلام، سأُغني لك أُغنيةً
كان قد منحني إيّاها الخالقُ حين كنتُ
أَنا والشجرةُ والصخرةُ واحداً.
قبلَ أَن تكونَ السخريةُ وجعاً دامياً
فوقَ جبينِكَ، وعندما لم تكنْ تعرفُ بعد
أَنَّكَ ما زلتَ لا تعرفُ شيئاً.
غنّى النهرُ وما زالَ يُغني.
هناك شوقٌ حقيقيٌّ لأَن نستجيبَ
للنهرِ الغِرِّيدِ وللصخرةِ الحكيمة.
عندَها يقولُ الآسيوي، اللاتين-أمريكي، اليهودي،
الأَفريقي، الأَمريكي الأَصلاني، والسيوكسي،(2)
الكاثوليكي، المُسلم، الفرنسي، اليوناني،
الإرلندي، الحاخام، الكاهن، الشيخ،
المثلي، ال “ستريت”، الواعظ،
الميسور، المُشرَّد، والمعلم.
هم جميعاً سامعون
حديثَ الشجرة.
يسمعونَ الحَديثَ الأَوَّلَ والأَخيرَ لِكُلِّ شجرة
داعيةً البشريَّةَ اليومَ، تعالي إِليّ، هنا بجانبِ النهر.
ازرعْ نفسَك بجانب النهر.
كلُّ واحدٍ منكم، نسلُ بعضِ منْ رَحَلوا عَنّا
وعلى المسافرِ أَن يدفعَ ثمنَ رحلتِه.
أَنت، من أَطلقتَ عليَّ اسميَ الأَولَ، أَنت
الباوني، والأَباتشي، والسينيكا، أَنت
شعبُ الشيروكي، الذي تركَ ليَ القرارَ، حينَها
وتركني بأَقدامٍ دامية، لاستغلالِ الباحثينَ
البائسينَ عن الربحِ المُفرط،
الطامعينَ المتواثبينَ وراءَ الذهب.
أنت، التركي، العربي، السويدي، الألماني، الإسكيمو، السكُتلندي …
أنتم، أبناءُ الأشانتي، واليوروبا، والكرو، المُشتَرونَ
المبيوعونَ، المسروقونَ، وصلتم حدَّ الكوابيس
في تضرعاتكم من أَجلِ الحُلم.
هنا.. اضربوا جذوركم عميقاً إلى جانبي.
أَنا الشجرةُ التي زرعها النهر
لن تُقتَلعَ من مكانِها.
أَنا الصخرةُ، أنا النهرُ، أَنا الشجرةُ
أَنا لكم، أَنا من دفعَ ثمنَ رحلاتِكم.
ارفعوا وجوهَكم إلى الأَعلى، فأَنتم بحاجةٍ ماسَّةٍ
لصباحٍ مُشرقٍ يبزُغُ من أَجلِكم.
التاريخُ، مهما كان أليماً وموجعاً
لا يمكنُك إِلغاءَه، لكنَّك إِذا ما واجهتَه
بشجاعةٍ، فلستَ بحاجةٍ أَن تعيشَهُ ثانيةً.
ارفعْ عينيكَ عالياً
هذا اليومُ سيبزغُ لأَجلِك.
دعِ الحُلمَ
يولدُ من جديد.
أنتم، نساءَ، أَطفالاً، ورجالاً
خذوه واحملوه على راحاتِ أيديكم.
صُبّوه وقولبوه بالشكل الأكثر ملائمة
لحاجاتكِم الخاصة. واصقلوا
الصورَ الأَكثر شيوعاً لذواتكم.
ارتفعوا بقلوبكم وفكوا رهنها
كلُّ ساعةٍ جديدة تحمل فُرَصَ جديدة
لبداياتٍ جديدة.
لا تتشبثْ دوماُ
بالخوفِ، إنه النيرُ الأَبدي
للحُمقِ والفظاظة.
الأُفقُ يمتدُّ أَمامَ ناظريك
ويقدمُ مساحةً لتضعَ خطواتٍ جديدةٍ للتغيير.
هنا، بنبضِ هذا اليومِ الجميل
قد تتحلّى بالشجاعةِ الكافيةِ
لتتطلعَ إِلى الأَعلى، فوقي وتخرجَ عنّي،
الصخرةُ، النهرُ، الشجرةُ، موطنك.
المُتسوّل لا يقلُّ بشيءٍ عن “ميداس”(3)
كما وأنَّك لا تقلُّ مكانةً عن “مَسْتودون” آنذاك
هنا، على إيقاعِ هذا اليومِ الجديد
قد تحصل على نعمة النظر عالياً، خارجَ،
وفي عينيّ أُختِك، وأَمام وجهِ أَخيك، وطنِك
وأَن تقولَ ببساطة
بكُلِّ بساطة
وبالأَمل
صباح الخير.
▪ ▪ ▪
(*) هوامش
(1)مَسْتودون: حيوان بائد، شبيه بالفيل يُعتقد أنه انقرض منذ 10-11 آلاف سنة.
(2) السيوكس: أو شعب السو هم مجموعة من الأمريكيين الأصليين ينتمون لعرق سو، ويعتبر أول أمة أصلية مكثت في شمال القارة الأمريكية.
(3) ميداس: الملك ميداس (King Midas) في الميثولوجيا الإغريقية هو ملك كان له قدرة على تحويل أي شيء يلمسه إلى ذهب.
▪ ▪ ▪
“على إيقاع الصباح” قصيدة طويلة وشاملة، لا تخشى العودة إلى الأزمنة المظلمة قبل المضي قدماً نحو مستقبلٍ مليءٍ بالأَمل. نجد فيها عناصرَ تاريخيَّة ومقاطع فلسفيَّة تحثنا جميعاً على بذل قصارى جهدنا للمشاركة على هذا الكوكب بحكمة.
على الرغم من أن كتابتها تمت خصيصاً لمناسبة واحدة – تنصيب بيل كلينتون الرئاسي في عام 1993 – إلا أنها تحمل رسالة عالمية يتردد صداها خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
“في عملي ، في كل ما أقوم به، أعني أن أقولَ أننا بشرٌ متشابهون أكثر من كوننا غير متشابهين، ولاستخدام هذا البيان من أجل كسر الجدران التي وضعناها بيننا لأننا مختلفون”. (مايا إنجيلو)
بإيحاء من الروحانيات وأغاني السود الأخرى، تؤكد القصيدة بأن البشر يمكنهم أن يتغيروا إلى الأفضل، بالعمل مع الطبيعة (الصخرة والنهر والشجرة) والتعلم من دروس الماضي، وعلى الرغم من الاختلافات، يمكن تحقيق أشياءَ عظيمة معًا.