متاهة

سعد هادي

رأى “س” شيخاً ذا لحية بيضاء، يجلس قرب باب بيته، يرتدي ثياباً قديمة ويضع عصا الى جانبه. سأله:

– ما الذي تفعله هنا؟

لم يرد الشيخ فأضاف “س”:

– أريد أن أدخل الى بيتي، أنت تسد الطريق.

ظلَّ الشيخ صامتاً، ينظر الى الأرض.

ظهرت امرأة عجوز على الرصيف الآخر للشارع. توقفت حين رأت “س” يتحدث مع نفسه.

قالت له:

– مع من تتكلم يا رجل؟ لا أحد في الشارع سواك.

ولكن “س” لم يسمعها ولم يرها، فأردفت:

– لِمَ لا ترد؟ ألم تسمع ما قلته؟ هل أنت أصم؟

خرجت امرأة الى شرفة بيتها التي تطل على الشارع، رأت العجوز تتحدث مع نفسها فنادتها بما يشبه الصراخ:

-ماذا بك يا سيدتي، هل يمكنني أن أساعدك؟

ولكن العجوز لم ترها ولم يكن بإمكانها أن تسمعها أيضاً.

توقف شاب يقود دراجة ونظر الى المرأة في الشرفة، اعتقد أنها تصرخ طلباً للنجدة، ركض إلى باب بيتها وحاول أن يفتحه.

انتبه رجل كان يقف في موقف باص قريب إلى ما كان يفعله الشاب، فناداه:

– ما الذي تفعله يا هذا، هل أنت لص؟

لم يسمع الشاب ما قاله الرجل، ظلَّ يركل الباب حتى انفتح.

قالت فتاة تقف قرب الرجل:

– أعتقد إنه مجنون.

لم يسمعها الرجل ولم يرها.

جاء شاب من أقصى الشارع، تلفَّت فلم ير أحداً، انحنى ورفع الدراجة وركبها.

صرخ رجلٌ كان يقف قرب واجهة متجر مغلق:

– أنظروا الى ذلك الشاب، إنه يسرق الدراجة.

ولكن أحداً لم يره ولم يسمعه. فصرخ منادياً الشاب وهو يخرج مسدساً:

– أعد الدراجة الى مكانها وإلا أطلقت النار.

لم يسمع الشاب ما قاله الرجل، ولم يسمع صوت الرصاصة التي اخترقت جسده.

استدار الرجل الذي أطلق النار وهرب.

لم يرَ أحدٌ جثة الشاب التي سقطت ولم يسمع أحدٌ أيضاً صوت ارتطامها بالأرض، ظلَّ الدم يتدفق غزيراً، دمٌ داكنٌ ولزجٌ، ربما يتسرب من جثثٍ، سقطت في الوقت نفسه أو من قبل، جثث كثيرة لم يرها أحد.

  • كاتب عراقي مقيم في فنلندا
اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. قصة “متاهة” للكاتب سعد هادي، رغم الأجواء الفنطازية التي تدور فيها أحداثها، تبدو أقرب إلينا من الواقع الذي نعيش فيه، ونراه ولا نراه في الوقت نفسه. القصة العظيمة يجب أن يقرأها الجميع لأنها تقول الحقيقة التي تهمّنا جميعاً، نحن العابرين في هذه الرحلة…
    يختزل سعد هادي في قصته ما يدور بيننا من علاقات، تبدو في ظاهر الأمر طبيعية، لكنها في الحقيقة جزء من مؤلف فنطازي نشترك نحن جميعا في إداء أدواره. كما أن القصة، على الرغم من بساطتها، فهي معقدة جدا، ويمكن القول عنها أيضا، بالرغم من تعقيدها الشديد، لكنها بسيطة للغاية.
    تحية محبة واحترام للصديق سعد هادي على هذا المنجز الجديد، ونتمنى أن لا يحرمنا طويلا من عطر مداده الذي يحاول الكاتب اليوم ان يكونا فريدا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *