قصيدة: رجلٌ خَام

للشاعر: عبد الله بليجان السمعو

رجلٌ خَام

أبي لم يُحاوِل يوماً أن يكتَشِفَني
كان مُنهمِكاً بإثباتِ وجهةِ نظرهِ
وما أكَّدهُ أساتذتي اللذين لم يكتشِفونِي أيضاً
( ابنكَ يمتلكُ ذكاءً خارقاً )
لهذا كان دائماً يلوِّحُ لي بالمسوَّداتِ لحظة دخولهِ للمنزِل
هكذا كُنَّا نتبادلُ الهدايا
المُسوَّداتُ مِنهُ
والكثير من المسائل اللوغارتميَّة والأُسيَّة والفراغيَّة مِنِّي
في نهاية أحد إجتماعات أولياء الأمور
حاول أستاذُ الرِّياضة أن يقول لوالدي
(إنّ هذا الفتى سيصبح ذو شأنٍ في كُرة القدم )
سرعتهُ، تحكُّمهُ في الكرة، ارتقائهُ في الهواء / قاطعهُ قائلاً :
أريدهُ مُهندِساً ومضى….
هكذا كان يستمرُّ بتقديمي للناس
أعطيتهُ ما يُريد
إجازةً في الهندسة وبترتيبٍ يروق له
(الثاني على دُفعتي )
وأخذتُ حُلمي بي وغادرت
لم أرَهُ من يومها
كان هذا منذ سبع سنين

أُمِّي أيضاً لم تُحاوِل أن تكتشِفني
إمراةٌ لا تتحدَّثُ كثيراً
وكأنَّ هناك عتبٌ دائمٌ يتحشرج في صدرها
أصبَحَتْ مع مرورِ الأيّامِ مضربَ مثَلٍ في حيِّنا
مرة قال جارنا :
جُوريَّة جارتُنا منذ ثلاثينَ عاماً لم نسمع صوتها يرتفعُ يوماً
كانت تشعر دائماً بأنَّ هُناكَ
غيمة فوقَ رأسي
لم تحاولُ لو لمرَّةٍ أن تقرأ المكتوب فيها
كانت تكتفي بأن تضع رأسي على فخذها
وتُمرِّرُ أصابعها بشعري
وتُغنِّي……
وكأنّها تخبزُ للغيمةِ سماءً أُخرى
فتغفو الغيمة فوق رأسي
ثمَّ أغفو
آخر مرَّةٍ غنَّت لي كانت منذ سبع سنين
سألتُ أُختي مرَّةً
أمازالت تُغنِّي
قالت :
مذ غادرتَ لم تضع رأس أحدنا على فخذها
لكنها تُغَنِّي وتبكي

أوَّلُ فتاةٍ أحبَّتني لم أُبادِلها الحُب
كانت تدرسُ الفنون الجميلة
حاوَلَتْ أن تُطلِعني على سِرِّ جسدي
أو رُبَّما حاوَلَتْ أن تكتشفَ سِرَّ جسدها
كانت تعرفُ أنَّه لم يسبق لي رؤيةُ إمرأةٍ عارية سِوى بأفلام البورنو
لكن ما لم تكن تعرفهُ
أنَّها ستغادرُ في الصَّباح
وهي تُمسِكُ شفَتَيَّ بإصبَعَيْهَا وتقول:
سأكونُ خرِّيجةً فاشلة
لأني لم أستطع أن أحرِّكَ التِّمثالَ فيك
أوَّلُ فتاةٍ أحبَّتني لم تكتشفني

أوَّلُ فتاةٍ أعجبتني
كانت مهووسةً بالموسيقى
لهذا كانت تُعرِّضني في الليل للأغاني
هكذا حتّى صار رأسي سائِسَ خيل
كانت تقول :
بالموسيقى ننضج
لكنها كانت تُبشِّرُ دائماً بالحصادِ عند رجلٍ تركها وذهب
أول فتاةٍ اعجبتني لم تكتشفني

الفتاةُ الَّتي أحبَبْت بادَلَتنِي الحُب
كُنَّا كطفرتين
نتمشى خارج جسد النَّمطيَّة
ثُمَّ نجلسُ على حافةِ أحد الأسطُح
خفيفَيْنِ مثل أغاني الغجر
نشربُ الجِعةَ ونلوِّحُ بقدمَيْنا
مرَّةً كانت مخمورةً جِدَّاً
ثم دخلت معي في رهان
أنَّ ساق الظِّل الطويلة هذه
تستطيعُ حملها
قَفَزَتْ
لكنَّ ساق الظِّل كانت خيزران
كُلُّ ما أذكرهُ أنّها كانت تقولُ وهي تسقط
وأنا كقارئةٍ لكَ
أنتظرتُ ارتكابكَ الذَّهابَ في كل شيءٍ
كي أرى وجعَ البقاءِ هُناك
أو رُبَّما وجع الإياب
الفتاة الَّتي أُحببت وبادلتني الحُب
اكتشفتني وأكتشفتُها
لكن حين اصطدمَ الفراقُ بنا
أخذَتْ ما أكتَشَفَتْ بي معها
وأخذتُ ما أكتَشَفْتُ بها معي
هكذا عدتُ رجلاً خام

أيبحثُ العرَّابُ عن عرَّاب ؟!
مازالَ طينهُ يابساً
مازالَ محضاً من تُراب
ولديهِ ما يكفي من الأسباب
كي يُفلسِفَ إكتئابهُ
أو يُتَفِّهَ ما بهِ
إلى أن تأتي المرأةُ العَرَّاب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *