علي محمد القيسي: ذاكرةُ دجلة (*)، هايكو
عقل الهايكو (على سبيل التقديم)
وهي تقطع الاجاصة قطرات حلوة تنزف السكين [شيكي ماسوكا]
أردت من هذه الكتابة مشاركة فكرة عقل الهايكو” التي هي ببساطة طريقة الغور العميق في حياتنا اليومية وصولا إلى لحظة الوعي في التعبير عنها بالهايكو – وبناء على هذا نأمل إلهام الآخرين العيش بمزيد من الوضوح، الرحمة، والسام. من المعروف أن جذور الهايكو وجدت على نطاق واسع في شكل من أشكال الشعر يتكون من سبعة عشر مقطعا في ثلاث جمل (5-7-5( في اللغة اليابانية، وغالبا ثلاثة خطوط في اللغة الإنكليزية. الهايكو الصافي هو الذي يبلور اللحظة، ويمنحها الدهشة الواعية في تصوير بسيط، باستخدام اللغة العادية التقليدية، والكلمات المشتقة من فصول الطبيعة وظواهرها. إن هذه البؤرة أو التكثيف للحظة الشعرية المعاشة يجب أن تكون جاذبة وأكبر بكثير من مجرد لحظة انطوى عليها يومنا الشخصي ويومنا المعاش، إنها تغوص في الذاكرة وتتوقف لبرهة لتزج بالحاضر في كل تفاصيل الأيام، هذه هي الفكرة الرئيسية لهذا العالم الشعري اليقظ، أو قلب الوعي المفتوح –على استمرارية الوعي بلحظاتنا العادية في حياتنا اليومية – لهذا أذهب إلى القول إن “عقل الهايكو” وحسب فهمي لما يعرضه عقل الهايكو خارج رحلتي الشخصية، مع ثلاثة مفاهيم لليقظة. تكون البداية مع “رؤية برتقالة” – كان من المفروض أن تكون إجاصة، لكن في كيسي كانت برتقالة – في ضوء الشمس على طاولة المطبخ، وكان ذلك في عام 1974 . وكنت لم أزل أعيش في هاواي بعد
مهمة السلم التي أمضيتها في كوريا، كنت قد أنهيت أسبوعا واحدا مع مجموعة إعادة التأملات مع التأمل الأول لمذهب Zen البوذي، كيف كان المحاضر، روبرت ايتكين روشا، يستخدم الهايكو مرارا في حديثه، وحين عدت إلى البيت كنت أشعر بالتعب والجوع، جلست وتناولت أول ملعقة من الحساء، ثم توقفت يدي في الهواء، لقد خيل لي باني رأيت برتقالة تحت شمس الأصيل في صحني. الضوء كان ذهبيا، وبالكامل كان يحيط بالبرتقالة. كان كل شيء طبيعيا مثلما كان، شعرت فجأة بالسام، وفي الوقت نفسه كنت عارية من الآراء والأفكار وتراكيبها، وتدحرجت الدموع على وجهي، لقد شاهدت بالفعل برتقالة،كما لأول مرة أشاهد برتقالة – ذلك كان اختباري الأول في عقل الهايكو، في الأسبوع الثاني قال لي روشي بأن هذا الاختبار كان مجرد لمحة بسيطة لأيقاظ العقل، رؤية لما اكتسبت من الحياة أو العمر في تمارين التأملات، أو تمرينا في الاستدراك من اجل تعميقه ودمجه في حياة المرء اليومية، كما قال باشو معلم الهايكو العظيم إذا أنت أردت أن تتعلم حول شجرة الصنوبر يجب أن تتقدم نحوها وتلقي نفسك في مركزها، ستكون مجرد لمحة بسيطة، ولكنها ستكون فتحة في جدار تلك المعرفة. اختباري الثاني كنت قد دخلت فيه على الفور بواسطة مدرسي الرئيسي في التأملات أستاذ التبتيات المتأخرة، چوشيام ترونشبا رينبوشي، مؤسس جامعة ناروبا، ومع أنه لم يكن يابانيا كان يحب ويقدر تقديرا عظيما الفنون اليابانية والهايكو، كان ذلك في عام 1980،كنت حينها أدرس شعر الشرق الغربي )بضمنها الهايكو( في جامعة نيروبا تحت رعاية الشاعر آلن غينسبرغ، حين كان يدرس الدراما الشعرية بالاشتراك مع رينبوشي، إن أي شعر يمكن أن يكون وسيلة لليقظة في حال القيام به بانتباه، ومن هنا كانت بدايتي في دمج شعري وممارساتي التأملية في الهايكو، لقد بدأت بممارسة الهايكو ليس لأنه شكل أدبي، وإنما أيضا كممارسة في التأمل، وهذا أيضا كان واجبا دراسيا تجاه رامبوشي الجبار الرحيم؛ في ثلاثة أشهر كنت أراجع في تأملات طويلة بمشاركة مئة شخص، كنت كمن “وضع في بقعة”. في نهاية أحد أحاديث رينبوشي في وقت متأخر من إحدى الليالي، وبدون تنبيه سابق وضعني أمام جمهور كبير وسألني ان ارتجل قصائد هايكو تنتمي الى ثلاثة أنواع من البوذية، أمسكت بالمايكرفون وكنت مأخوذة ومنذهلة، كان عقلي خاليا من بعده الروحي، كانت روحي قد تعرت في تلك اللحظة وببساطة سجلت ما بدا لي وسط ذلك العري .نظرت الى معبد كان مقابلي وقلت: “بين شموع المذبح ارجوانية ظلال قزحي”. هذا كان بمثابة السطر الأول، أما السطر الثاني فقد جاء من تحديقي بالحضور الذي كان ساكنا: “انظر الى عيني وأنظر اليك لتشعر بدقات قلبي” والسطر الختامي كان: “فقط لنا، خالية منه دقات قلب المعلم”. لم يكن هايكو محكما أو تقريبا لم يكن هايكو حتى، لكنه كان مثاليا كوسيلة اكسبتني الثقة بعقل الهايكو خاصتي’ بقدرتي تماما على الانفتاح على اللحظة الراهنة واستشفاف ما هو ابعد، وشعرت بالامتنان، كنت قد وضعت في بقعة لخمسة اماسي، لكن الأمسية الأولى كانت قفزة حقيقية باتجاه الهايكو كممارسة للحظة الوعي. اختباري الثالث كان “العثور على العقل العادي” وكان في اليابان عام 1986 كنت قد ذهبت لليابان للدراسة مع أستاذ الهايكو المتأخر سيشي ياما كاجي. في البداية كانت لدي فكرة رومانسية للعثور على “زن”)نمط من التأملات البوذية( يشبه الهايكو ولكن لحسن الحظ وجدت روبرت فروست الذي هو بمثابة استاذ الهايكو البديل وكان يلقي محاضرته الاسبوعية على طلبته، وحيث كلنا كان علينا ان نعرض ما لدينا من هايكو على المدرس لغرض تصحيحه، وكنت حقيقة مهتمة بأن اتعلم وأعرف كيف اميز الهايكو الحاذق عن المتوسط، فالكثير من المتوسط يبدو غير عادي واستثنائي في جدالنا حول الهايكو. والمدرس وغيره من الشعراء اليابانيين كانوا في حيرة، لماذا اذكر مرارا موضوع الزن؟ لقد كان هذا لأن ذلك النوع من الهايكو يتحدث وينطلق من الحياة العادية فقط، لا شيء خاص، ليس هناك فصل على الإطلاق بين العادي والمقدس مثلما كان، ادركت بعدها ان البحث عن الغامض الذي يسمى )زن( في كل الهايكو كان خطأ والقيام بذلك ياخذ عمق النكهة الشخصية والعقل العادي في سياقه ،حينها وفي نفس الوقت ايضا اكتشفت )جيو نا( مدرسة هايكو القرن الثامن عشر، والراهبة البوذية، كم كنت قد اكتسبت معرفة في الهايكو؟ ليس كثيرا )اتتبع طريق الهايكو في حياتي اليومية( مثلما اعتنقها الشاعر باشو: هي كانت تستعمل الهايكو كبطاقات حب للآخرين وللعالم بشكل طبيعي وفي كل يوم تعيشه، عبر البقاء منفتحة لاستقبال اللحظة، كما بدأت بترجمة ما تقول من هايكو، ورأيت لديها أمكانية حقيقية ووسيلة فائقة لرؤية ما يجري في العالم، تعيش حياتها اليومية مع عقل الهايكو هذا حتى مع حياتنا التي اصبحت مزدحمة اليوم. أكثر من عشرين عام مرت، ولم ازل في تلك الرحلة، فقط في السنة الماضية كنت امشي حول بحيرة مشيكان قرب بيتي، حيث كنت أشعر باتساع البحيرة مع السماء، أدركت اشياء أخرى حول عقل الهايكو. الوعي في عقل الهايكو يتسع في تلك اللحظة. في الواقع يحتاج المرء الى عقل بسعة السماء لخلق تلك القطعة الصغيرة من الشعر. وهذا هو المعروف في البوذية التبتية، ان حالة العقل الطبيعية هي الوضوح والسعة مثل هذه السماء، اينما يمكننا التوقف والاسترخاء للحظة هذا هو عقل الهايكو خاصتنا: الوعي يوقظ العاطفة وهذا يمكننا الاستفادة منه. كل هايكو جيد يعمل على الالتقاط مثل اللحظة وينعكس في عقل الهايكو خاصتنا. هنا عقل هايكو يتضمن الاثنين العقل والقلب في كلية غير ثنوية، مثل الشخصية الصينية في )قلب الهايكو( لم يكن هناك انفصالٌ. وعندما نحضر سيكون بإمكاننا رؤية عصير الخوخ او البرتقال على حافة النافذة المضاءة بنور الشمس قبل التقاطها لتناولها. ولكن وكما نعلم جميعا فإنه من المؤكد ان هذه الأوقات المضطربة في عالمنا الحالي تدعونا للذهاب بالوعي الى ابعد من مجرد برتقالة لنصبح أكثر وعيا ونشارك في عالمنا. يمكننا عمل ذلك بواسطة عقل الهايكو كنقطة انطق ثم توسيعها. نفعل ذلك باختبار بسيط في وقفة داخل لحظة. *باتريشا دونجان شاعرة ومترجمة ومروجة للهايكو باعتباره ممارسة للوعي. [باتريشا دونجان: عضو الهيئة التدريسية لجامعة ناروبا، ترجمة سلام دواي]
الشذرات
حُفرةٌ بالأرضِ؛
يُغيّبُ الشّمسَ للأبد
مجردُ رفش!
■■■
تسلُّقهُ أسهلٌ
الجبلُ المنعكسُ
في عينيكِ
■■■
أشياءٌ صامتة
أبلغُ من يتحدّثُ
زهرةُ الصباحِ
■■■
سقفُ الكاتدرائية
كانت أحجارًا قبلَ أن يجمعها
المسيحُ بجسده
■■■
طريقُ المقبرة
العابرون يتبادلون
الصمتَ بالصّمتِ
■■■
معصمُ الكهلِ؛
حتى حزامُ الساعة ِ
طالُته التجاعيدُ
■■■
ليلةٌ شتويةٌ
مشتّتٌ على النوافذِ
ضوءُ القمرِ
■■■
فندقٌ رخيصٌ
ثمينةٌ جدًا
التأوّهاتُ
■■■
أواخرُ الشتاءِ
من البرعمِ يمرُّ
خطُّ الأفقِ
■■■
سرّةٌ عاريةٌ؛
في مشربِ الحمَامٍ
تدورُ الشمسُ
■■■
بيتٌ محترقٌ؛
ما تبقّى من الباب الخشبي
حدوةُ حصان
■■■
جسرٌ خشبيّ
إلى الضفة الأخرى
يتأرجَحُ الحديثُ
■■■
بذات المجرفَةِ
يحفرُ لزهرةِ الفاوانيا
عاملُ المقبرةِ
■■■
حتى في المنفى
وسادةُ المهاجر
حذاءٌ
■■■
جاريَ الثّمل
للجامع الذي سُرق بابُه
أهدى بابَه
■■■
الحبوبي
لحظة سرقةِ عكازِهِ
اتّكأ على الرّيح
■■■
من يقنعُ المحّار
إن إثم حبةَ الرّملِ
لؤلؤة
■■■
سوقُ الخضار
البائعةُ تبلّل باقاتِ البقدونس
بباقةِ بقدونس
■■■
قبعةُ القشِّ
مليءٌ بالثقوب
ليلُ القريةِ
■■■
يومٌ قائظٌ
لبرهةٍ تنسيني الحرّ
تنورةُ النّادلةِ
■■■
بأيَّة لغة
تحدًث قبلَ أن يموتَ
الغريقُ؟
■■■
محراثُ القريةِ
أيّ جروحٍ تتفتّقُ
هذا الصباح
■■■
إصبعُها الذي
فتحَ بكارةَ الطين
أنجب أوركيدة
■■■
الحناءُ
كلُّ ما قد يبوحُ به
الطالعُ في كفكِ
■■■
الأرشيفُ
أن أتذكّرك
قُبلةً قُبلة
■■■
كنيسة قديمة؛
متبلة غرفة القس
بذنوب المعترفين
■■■
على النهر
خفيف جسدك
كليلة عرس
■■■
تثير الريبة
وحيدة عند النهر سلة
من الخوص
■■■
إلى المدينة المسالمة
يحمل بسطال الجندي
طين الجبهة
(*) منتخبات من كتاب صدر حديثا عن دار لازورد، بغداد.