طالب عبدالعزيز
ستجدُها نائمةً إنْ أتيتَ “سِرْعِينْ” من أردبيل، لأنَّ الشمسَ تقاضي كسلها بالشجر وراءَ الجبل، وباعة القشطة بالعسل يتعجلونَ النهار بحسب مشيئة العشب والمطر، فهو يهمي كلما انتفض عصفورٌ طائراً في المدى، كلّما أشتقَّ من الضوء مصدرٌ للأمل، لذا، لا تثق بأحاديث النساء عن الوقار في شمال الغرب الاذري هناك، فالشَّعرُ الاشقر تزينهُ قماشةُ الحرير، لكنها تنسرحُ بألوانها، فتشارفُ العنقَ والاذنين، ليتأرحجَ لحنٌ في كمان الوجود، أو لتأتلقَ لحظةٌ فارقةٌ ..
هنَّ في كمالِ البلل على الاسرِّة هناك، لا يتخففنَ عن خفرٍ، ولا يتثاقلنَ عن ليلِ، ناعساتٍ، لا يأتينَ الضُّحى إلا متفرقات، يجبّنَ الشارعَ بالجينز النيليِّ، حيث تكون شرفة الفندق، وحيث يشفُّ الزجاجُ، وحيث لا يُكتبُ الشِّعرُ إلا على وقع أقدامهنَّ، أو لتحية ما يُطلُّ مبتهجاً بأبيضَه، مكوَراً ومُدحرجَاً، تحرره الطفولة، وتطردُه القمصُ الحرير.
في المطعم المُستلِّ مجازاً من غابة الجوز والعَفص، حيث يتلفتُ أحدُهم، متفقداً صبْرَهُ، عند دكانة بائع ألأرغفة، كان المطرُ يطرطشُ ناعماً هناك، لكنه انتهى بقارورة الولد الأذري، يبيعنا قطعة اللحم بالبصل والحندقوق المُرِّ- لكمْ شاقتني رؤيةَ قطرة الحليب، الخارجة منه، بعد جَذِّه- لكنني، صعدتُ المدينةَ، تُسوِّرها صورُ قتلى العاشوراء من هضْبةٍ، وتركضُ الخيولُ النحاس في ما ظلَّ من رملتها، كانت الطريق اليها بساعة أو تزيد، قطعَ سائقُ المركبة سوادها الاعظمَ، فأعارنا وجهتها، وما ظلَّ يتعشَّبُ تباعاً، تحت الفرامل.
لا يتركُ السائقُ غربته على المقود نائمةً، هو يستلها كلما صار الى منحدرٍ، راح يضيق، فيما الجبلُ مازال خالداً في الغيم هناك. أحاولُ، التقطُ للمباهج صورةً، لكنَّ نفحة المطرِ فاجأتني، وما كنتُ متخذَ الابتسامة دالة على المكان لو لم تكن الصورةُ قد دخلت الورقَ الآن، حيث يمتحنني الافقُ على طرف الآجرَّةِ، الباردةِ هذه.
تُعشبُ الايامُ بآبَ في “سرعين” ثانيةً، ومن الجبل، حيث الجوز ما زال أخضر هناك، تهبُّ الرِّيحُ منزوعة القُمصِ، نديةً، لا يلمُّ الغيمُ العميمُ أطرافها. أنتَ في الفسحة المقترحة من الآس مرةً أخرى، تبحثُ عمّن يسوّي الربيعَ بروحك أرجوحةً، ولأنَّ إنحدار الجبل كان مكْراً وتزجيةً في النهار فقد أكمل الولدُ، سائق المركبة نزهته، وأتى المِقعدَ خجِلاً، يقضم أطرافَ ندمه، قلتُ، ما أضجَّ الاشربةَ والنساءَ على الطاولاتِ في مدينتكم؟ فأغمضَ عينيه، مجيباً. كنتُ ابحثُ في قاعدة الشجر السرو عن رائحة امرأة، فارقتها من عامين هنا، قلتُ أسوّي المساءَ الى دارتها، فاستترتُ خلفَ مأجَمةٍ من السرخسيات رطبةً، كوّرتُ أسماءَها بفمي، فكانت أغنيةً للانتظار، وأرجوحةً، أطلُّ على البحيرة من حبلها، فهي تتأخرُ في كويكبٍ صغيرٍ، مادته الماءَ، أوهي ما يتفصدُ في الحديقة من معاني أغسطس، هذا اليابسُ العنيدُ هناك، المختلفُ في القواقع والفطر هنا، نحن في الشجر المتطامن، أقربُ إلى قزوين إذن، قلتُ.
حاذرت الترعة، اتيتها من الليل، حاذرت الشجرَ، اتخذته ظهيراً بالامس، وجئتُ مرتعداً وجلاً، تاملت ذراعَ البطل، موشومةً، في الساحة، تاملتُ الفارسَ والرمحَ، يطلّان من الطمأنينة والحذر على البطولة الكاذبة، حيث تبارى مثالو الخشب والنحاس هنا ذات يوم. كانت المرأةُ في الشرفة تومئُ، وبائعُ القشطة بالعسل يومئ ايضا، كذلك كانَ سائق المركبة.