في البحث عن البوابة- نص وصورة
عبدالهادي سعدون
أتصورني أنا بدشداشتي المقلمة جوار أبي.
أتبعه دون ان أعلم الجهة المقصودة. هو يتبع ظله المنطبع على الأرض، وأنا ألهو بحثاً عن ظلي لكي أتبعه. نكاد نمضي كل واحد في وجهة مختلفة. أبي يميل إلى اليمين ناحية الطاق ـ البوابة، وأنا أميل ناحية اليسار، ربما باتجاه تلك الخرابة التي لا أعرف ما هي. لعلي كنت مشتتاً لأن أبي لا يحفل بخطوي وربما لأنني أجوس الأرض الساخنة بقدمين حافيتين دون غطاء ولا مظلة، بينما يحتمي أبي بغترته البيضاء وعباءته الوبرية.
الآن أراني أسير جواره، هو الأب، بينما قدماي تحملاني نحو خلاص آخر. أفكر ببوابتين صغيرتين كفرجتي نور يكاد لا يلمحهما أحد غيري، وأظن أنهما بانتظاري. هما بطول قامتي تماماً. وهما اللتان ستسمحان لي بالمرور بهما دون ضجة ولا افتعال مغرض بالضد من حضوري الملون بأقلام دشداشة لا تكف عن التحريض والتدليل على وجودي الكرنفالي وسط ألوان جاحدة لا تخرج عن لون التراب والطين الحر.
اليوم وحسب وانا أتمعن تلك الصورة أميل بشدة لتلك الأوتاد الأربعة على اليمين منا وهي لا تحيد ولا تتخيل ولا تمضي ولا تفكر، هي هناك وحسب ولا تتعب بصرها بتمعن القادم الجديد ولا يمكنها أن تتصور بدقة هيئة ذلك الذي قام بدقها في تربة صحراء لم تعد صالحة ولا لبسطة شمس حارقة.
هو تصور لا غير حتى وإن كنت لا أتذكر حقاً إن كنت قد وطأت تلك التربة أم أنه مجرد خيال لا غير يعرقل مسيري ويسيطر على خيالي منذ سنين طوال.
هل هو أنا حقاً ذلك الطفل برفقة أبيه؟ هل هو ذاك أبي الذي كان يمضي بحثاً عن عشبة خلود لم يعثر عليها أبداً.