الشاعر ليس في حاجة لجسد للشاعر الفرنسيّ: آلان بوصكي
ترجمة الشاعر المغربيّ: خالد الشبيهي
الشاعر ليس في حاجة لجسد
آلان بوصكي
1 – عثرتُ ظهيرة أحد الأيام ، عند عودتي إلى البيت، على جثتي على المُوكِيطْ.ربما كانت جلطة. أمعنتُ. النظر في نفسي قليلاً فلم أجدها على ما يرام. ففكرت في صداقتي لذاتي التي كان عبئها أكثر من صراحتها، إذ سرعان ما أفسدها الشك أو بالأحرى النفاق. فتساءلت عما إذا كان حريا بي أن أحرق جثتي أو أدفنها كما جرت عليه العادة. فارتأيتُ أنني لا أستحق أي معاملة خاصة، إذ تكفي بلاطة رخيصة لتغطية عظامي. أخيراً ، أصبحت حرا. فالشاعر ليس في حاجة لجسد
▪
2 – أوَّلَ أمسِِ ، اتَّخَذ الله شكل سحابة. نظرتُ إلى الفضاء، ولوَّحت بألف إشارة، فتجاهلني، فهو لم يكن بحاجة إلي. أمسِ ، اتخد الله شكل سنديانة، فانحنيتُ، في خشوع .و بدا لي أنه أحس بارتباك عند اقترابي. و رغم استحالة أي حوار. فقد تبينت نوعا من الاندفاع والتضامن. و هذا الصباح ، تقمص الله هيئة فلاح من بلدتي. قويُُّ وَ وَدود. فسبقني إلى الصالون. خلع قبعتَه. فقلت له:
هل تشرب كأس كالڨا؟
أجاب:
-ليس هناك مانع.
فشرب كأسا ثانية. فقلتُ له مجددا:
-هل من خدمة أسديها لك؟
لم يتردد البتة:
-بما أنني غير موجود. أحب الحديث. إن ذلك يشعرني
بأنني موجود. لا يهم ما يقال. هيا إذن، كيف هي أمور حياتك ؟ نعم، بإمكانك أن تصرخ في وجهي، قليلا.
▪
3 – بعد جنازتي، سأذهب لأنْحَنِي أمام قبري، في البداية مرة كل أسبوع وبعد ذلك حسب توالي الأعوام. ربما بحسرة قليلة وربما بحقد، سأضع فوق الرخامة قصيدةً، لن تكون من قريحتي، ستكون تلك طريقتي لاستذكار دوبيلي، نيرفال، ميلوز، أو هولدرلين. وبعدها سأمضي لركوب المترو في أقرب محطة، والسعادة تغمرني لأني علمت أخيرا أنني ميت.
▪
4 – بالله عليكَ يا وليام شكسبير، لقد اغتلتَ مرة أخرى مَلِكَين، في مسرحيتك الأخيرة.
– أنا استهدف الكبار دائما، جلالتكم.
– دعْ عائلَتَنا الملكية وشأنَها. ألا تملك ملوكا آخرين تسلط عليهم سهام نقدك. هل يجب أن تستهدف انجلترا دائما؟
– حسنا… سُأولّي وجهي شطر الدانمارك.
▪
5- دنوتُ من السنديانة بفأس في اليد فقالت لي :
– لماذا تريد أن تقطنعي ؟
– أنا بردان.
– هناك وسائل أخرى، فرو الثعلب، فهو شديد النعومة. إن الثعالب تجتمع حولي عند منتصف الليل. سأومئ لك. كانت النصيحة حكيمة، فقد قتلت ليلتها سبعة عشر ثعلبا. واستدفأت بشكل جيد. وبعد مضي أسابيع، قطعت السنديانة.
▪
6- صادف رجل نمرا في الغابة. كان الرجل مشغول البال و لم يكن النمر قد هضم غزالته بعد. فجلسا يتجاذبان أطراف الحديث. نحن نعلم أن النمور تمتاز بحدة الذكاء. فعلمه الرجل الكلام. ثم التفكير و المنطق، وأخيرا الأخلاق. فأخد النمر يردد مع الرجل لمرات عديدة: ” لايجب علي أكل البشر”. كانا في توافق تام. وسعيدين لصداقتهما. وبحلول الليل، افترس النمر الرجل. ولما أنهى طعامه قال بدون أدنى لكنة: أعرف أنني أخطأت.
▪
7 – في عالمي، تتحدث الأحجار
إلى الأحجار التي تشيخ.
في عالمي ،تنزل النجوم
لِتلْعَقَ أيدينا.
في عالمي، للثلج بتلات
وريش شديد الحمرة.
في عالمي، تجوب الأشجار البيت
بخطوات صغيرة ببراءة.
في عالمي تسأل الأنهار :
” عفوا، بأي سرعة علينا أن نجري؟ ”
في عالمي، نحتفل منذ الخامس والعشرين من أكتوبر،
بعودة شهر أبريل.
في عالمي ، لِزَبَدِ البحر
طعم توت الأرض.
في عالمي، يتحول كل ألم إلى موسيقى،
والعقل استراحة الحلم.
▪
8 – قَلَّصْتُ من حَجْمي حَتَّى يَتَسَنَّى لي أن أعيش في قلب توليبة محاطا بالأوراق المتمايلة وحبوب اللقاح. وتحت تأثير الغيرة قامت اليعسوبة بطردي. هذا جزاء من يبجل الجمال. لم يبق لي سوى قتل مئات اليعاسيب واقتلاع ملايين التوليبات.
▪
9- بإمكاننا أن نبحث عن معنى لكلمة “حياة”. بإمكاننا أن نثور ضد كلمة “الله”، إلا أننا نحترم كلمة “موت”.
▪
10- في الثامنة صباحا يغمرني السرور لأنني مازلتُ على قيد الحياة، في التاسعة ابدأ في التساؤل، ابتداء من العاشرة أرتعش.