رواية (ركن التأمل) للروائية اﻷمريكية(جيني أوفيل) ترجمة الليبي: مأمون الزائدي
عنفوان فؤاد
رواية (ركن التأمل)
للروائية اﻷمريكية (جيني أوفيل)
ترجمة الليبي: مأمون الزائدي
قريباً عن دار مدارك رواية ركن التأمل للروائية الأمريكية (جيني أوفيل).
▪كتب الأستاذ إبراهيم هادي آل سنان مغرداً عن الرواية:
يصدمك ما يمكن للزوجة أن تتحدث عنه، وخصوصاً عندما تشرح حياتها انطلاقاً من ذاتها التي تتجرد لتعيش من أجل الآخرين، واجتهادها بالمقابل للمحافظة على تلك الذات دون اضمحلال. جيني أوفيل في هذه الرواية ستحرج كل زوج يتجرأ على قرائتها ليجد نفسه في مواجهة مع ما يعتبره مسلما لا يستحق التقدير.
••• ••• •••
حصلتُ على وظيفة لتحري الحقائق في مجلة علمية. الحقائق الممتعة، كما يسمونها. الألياف المتصلة في الدماغ البشري إذا مُدّت، من شأنها أن تلفّ حول الأرض أربعين مرة. هذا رهيب، كتبتُ على الهامش، لكنهم أخضعوها لذلك على كل حال.
أحببتُ شقتي لأن جميع نوافذها كانت على مستوى الشارع. في الصيف، يمكنني رؤية أحذية الناس، وفي فصل الشتاء، أرى الثلوج. ذات مرة، وأنا استلقي في السرير، ظهرت شمس حمراء ساطعة من النافذة. ارتدت من جانب إلى آخر، ثم صارت كرة.
الحياة تساوي البُنية بالإضافة إلى النشاط. تشير الدراسات إلى أن القراءة تضع ضغطاً هائلاً على الجهاز العصبي. وزعمت إحدى مجلات الطب النفسي أن القبائل الأفريقية احتاجت إلى مزيدٍ من النوم بعد أن تم تعليمها القراءة. كان الفرنسيون يؤمنون كثيراً بمثل هذه النظريات. وخلال الحرب العالمية الثانية، ذهبت أكبر حصص الإعاشة إلى أولئك الذين يعملون في المجال البدني الشاق ومن تنطوي أعمالهم على القراءة والكتابة.
لسنوات، أبقيتُ ملاحظة مكتوبة فوق مكتبي. كتب عليها العمل وليس الحب! وبدت نوعا أكثر رسوخاً من السعادة.
عثرتُ على كتاب بعنوان الازدهار وليس البقاء بداخل صندوق في الشارع. وقفتُ هناك، وأنا اقلّب صفحاته، غير راغبة في التورط.
ربما تعتقد أن الألم النفسي الذي تعاني منه هو حالة دائمة، ولكنه بالنسبة للغالبية العظمى من الناس ليس سوى حالة مؤقتة. (ولكن ماذا لو كنتُ حالة خاصة؟ ماذا لو كنتُ من الأقلية؟)
لدي أفكار عن نفسي. غير مُختبرة إلى حد كبير. عندما كنتُ طفلة، كنت أحب أن أكتب اسمي بحروف عملاقة من العصي.
ما قاله كوليردج: لو لم أخدع نفسي كثيراً، لما حررت تماماً مفاهيم الزمان والمكان… ولكني على ثقة بأني على وشك أن أفعل ما هو أكثر -أي أني سأكون قادراً على تطوير كل الحواس الخمس… وفي هذا التطوير حلٌّ لسيرورة الحياة والوعي.
كانت خطتي ألا أتزوج أبداً. كنتُ أخطط لأصبح وحش فن بدلاً من ذلك. النساء تقريباً لا يصبحن وحوش فن لأن وحوش الفن لا يشغلون أنفسهم سوى بالفن، ولا يحفلون أبداً بالأشياء الدنيوية. لم يكن نابوكوف حتى ليثني مظلته. وكانت فيرا تلعقُ له الطوابع.
إنها خطة جريئة هذا ما قاله صديقي الفيلسوف. ولكن في يوم ميلادي التاسع والعشرين فتحت كتابي. لو لم أخدع نفسي كثيراً…
ذهبتُ إلى حفلة وشربتُ حتى ثملت.
هل الحيوانات وحيدة؟
الحيوانات الأخرى، أعني.
ولم يمض وقت طويل على ذلك، حتى ظهر صديق سابق على عتبة بابي. يبدو أنه قدم على طول الطريق من سان فرانسيسكو فقط ليشرب القهوة. في الطريق إلى العشاء، اعتذر عن أنه لم يكن يحبني حقاً. وأعرب عن أمله في إجراء تعديلات. “إنتظر”، قلت له. “هل تستهلُ شيئاً؟”
في تلك الليلة على شاشة التلفزيون، رأيت الوشم الذي تمنيت طوال حياتي نيله. إن لم تكن تعرف المعاناة، فأحببنني. لكن قاتلاً روسياً فاز به.
بالطبع، فكرت في الصبي السكران في نيو اورليانز، ذلك الذي أحببته أكثر. كل ليلة في حانة البحارة القديمة، كنت أقشر الملصقات عن زجاجاته وأحاول إغراءه. لكنه لن يأتي. ليس حتى ينتشر الضوء عبر النافذة.
كان جميلاً جداً واعتدت على مراقبته نائماً. إذا كان علّي أن ألخّصَ ما فعله بي، لوددت أن أقول إنه كان هذا: جعلني أغني معه جميع الأغاني السيئة على الراديو. في كلا الحالين عندما كان يحبني وعندما لم يعد كذلك.
في تلك الأسابيع الأخيرة، قُدنا السيارة دون حديث، في محاولة منا لتجاوز الحرارة، الكل لوحده في الحلم الذي صارت عليه المدينة. كنت أخشى الكلام، أو حتى أن ألمس ذراعه. أتذكُر هذه الإشارة ؟، هذه الشجرة، هذا الشارع المكسور. أتذّكر أن من الممكن أن تشعر بهذه الطريقة. كانت هناك عشرون يوماً في التقويم، ثم خمسة عشر، ثم عشرة، ثم اليوم الذي عبأتُ فيه سيارتي وغادرت. قدتُ السيارة على طول ولايتين، وأنا أنشج، الحرارة مثل يدٍ فوق صدري. ولكني لم أتذكر. لم أكن أتذكر.
(مقتطف من الكتاب)