حوار مع الشاعر حلمي سالم| الشعر ليست له (مازورة) مسبقة أو وصفة جاهزة.
حاوره الشاعر: هشام محمود
حوار مع الشاعر حلمي سالم
الشعر ليست له (مازورة) مسبقة أو وصفة جاهزة.
الموسيقية لم تعد صلب نصك الجديد ولكن يمكن استخدامها كخيط من خيوط النص.
لابد أن نأخذ من الماضي مناطقه الحية ونطوره وتستثمره في اللحظة المعاصرة.
كسر التابوهات يعني تجديدها وتوسيع الرؤية إليها وخلعها من التكلس وضيق الأفق.
كل نص يستلزم التأويل بحسن نية.
الشعر لم ديوان العرب وهذا تطور كبير وانتصار لمعناه الجمالي.
ليس من مهام الثقافة أن تصلح ما تفسده السياسة.
••• ••• •••
هو شاعر يمكن أن نختلف عليه كثيرا، وكان هو نفسه يغذي هذا الاختلاف، عبر ما يصنعه من مغايرة حقيقية في كتابته، لذا لا نملك إلا أن نحبه، ونحب نصه المغاير والمغامر، راهن على الدوام على أن تكون القصيدة بيته وملاذه الآمن، والقصيدة في المقابل كانت سخية معه لأقصى درجة، فمنحته معاناة تجدد نفسها ذاتيا وحلما متعدد التأويلات تماما كالقصيدة، في شعره زواج أسطوري لا يخاصم الواقع، بين الثورة والسكرة، وقصائده تعرف كيف ترسم خريطة طريق لوردة في ميدان الحرب، وتصنع في الشعر وبالشعر ما يفضح الظلام والظلاميين، أيا كانت الأقنعة التي يتوارون خلفها، هل ثَمَّ جمرة قبض عليها الشاعر؟ فأصبحت في يده فكرة وكتابة وثورة على العادي والمألوف؟ هذه الثورة التي نستطيع أن نتنفسها وأن نتعايش معها في القصيدة كما نفعل تماما في الواقع.
▪الشاعر الشاب الذي يتحسس خطواته الأولى على طريق الشعر “حلمي سالم” كيف كانت ضربة الفأس الأولى في أرض الشعر؟
– بالطبع الإحساس بالرغبة في الكتابة الفنية بدأ مبكرا، كشأن كثيرين، بلا استثناء في هذا الموضوع، من المرحلة الإعدادية والثانوية، وطبعا كان هذا نتيجة القراءات الكثيرة، حيث كنا ننهب مكتبة المدرسة في القرية، ثم مكتبة المدرسة في المدينة (شبين الكوم)، وكانت القراءات تتنوع ما بين الرومانتيكية، والواقعية، وغيرها، وهذا بالإضافة إلى الطبيعة الريفية لقريتي التي عشت فيها (قرية الراهب) في (شبين الكوم) بالمنوفية، أعطتني الرغبة ليس في الكتابة، ولكن في إنتاج الفن، أي فن، ولذلك كنت في هذه الفترة الأولى، فترة الإعدادية والثانوية، أقوم بأعمال فنية كثيرة، أكتب الشعر والأغنية، وبدأت كتابة رواية لم تكتمل، وأكتب قصة قصيرة، وأمثل في فريق المدرسة، وكنت أرسم، كانت الرغبة في إنتاج الفن، بأنشطته المتعددة.
▪أتصور أن هذا لم ينمح ولم يختف من بين طرائقك في التعامل مع الكتابة، بدليل احتشاد كل هذا فيما تكتب الأن.
– نعم، ولكن الذي حدث من الناحية الفعلية، حينما دخلت الجامعة، أن استُقْطِبَتْ كل هذه الأنشطة الفنية للشعر، فتوقفت عن كل هذه الأنشطة، واستوعبها الشعر، فصارت هذه الأنشطة تتبدى في الشعر وحده، سواء الفن التشكيلي والرؤية البصرية وروح المسرح، وهكذا أصبح الشعر فقط هو الطريق الوحيد.
▪ما الذي يدفعك وقد اقتحمت ميادين غير مأهولة وغير مسكونة في شعرنا العربي، أن تكتب بعض أعمالك بهذه الإيقاعية والغنائية المفرطة، على نحو ما يبدو في ديوانك (ارفع رأسك عالية) مثلا؟
– أنا أصدر في ذلك عن تصور أن الشعر ليست له (مازورة) مسبقة، أو مقياس مسبق، وأن الشعر هو ما يكتبه الشعراء، فلا توجد وصفة جاهزة للشعر، يذهب إليها الشاعر، ولكن الحركة العكسية هي الصحيحة، ما يفعله الشاعر هو الذي يتم توصيفه كشعر، هذه نقطة، النقطة الثانية، أنني أعتبر أن لحظات الانفجار التراجيدية الكبرى ولحظات المأساة هي لحظات غنائية، لا تستطيع معها أن تقدم أعمالا مركبة، بل يكون على الشاعر أن يدفع لهذا الحدث ضريبة عاجلة، وهي ضريبة ثورية (كاش)، غير الضريبة الآجلة، التي يدفعها بعد أن يمر الحدث، فيتأمله ويتعمق فيه ويتشربه، فينتج إبداعا أكثر عمقا، يتصل بالحدث، فالشعر في اللحظات الثورية هو مساهمة من الشاعر كمواطن وليس كشاعر، في هذا الحدث، كأنك في مظاهرة، كأنك تصوغ شعارا، وأنا لا أتحرج من هذا وأفعله، ورصيدي يعطيني شرعية أن أفعل هذا، لهذا يأتي الشعر لحظة الثورة غنائيا، لأنه في الغالب يكون في لحظة جمعية، كمساهمة في هذه اللحظة الجمعية، التي يناسبها غناء جمعي، لحشد الناس.
▪في المقابل، كيف بدا خروجك على عروض الشعر العربي، بميراثه الإيقاعي القديم؟ الذي لم يعد لدى الكثيرين مناسبا لتجاربهم الجديدة؟ هل يبدو الأمر كذلك بالنسبة لك؟
– من الناحية التاريخية لم يعد العالم غنائيا مثلما كان، لم يعد مموسقا مثلما كان، لم يعد ثنائيا مثلما كان، بل تعقد العالم وتهشم، وفقد بساطته وتثنائيته وميلوديته وموسيقيته وانسجامه، وبالتالي فإن الشعر المموسق والأشكال القديمة للشعر، لم تعد تلبي اللحظة الراهنة في رأيي، كما أنها صارت خارج التاريخ، ولكن هذا لا يعني أنني أتجاهلها كلية، بل يمكن أن تستخدم بعض خطوطها في نسيجك الجديد، فلا تصبح الموسيقية هي صلب نصك الجديد، ولكن يمكن أن تستخدمها كخيط من خيوط النص، في كل الأشكال الفنية المتاحة أمام الشاعر، بحيث يصنع النص المواكب للحظته، ولِتَعَقُّدِ وعي الكون إذا صح هذا التعبير.
▪حلمي سالم وإن كان هو الأكثر جنوحا من بين شعراء جيله، نحو كتابة تتحدى السائد والمألوف والمكرور والعادي، من جانب، فإنه يبدو في نفس الوقت الأكثر ارتباطا بمسيرة الشعر العربي، ونتاجا طبيعيا لهذه المسيرة، للدرجة التي تجعل قصائد حلمي سالم وكأنها معلقات جديدة عصرية، أرجو إضاءة وتوضيح هذا الأمر.
– بعض المثقفين يرون أن الموقف الثوري من الماضي هو أن ندير له ظهورنا، والأمر ليس كذلك، وثمة موقف مناقض على الطرف الآخر، يتمثل في الاستغراق في الماضي حتى الغرق، وأري أن في الأمرين تطرفا ذميما، فالقطيعة المعرفية الصحية هي تمثل الماضي وليس دفنه، هي معرفته وإدراكه وهضمه، ولكن طرح الماضي كلية باسم الحداثة فهو عدم، والاستغراق في الماضي كلية عدم آخر، باسم الأصالة أو الحفاظ على التراث، أنا أحاول (تفسيرا لسؤالك) على قدر ما أستطيع، أن أمارس فهمي الصحي هذا للقطيعة المعرفية، فالتراث كله ملكي، لكنني لست عبدا له، ولست خصما له في الوقت ذاته، هذه العلاقة الجدلية التفاعلية، التي تأخذ من الماضي مناطقه الحية وتطوره وتستثمره في اللحظة المعاصرة، وتطرح وتترك الجوانب الميتة أو المعطلة أو الرجعية أو غير المضيئة فيه.
▪بعض شعراء جيلك (جيل السبعينيات) اصطدموا كثيرا بالمقدسات، ولكن أنت تحديدا لك حديث ذو شجون مع الولع بكسر التابو والاشتباك مع المقدس، كيف تلخص هذا الحديث؟
– سألخص هذا الحديث في نقطتين، النقطة الأولى عامة، وهي أن الشعر والفن عامة، يستهويهما كسر المحرمات: الجنس والدين والسياسة، هذا الثالوث المقدس، الفن عموما إن لم يكن كسرا للتابوهات، يصبح إعادة إنتاج للحياة وللفن، وهذه هي النقطة الأولى، سبب المشكلة نزوع الفن إلى كسر هذا الثالوث.
▪وأنت تحديدا ضربت في الثالوث مجتمعا؟
– أتصور أن الضرب في ضلع واحد من الأضلاع الثلاثة موقف غير مكتمل، وإنما الموقف الحقيقي المكتمل ثوريا، فيما يتعلق بكسر التابوهات والقواعد والأطر الحديدية، هو ضرب الثالوث مجتمعا، عندما أقول (كسر التابوهات) أقصد تجديدها، وتوسيع الرؤية إليها، وخلعها من التكلس وضيق الأفق، وإنعاش حرية التعامل معها، بما لا يصدم القواعد العامة أيضا، ولا سيما أنه في ظني أن هذه الأضلاع الثلاثة متصلة ببعض، وليست منفصلة، كما يظن البعض، هذه هي النقطة الأولى، النقطة الثانية أن الفن عموما يميل إلى تجديد المناطق الممنوعة، وإعادة النظر فيها، وتوسيع الرؤية إليها، بالنسبه لي فأنا أفعل هذا دائما علي قدر الإمكان، في الأضلاع الثلاثة، ولكن في هذه السنوات الأخيرة، ترصد لي بعض الشيوخ، واصطادوا كلمة، هي من باب ما نقصده الآن، محاولة لتأمل الأمر بحرية أكثر، ومحبة أكثر، وبتأويل محب منفتح وحسن النية، والأدب والفن عموما يستلزمان التأويل، وكل نص يستلزم التأويل، كما قال الإمام علي بن أبي طالب، ويستلزم حسن النية، أما إذا أسأت النية، فإنك تستطيع أن تجد في أي شيء، وفي أي نص تقرؤه، إساءة للذات الإلهية أو تناولا صادما للجنس أو السياسة، ولكن بدون التأويل تضيق الحياة جدا، هذا هو ما حدث، أن قُرِئَتْ بعض نصوصي أو مقاطع منها بطريقة ضيقة لا تأويل فيها، فأخذتها بمعانيها الظاهرة، كما يقول النقاد القدماء، مما تسبب في هذا الصدام.
وطبعا من أساسيات القراءة ألا نقتطع جملة من سياقها، ونُلبسها ما لا تحتمل من دلالات، تختلف بطبيعة التجربة الإبداعية.
أصدقك القول، تاكيدا لهذه الفكرة، أن هذه القراءة الضيقة للنص كانت على عكس الغرض منه، فقد كان الغرض معاكسا تماما لفكرة الخدش، بالعكس نصي كنت أراه دينيا لاهوتيا صوفيا، أنا أقول عن نفسي، ويقول عني الكثيرون إن لي نزعة صوفية في نفسي، وتظهر في نصوصي.
▪من سمات الكتابة الحقيقية أنها لا تحد بحدود زمانية أو مكانية، ولكنها تصلح لأن تكون تجارب إنسانية، يفهمها الإنسان أينما كان ويجد فيها نفسه، لأية درجة يرتبط هذا باختلاف دور الشعر الآن عنه فيما سبق؟
– في تقديري أن الشعر كان في السابق ديوان العرب بالفعل على نحو ما نعرف، ولم يعد الآن كذلك، وهذه ميزة كبيرة، وإن عدها بعض النقاد مثلبة، بينما أعتبر هذا تطورا في الشعر العربي، وانتصار لمعناه الجمالي، فقد كان الشعر ديوان العرب، عندما لم يكن لدي العرب سوى الشعر، فلم تكن هناك مؤسسات إعلامية ولا تعليمية بالشكل الذي هي عليه الآن، فكان الشعر يقوم بأدوارها، يقوم بالدور التربوي، والتأريخ للأنساب، والتعبير عن الأحزاب والقوى المختلفة، وبتأريخ الحروب، وبتعليم الناس الفلسفة والفكر، والإخبار والإعلام، كان الجوهر الشعري موجودا، ولكنه قليل، لثقل المهام الأخرى، التي تحملها الشعر، إعلاميا وتاريخيا وفلسفيا وأنثروبولوجيا، هذه المهام والوظائف التي قامت لها مؤسسات في الدولة الحديثة، ومن ثم تسلمت من الشعر وظائفها، وبقيت للشعر شعريته، وصار عاريا إلا من ذاته، هذه هي النقلة الكبرى للشعر، وأنا كشاعر أفخر بأن الشعر لم يعد ديوان العرب، وأخشى أن أقول: ينبغي على الروائيين ألا يسعدوا بما ردده البعض من أن الرواية الآن هي ديوان العرب، أو أننا نعيش زمن الرواية، لأن ديوان العرب لم يعد في فن بعينه، ولا في ثقافة بعينها، ولا في معرفة بعينها.
▪بما لا ينفي أيضا أن من بين الشعراء، وأنت نموذج لهم، من لم ينح جانبا كل الأدوار التي لعبتها القصيدة في السابق، إضافة إلى دورها الجمالي، وهذا يضع المتلقي أمام مسألة صعبة، كيف أحافظ على ما بيني وبين المجتمع من وشائج، وأن أكون متفاعلا ومتواصلا معه في القضايا العامة والقضايا الكونية والوجودية الكبرى، وفي الوقت ذاته أكون حريصا على البعد الجمالي الذي هو أساس الفن؟
– كثير من الشعراء يفعلون ذلك، بمعنى أنه حينما أقول إن الشعر أصبح برأسه وبطوله، أقصد الشعر الصافي، فالشعر أصبح صافيا عن وظائفه لدى السابقين، ولا أقصد الشعر المنعزل عن الحياة، كثير من الشعراء المعاصرين الجيدين يفعلون ذلك، يشتبكون مع واقعهم بشعرهم المعاصر، الذي صفا وتخلص من المهام السابقة، أنا وغيري نفعل هذه المهام، ليس بتلك الأغراض السابقة، نحن نتحدث عن الواقع، لا بغرض الإخبار، ولا بغرض التربية، وإنما العين أولا على الشعر، وتحت الشعر يأتي كل شيء في العالم، حيث يسحبه الشعر إلى أرضه، ولا يستطيع الشاعر المعاصر أن يعيش بمعزل عن حياته المحيطة ولا مآسيه، ولست فردا فيما أقول، أنا أفعل هذا لأنني أحاول أن أعتبر كل شيء في الحياة عنصرا شعريا، تقريبا هذه الحركة معاكسة لما كان في السابق، حيث كان كل شيء في الشعر يمكن أن يستخدم في الإعلام أو التربية أو الفلسفة، حركة الشعر المعاصر اليوم مختلفة، كل شيء في الحياة يمكن أن يستخدم في الشعر، وهذا ما يفسر الفكرة التي طرحتها.
▪حلمي سالم ليس فقط شاعرا، ولكنه أيضا مثقف عضوي، وما أكثر المعارك التي خاضها، والتي كان طرفا فيها، والمعارك التي لم يكن طرفا فيها، ولكنه لم يؤثر السلامة، كما قد يفعل الكثيرون، ولكنه أصر أن يكون مناضلا من أجل كل قضية تنتهك فيها كرامة الإنسان وحريته، لأية درجة أخذت هموم الحياة من الشاعر، ولأية درجة أعطته؟
– هذه الهموم لم تأخذ من الشاعر شيئا، بل أعطت له كل شيء، بمعنى أنه من مآسيك ومن مشاكلك ومن عملك سواء بالصحافة أو السياسة، من وجع القلب والأتوبيس المعطل والزحام وكل التفاصيل، من هذه الطاحونة التي تستنزفنا، كل هذا أسخره للشعر، ويكون مادة حية له، ودائما أصنع الشعر من هذه الهموم، أحيانا أنجح بالطبع، وأحيانا أخفق، أنا أتحدث عن العملية نفسها، كل هذه الهموم المختلفة أعطتني وأخذتُ منها، وحاولت تحويلها إلى شعر، لا أقول (تشعيرها)، بمعنى جعلها شعرا، ولكن الفكرة هي خدمة الشعر، لأن الجملة في حد ذاتها يمكن ألا تكون شعرا، ولكنها تخدم الشعر، حيث يمكن أن يوضع أي شيء في القصيدة، وهو ليس شعريا في ذاته، ولكنه يقوم في القصيدة بوظيفة شعرية كبيرة، ولهذا فأنا آخذ من كل ما حولي بطريقة براجماتية، وربما انتهازية واستغلالية جدا، وأحاول أن أستغل هذه الكثرة والمشاكل العديدة والتوترات، حيث أعتبرها نعمة من عند الله، وهذه النعمة هي التي تفتح وعي الإنسان، وترقي هذا الوعي، والأهم أنها تساعد في توفير مادة خام للشاعر، بصرف النظر عن نتيجة المحاولة، ما إذا كانت صائبة أو خائبة، وإنما الفعل نفسه هو ما يعنيني، وكذلك عملية التحويل هذه.
▪تتردد كلمة (الأزمة) كثيرا في حياتنا الثقافية، كمثقف، هل ترى أن الثقافة بالفعل في أزمة؟ وكشاعر أيضا، هل يبدو الشعر في أزمة؟
– لا الثقافة في أزمة، ولا الشعر في أزمة، وابتداء، ماذا نعني بثقافة؟ وماذا نعني بالشعر؟ لو أننا نقصد الثقافة العقلانية التقدمية التنويرية، فهي في أزمة بالطبع، فمنذ 200 سنة، وليس اليوم والأمس، والتيار التنويري والعقلاني لم ينتصر، لقد بدأت الثقافة التنويرية منذ 200 سنة، والذين هزموا رفاعة الطهطاوي ومن بعده محمد عبده ثم قاسم أمين، هم السلفيون.
▪هل تعتبر هؤلاء الكتاب الذين ذكرتهم قد هُزِمُوا بالفعل؟ أم إن المجتمع بشكل عام هو الذي انهزم وتراجع عندما لم ينتصر لأفكارهم في الإجمال؟
– بالفعل، الأزمة ليست في الثقافة التنويرية والعقلانية، وليست أزمة الثقافة نفسها، بالعكس، فالثقافة والمعرفة هي التي تنهض بالمجتمع، وإذا كان المجتمع مأزوما ومنقسما ومكسورا ومهزوما، فإنه لا يتقدم ولا تتقدم الثقافة، بل يهبط بها إلى الحضيض.
▪هل يمكن أن نختصر الأمر في أن المجتمع يتأخر لأنه وضع الثقافة خلف ظهره؟
– بالطبع، وهذا ما فعله السياسيون والحكام، الذين طلبوا من الثقافة طوال 200 سنة مرت، أن تحل مشاكل السياسة، أن تخلق الوحدة الوطنية والتقدم والتسامح الديني والفكري والعدالة، في حين أنهم يدعمون كل ما هو مخالف لهذه الأفكار والقيم، وفي الحقيقة ليس من مهام الثقافة أن تصلح ما تفسده السياسة والنظم السياسية، التي تصنع بالفعل كل ما يعوق مهمة الثقافة ويعطلها، ويضربها في الصميم، ليبدو في الظاهر أن الثقافة هي المنهزمة، ولكن في حقيقة الأمر أن المنهزم في ال 200 سنة ليس الثقافة ولا الفكر العقلاني، ولكن نظم الحكم ونظم السياسة، والنظم الاجتماعية والثقافية، والنظام الثقافي بالمناسبة ليس هو الثقافة، هذه النظم هي المنهزمة عبر200 سنة، ونحن ندفع كمثقفين ومواطنين ثمن هذه الهزيمة.
(*) نُشِر الحوار في جريدة “القاهرة”