بين دور المراة وحقيقة الذكر كلود كاهون

رؤيا سعد

“أنا هنا أعيش ذاتي بحرية، بعيدًا عن الذين يجبرونني أن أكون شخصًا آخر”.

– إينار إلب

بقي إسم كلود كاهون Claude Cahun (1894- 1954)، اسما دخيلا الى الابد على مايبدو ان لكل انسان له نصيبا من اسمه وان لم يكن هو اسمه فانى يكن له النصيب ؟ كانت الكاتبة والمصوِّرة الفوتوغرافية ( في الاصل رجل متحول ) ،اسما منسياً خارج التاريخ الأدبي الحديث. حتى عند تناولتها الحركة السريالية مرّت على اسمها مرور الكرام . والسبب لكثرة اللغط حينذاك كون المثلية كانت حينها في اشكالية تقع بين الافصاح و السرية ، و الاعلام تناول سبرتها بازدراء واخبار ملفقة فاضحة . مع ظهور الدراسات الحديثة في ثمانينات القرن الماضي، التي تناولت دور المرأة في الحركة السريالية، وخصوصاً دراسات وأبحاث فرنسوا لوبيرلييه، ومعرضي “متحف الفن الحديث” في مدينة نانت الفرنسية في 1994، و”متحف الفن المعاصر”- باريس (1995)، والذي عرّف الجمهور على أعمالها الفوتوغرافية، عاد هذا الإسم الإشكالي المستعار ليظهر من جديد، وتصبح صاحبته محور اهتمام حقيقي. حتى ان شكلها جذب العديد من صناع الفن التشكيلي والاعمال المفاهيمية في اوج انتشارها فقد تعاونت مع مان راي بعدة جلسات تصويرية وكذلك هي قد صورت نفسها ( بورتريه ذاتي )
بدأت الكتابة والتصوير في 1912. نشرت “مشاهد ونظرات” في 1915. في العشرينات شاركت في عدد من المجلات والتقت هنري ميشو، ولعبت أدواراً مسرحية مع جان كوكتو وان كانت تلك الادوار صغيرة الا انها شكلتها فنيا . في 1936 عرضت أعمالاً سريالية. بين 1940- 1945 نشطت سياسياً ضد جيش الاحتلال النازي، وسجنت وتم ايقافها من قبل الغستابو، ثم اطلق سراحها في ٨ من أيار 1948.

ان كاهون ماهي الا رائدة في الدعوة للحرية الجسدية وقد ركزت نشاطها على مفهوم الجسد ، لتعيد لنا طرح مسائل التمثيل الذاتي مابين مفهوم الأنوثة والذكورة الذي تبنى عليه المعايير المجتمعية ، لذلك استحقت مسيرتها الفريدة ان تعاد كتاباها من جديد لانها مغبونة اعلاميا ..
فهي لوسي شواب، ابنة شقيق الكاتب الرمزي الشهير ( مارسيل شواب ). وُلدت في نانت من عائلة بورجوازية مثقفة، درست الأدب والفلسفة في جامعتي أوكسفورد والسوربون. بعدما انتحلت أسماء عدة مستعارة، استقرت بعدها على ( كلود كاهون ) ، اختارته كاسم محايد يقبل التانيث والتذكير ، وكذلك ينم عن إرادة واعية في خلط الهوية وتشويشها.

سيرة حياتها الابداعية ان كانت ادبية او فنية ( فوتوغرافية ) تبين لنا مدى نضجها الفكري وريادتها فقد سبقت اوانها فهي بالفعل شخصية استثنائية، متحررة، على تلك التقاليد السائدة (الجنسية، الاجتماعية، الأخلاقية)، في عصر عاش ريادات طليعية وتقلبات في عادات المجتمعات . و بين كل تلك الاعمال كانت صورها الفوتوغرافية الشخصية مثار استهجان من قبل الاعلام و النقاد والمجتمع . فهي بمثابة ثورة على كل الكليشيهات المسبقة المرتبطة بالهوية مستخدمة صورها كسلاح لاثبات وجودها رغما عن رفض المجتمع . أعادت تشكيل ذاتها من خلال تلك الصور الفوتوغرافية وهي تقف بكل ثقة أمام الكاميرا باحساس مسرحي تمثيلي شديد الاتقان ، ترتدي الزي النسائي كتحدي ذاتي بالمقام الاول واجتماعي عام في المقام الثاني ،وكذلك ارتدت الزي الرجالي كي لا تنكر حقيتها الاولى لتقف بدور بطلة لا يمكن تصنيفها، بشعرها الطويل أو القصير، وحتى حليقة الرأس. ومن خلال هذه السلوكيات الابداعية و المتجددة بامتداداتها في أعمالها التي تناولت تنسيقات لأغراض وفوتومونتاج فقد منحت الأفضلية للخيالي والمتحوّل.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *