النص الفيلمي..التحليل والتلقي
عزالدين الوافي
إن من منطلقات ودوافع تأليف كتاب النص الفيلمي التحليل والتلقي هي محاولات ومساعي تأتي أولا لتسائل السائد في الكتابات الحالية العربية والمغربية في حدود إمكانياتها المنهجية والفكرية في التعامل مع النص الفيلمي باعتباره حقلا حاملا للكثير من الظلال الثقافية والجمالية.
هي كتابات لا تدعي الشمولية ولا الوثوقية ولكن تحاول أن تميز بين الكثير من الكتابات العابرة التي تستقي من القراءات الأدبية أدواتها ونفسها ثم ـن الكثير منها يغرق في القراءات الموضوعاتية أو الوصفية دون محاولة ربط اللغة السينمائية بلغتها هي، في محاولة ربطها بالثقافة السينمائية سواء للمخرج ذاته أو للسياقات المعرفية والفلسفية التي يستند لها هذا المخرج أو ذاك في بناء خطابه الفيلمي وقراءته للعالم وللإنسان.
من هنا جاءت دوافع هذا المؤلف لتسلط قليلا من الضوء على بعض الإشكاليات المنهجية المتعلقة بالتمييز بين القراءة والتحليل والتقاطعات الممكنة من حقول معرفية أخرى مع محاولة الإبقاء دائما على الانتماء واحتضان اللغة السينمائية لا غير.
تاريخيا الأدب سبق السينما ولذلك تساءل غودار ماذا بإمكان السينما أن تضيفه لما أتى به الأدب.وبالتالي فالنقد الأدبي ذاته سبق التنظير السينمائي ولذلك يلاحظ كيف أن العديد من نقاد الأدب في فرنسا وحتى بالمغرب مع نورالدين أفاية والبشير القمري ومصر مثلا بدأوا بالكتابة في النقد الأدبي ثم انتقلوا للنقد السينمائي أو ظلوا يتنقلون بين المجالين وغالبا ما استهوتهم مجالات السينما لكن مقارباتهم ظلت في كنف ما هو أدبي دون أن تتجاوزه ،ولذلك تناولوا مكونات المتن الفيلمي من منظور أدبي أسلوبا ومضمونا .صحيح أن هناك مخرجون ذاتهم أتوا من المسرح أو الشعر أو الأدب وبعضهم من الموسيقى وهي مجالات مطبوعة بما هو أدبي أي مرتبط بالكلمة والنص ولنقل أن السيناريوهات ذاتها تتميز بقسط يسير من الأدبية في الوصف وتوظيف العبارات من أفعال ونعوت وحالات.
إن النص الأدبي وسيط تفككه القراءة باعتبارها مجموعة من العلاقات التي تتحقق عبر القدرة على التشخيص وفك الحروف والفهم عبر وسيط التخيل المباشر، فيما يحمل النص الفيلمي نفس الهم وهو نقل تجربة إنسانية من خلال قصة, غير أن تحققه يكون من خلال القدرة على فك مضامين الصور وعلاقات الضوء تقنيا،رمزيا، وتشكيليا عبر وسيط الكاميرا والممثل الذي نراه بالعين المجردة تحت هالة الواقع المكرر.
إن القاسم المشترك بين المخرجين الأربع أي جارموش،وبرغمان،وغودار،وبازلوني هو الرؤيا الشعرية التي تجمعهم حول مشاريعهم، هم بمثابة أنبياء يكشفون عبر قصصهم ووجوه شخصياتهم ومساعيهم اليومية لإيجاد نوع من التوازن الروحاني بين مدى اليتم المأسوي الذي يخيم على علاقتهم بذواتهم وبالعالم.
هم مخرجون يحملون هموم الحداثة السينمائية بامتياز لكونهم تمكنوا من نقل الوجدان البشري عبر وسيط الصورة والخلفيات الموسيقية عند جارموش،والأدبية عند كل من بازوليني وغودار والمسرحية عند برغمان.هم يحققون نوعا من السينما الخالدة التي
تبقى قابلة لتعدد القراءات والغنية بثراها الجمالي والفلسفي ولن تبلى.
هناك إحالات لسينما طاركوفسكي وعلاقته بسينما برغمان من حيث البعد التأملي والميتافزيقي للتجربة الإخراجية باعتبارها تجربة وجودية بالأساس ومحاولة للكشف عن علاقة المبدع بالحياة والموت.لو أضفت سينما كياروستمي فسيجد مكانه بين هذا الرباعي أيضا لأن أصوله الإبداعية نابعة أيضا من الشعر والأدب وهناك لديه منحى فلسفي يغوص في الأفق الجمالي لأفلامه.
هو فعلا استمرار للبحث في جماليات العمل الفيلمي وخصوصياته وتميزه عن باقي الأعمال الأخرى فالأول محاولة لتفكيك عناصر اللغة الفيلمية باعتبارها مسارات لإنتاج دلالات وفق سياقات مرتبطة بالسينما ذاتها وبميكانيزماتها,
يحيل الكتاب الأول على القيمة الثقافية لهوية العمل الفيلمي باعتباره منتوجا ثقافيا ينتج عبر مسارات الكتابة والتوزيع والاستغلال فيما يقف الكتاب الثاني عند سبل استقبال الفيلم و إخضاعه لآلية التفكير والتحليل لكنه يتجاوز الأول في طموحه لإرساء قواعد قريبة من التشريح الإكلينيكي للفيلم محيلا على المرجعيات الفلسفية والفكرية لإشكالات النص الفيلمي وحيثيات تلقيه وتحليله، وذلك بالنظر لبعض منزلقات اسقاط مجالات ما هو أدبي على ما هو فيلمي وهو ما سأتناوله في كتابي القادم بحول الله.