مع الراحل حسقيل قوجمان

صادق الطائي

لم يلتفت أحد لصورة هذا الرجل العجوز ذو الوجه المبتسم ، ربما سمع باسمه كثيرون لكنهم لايعرفون شكله او صورته … انه الكاتب والسياسي والباحث الموسيقي والمترجم حسقيل قوجمان ، الذي كتب عن سيرته معلومات واضحة ودقيقة ، إذ ولد في بغداد لعائلة متعددة الابناء، وكان ترتيبه التاسع من بين 11 ، ثلاث بنات وثمانية اولاد. كان والده من فقراء اليهود ويعمل صباغا للانسجة والغزول بالنيل، ولكنه أضطر خلال الحرب العالمية الاولى الى السفر الى العمارة هربا من الجيش العثماني، وترك زوجته مع اطفالها لتواصل عمله وتربي هؤلاء الاطفال. وبعد عودته الى بغداد لم يوفق في عمله ثم اصيب بشلل نصفي منعه من العمل، مما أدى الى ان تعيش العائلة ظروفا صعبة .
انهى قوجمان الدراسة الثانوية عام 1939 وبعد سنة من البطالة حصل على وظيفة مدرس في مدارس الطائفة اليهودية الابتدائية. وفي 1947 التحق بكلية الصيدلة حيث قضى فيها ثلاث سنوات.
كان منذ طفولته يحب الموسيقى وقد استمر هذا الحب حتى رحيله عن دنيانا . تعلم العزف على آلة العود بصورة ذاتية لذلك لم يصبح عازفا محترفا ولكنه كتب لاحقا كتابين عن الموسيقى العراقية والمقامات العراقية احدهما باللغة العربية كان اطروحة الماجستير والثاني باللغة الانجليزية كان من المفروض ان تكون اطروحة الدكتوراة.
من الناحية السياسية تعرف على الحركة الشيوعية في بداية الاربعينات من القرن الماضي. ففي سنة 1944 تعرف على شاب يدعى ساسون دلال الذي جرى اعتقاله في 19 شباط /فبراير 1949 اي بعد اعدام قيادة الحزب الشيوعي (فهد و حازم و صارم ) بخمسة ايام، وجرى تنفيذ حكم الاعدام فيه في ايار/مايو من نفس السنة. ويذكر قوجمان عن ساسون دلال أنه كان يقرأ الانجليزية بطلاقة وهذا الامر أتاح له الاطلاع على الادبيات الماركسية بهذه اللغة، وقد تعلم منه قوجمان لاول مرة مفاهيم المادية التاريخية والمادية الجدلية.
في 1945 انتمى حسقيل قوجمان الى عصبة مكافحة الصهيونية ثم الى حزب التحرر الوطني غير المجاز. وبعد اعتقال سكرتير الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان (فهد) سنة 1947، اعتبر كل عضو من اعضاء حزب التحرر عضوا في الحزب الشيوعي، وبذلك اصبح قوجمان عضوا في الحزب الشيوعي بصورة تلقائية.

في شباط/ فبراير 1949، بعد خمسة ايام فقط من اعدام (فهد) جرى اعتقال حسقيل قوجمان و زوجته وعدد من اعضاء عائلته وعائلة زوجته، وبضمنهم والدته التي تجاوزت السبعين من عمرها حينها، وبقي قوجمان معتقلا حتى 14 تموز/يوليو 1958 إذ أطلق سراحه مع من أطلق سراحهم من السجناء السياسيين، لكنه سرعان ما أعتقل ثانية في تشرين الاول / اكتوبر 1959 أثر هجوم نظام عبد الكريم قاسم على الشيوعيين بعد أحداث كركوك، وتم اعتقال قوجمان بدون محاكمة وبقي في السجن حتى اواخر سنة 1961، وفور اطلاق سراحه هرب الى ايران، لكن الشرطة الايرانية قبضت عليه وسلمته الى منظمة صهيونية كانت تسفر اليهود الى اسرائيل على حسابها.
اشتغل في اسرائيل مترجما للغة العربية وفي الوقت ذاته التحق بالجامعة حيث حصل على درجة الماجستير في الادب العربي الحديث، وألف اشهر قاموس (عبري – عربي) هو قاموس قوجمان. وفور حصوله على شهادة الماجستير سافر الى بريطانيا بحجة اكمال الدكتوراه لانه لم يكن يريد ان يخدم اولاده في الجيش الاسرائيلي.
كما انه امتنع عن ممارسة اي نشاط سياسي في اسرائيل، إذ لم ينتم الى اي حزب سياسي، حتى راكاح (الحزب الشيوعي الاسرائيلي) الذي انتمى له اغلب اليهود الشيوعيين من العراقيين المهاجرين الى اسرائيل، لان قوجمان كان يرى إن هذا الحزب أصبح “حزبا تحريفيا منذا المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي” كما يصفه.
وحين وصل الى بريطانيا بدأ يكتب المقالات السياسية وينشر في مجلات قليلة التداول ومنها ما لم ير النور اطلاقا. كما صدرت له بعض الكتب والكراريس السياسة لكن حياته ظلت مرتبطة بالماركسية التي حاول جهده ان يتقنها ويطور دراستها في بريطانيا. توفي حسقيل قوجمان في تشرين الاول/اكتوبر 2018 وهو مستمر في عطائه حتى اخر يوم في عمره (الصورة مع حسقيل قوجمان في مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم 17 كانون الاول 2014)

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *