انهزام ترامب و دستورية حرية النشر
جمال أكاديري
فيما قد يحتسب واحدة من بين الآلاف الدعاوى القضائية التي رفعها سابقا دونالد ترامب ، رفعت وزارة العدل الامريكية اول الاسبوع الفائت في شخص المدعي العام دعوى قضائية مدنية في محكمة اتحادية تسعى جاهدة لوقف نشر كتاب مستشار الامن القومي السابق جون بولتون . وتزعم ان هذا الأخير قد خرق عقد العمل الذي كان يجمعه بالحكومة ، وبهذا قد يكون قد انتهك أيضًا اتفاقية عدم افشاء معلومات سرية مصنفة .
الدعوى تطالب بإصرار على اكمال “عملية مراجعة الكتاب قبل عرضه على النشر” من طرف موظفي الرقابة الحكومية لاعادة تنقحيه من جديد ، تحت حجة “عدم قانونية الكشف عن معلومات سرية دون إذن كتابي حكومي ” ، والتأكد أيضًا من أن كتابه ، الذي الآن ، شحن للتوزيع عالميا ، لم يكن قد سببب بعد ضررا استثنائيا للأمن القومي !لكن فشلت حكومة ترامب في إثبات أن الأمر الزجري سيمنع ضررًا لا يمكن إصلاحه. وبناءً على ذلك ، تم مؤخرا ، رفض الدعوى من طرف قاض أمريكي رفيع بل المعروف لدى المختصين القانونيين يكاد ان يكون من المستحيل فرض قيود مسبقة على حرية النشر بموجب القانون الدستوري الأمريكي الحالي ، وفي هذه الحالة ، جاء حكم القاضي موافقا لدفاع المستشار السابق بولتون على أن اتخاذ إجراء صارم ضد حرية التعبير ليس قانونيا ، وان طلب حكومة ترامب بتوقيف نشر الكتاب كان غير سليم دستوريًا . و اقر القاضي في تعليل حكمه إن الكتاب يرقى إلى مستوى الخطاب السياسي “لأسباب من الصعب ذكرها ، لن تأمر المحكمة بمصادرة وتدمير مذكرات سياسية تحوم في نطاق شؤون الدولة “.
كل هذا يأتي في أعقاب التحذيرات الهستيرية الأخيرة من ترامب بأن بولتون – الذي من المقرر أن يصدر كتابه هذا الأسبوع بعد أن أجرى مقابلة تلفزيونية – يلعب ببراميل نارية ستنفجر في وجهه ، فذلك عندما يستغل ترامب – بصفته رئيسًا لرؤساء اقسام وزارة العدل – اجهزة الدولة لمحاولة منع نشر كتاب ، ووضع نظام قيود مسبقة لحرية التعبير فهذا سيحمل المراقبون على الشك في احترامه لصلاحيته الدستورية
و أيضا القلق بشدة من حقيقة أن وزارة العدل ومجموعة من المدعين الفدراليين اصطفوا بتحيز وراءه لملاحقة أحد أعداءه المزعجين الذي اضطر ، السنة الفائتة ، لطرده علنا من منصبه الاستشاري في البيت الإبيض. فكل من يعلم شيئا عن إساءة استخدام السلطة التنفيذية – سيعلق عن هذا الأمر بأنه يشبه من قريب من يستخدم وزارة العدل كمكتب محاماة خاص ، تابع لمصالح ترامب الانتخابية الاستباقية ، وليس خوفا من تسريب معلومات سرية ولا هم يحزنون .
كتاب بولتون الذي سيكشف ويفضح أخطاء ترامب الرئاسية والتي كانت لها عواقب وخيمة على السياسة الخارجية الأمريكية ، هو حامل مرجح لحق كل المهتمين بمعرفة ما يجري داخل أجهزة القرار في ولاية ترامب الرئاسية قبل نهايتها ، فقد عمل على أعلى المستويات في إدارة سيئة السمعة لعدائها للمواقف السليمة والسياسات الوسطية المتزنة وانحيازها للقرارات الجائرة وينبغي فعلا القلق على مصير كتاب بولتون ، المتابع من طرف رقباء البيت الأبيض الحكوميين ، الذين يطمحون من خلف عجرفة ترامب وتسلطه ، إلى حيازة سيطرة كبيرة على كل ما سينشره موظفيها السابقين ،مستقبلا ، في حالة إقالتهم ، وصار لديهم مايتفوهون به أو يكتبونه حول السياسة الأمريكية.
قضية بولتون ضد حكومة ترامب ، تثير مسألة مهمة في النظام القانوني الأمريكي ، هل المحاكم الأمريكية سترفض اعتراضًا دستوريًا على نظام القيود المسبقة الذي يحظر على الملايين من موظفي الأمن القومي السابقين الكتابة أو التحدث عن خدمتهم السابقة دون الحصول على موافقة الرقابة الحكومة أولاً ؟
أليست أنظمة مراجعة كتابات موظفين امنيين سابقين ما قبل نشرها – تنتهك الحق الدستوري في التعبير والنشر لأنها تستثمر سلطة تقديرية شاملة لقمع حرية التعبير و الكلام ولأنها تفتقر إلى الضمانات الإجرائية المطلوبة دستوريا.، بل يرى الكثير من الحقوقيين الأمريكيين ، أيضًا أن معايير هذه الأنظمة فضفاضة وملتبسة بشكل غير دستوري ، لأنها تخفق في إبلاغ الموظفين الحكوميين السابقين بما يجب عليهم تقديمه للمراجعة وما يمكنهم نشره ، ولأنهم كثيرا مايجدون أنفسهم تحت الاكراه التعسفي والتمييزي من قبل مراقبي الوكالة الأمنية لتنقيح وحذف كل ما يفشونه به في مسوداتهم المعدة للنشر
جمال اكاديري كاتب وباحث