قصيدة “الليلُ الأُم” للشاعر الأمريكيّ: جيمس ويلدون جونسون James Weldon Johnson (1871-1938)

ترجمة وقراءة الشاعر الفلسطيني: يوسف حنا

قصيدة: “الليلُ الأُم”

هو السرمديُّ ما قبل الولادةِ الأولى،
أَو قبل أَن ينبتَ الزغبُ على أَجنحةِ لهيبِ الشمس الأولى،
ليلٌ هادئٌ، يمتد إلى الأبد
كالأُم الحاضنةِ يربضُ فوق الفوضى.
والشموس تتوهَّجُ في دورانها ومن ثمّ تخبو،
منطلقةً في مسارِاتها المتّقِدَةِ، تطالبُ
بملاذٍ في الظلام من حيث أَتتْ؛
تتلمَّسُ طريقَ عودتها لسلامٍ يتخطى الأَلم.

لِذا، حين تحترق شمسُ حياتي الواهنةِ،
ويتردَّدُ صداها في ساعاتِ نومي العميق،
سأَكونُ مرهقاً من الأَضواءِ المحمومةِ،
ودون شكٍ أَو ريب سأُرحبُ بالظلمةِ،
سأزحف بخفَّةٍ، بجفونٍ مثقلةٍ
إلى حضنِ الليل الهادئ.

 

قراءة لقصيدة “الليلُ الأُم” 

“الليلُ أُم” قصيدة حزينة ومتفائلة في طبيعتها. تتناول مواضيع(تيمات) الحياة والموت ومصيرَ المرء الذي لا مفرَّ منه. كما تتحدث عن الظلام والليل وما يمكن أن نكتشفه عن طبيعتهما.
على القارئ أَن يلاحظَ أَيضاً العديدَ من حالاتِ الأَنسنةِ والشخصنةِ الموجودة داخل النص. كان الشاعر يبذل جهودًا متضافرة لإحداث تغييرات حقيقيّة في مفهومنا عن الضوء والظلام ، والحياة والموت. عندما يُشار إلى الليل باسم “الهدوء” أَو الشمس الموصوفة بأَنها تحمل “أَجنحة لهب” ، تصبح أَكثر واقعية. ويقدر القارئُ على التخيل والتعامل مع هذه القوى بسهولة أكبر.
تصف القصيدةُ معتقداتِ المتحدث(الشاعر) المتفائلة والمريحة فيما يتعلق عما ينتظرنا بعد الموت.
تبدأ القصيدة على شكل تصريح للمتكلم (الشاعر) يقول فيه أن “الليل” سرمدي قبل ولادة أي شيء ، بما في ذلك الشمس. لقد كان ولا يزال قوة نستهلكها جميعاً. لا توجد طريقة للهروب من نهاية المرء بين ذراعي “ليلٍ هادئ”. وهذا أمر لا يتوجب علينا الخوف منه. وبدلاً من ذلك ، فإن المتكلم يرى به “أُمّاً حاضنة” تراقب وتنتظر كلَّ طفل من أطفالها.
في المقطع الأول من القصيدة ، يبدأُ المتحدث ببيان درامي وتأملي عميق. يصف ” الليل” بالخلود وأَنه خُلق قبل أَن يعيشَ المرءُ يومَه الأَول. لقد تمَّ بعده بالفعل إنشاء حياة المرء، وكل الأيام التي ستأتي بعد وفاته. الجانب الأعمق من هذه المعادلة هو ذاك الذي سترتكز عليه القصيدة وتسلط الضوءَ عليه.
حتى موت الإنسان تمَّ إنشاءَه أيضًا قبل الولادة. تمَّ توسيع هذا ليشملَ الأرضَ بكاملها. وقبل “أشعة الشمس”، والتلميح الواضح عنها بـ “أجنحة اللهب”، كان هناك “ليل هادئ”. من المثير للاهتمام ملاحظة التباين بين الليل الموصوف بـ “الهدوء” والشمس على أنها تحتوي على أجنحة نار. يمكن للمرء أن يفترض بأن الشمس لديها قوة أكبر، ولكن هذا ليس هو الحال كما وردَ في هذا السرد.
وقد ذكر الشاعر أنه تم إنشاء الليل قبل النهار. ويمضي لوصف الليل بمزيد من التفصيل. إنه “هادئ” ولكنه أيضًا “أبدي”. ليس هناك نهاية لقواعدة وقوانينه. تصف الأسطر التالية أنه كشخصية “الأم” في جميع أشكال الحياة. إنه شيء لا يتخلّى أبدًا ، ولا يتوقف أبدًا عن المراقبة وعن طريقتة في العناية. ويمكن رؤية ذلك من خلال موقعه فوق كل “الفوضى” التي هي الحياة.

في المقطع الثاني من القصيدة ، يتضمن سردُ المتحدث موتَه نفسه. إنه لا يذكر هذه المعتقدات فحسب ، بل يحملها بنفسه ويؤمن بها. يعرف المتحدث أنه عندما يحين الوقت سيخرج بسعادة من حياته المرهقة. فهو ليس عبوراُ مرعباً أو يُخشى منه بأي شكل من الأشكال.
في الأسطر الأربعة الأولى من المقطع الثاني، يصف المتحدث كيف أن الشمس ستموت، والتي توصف بشكل عام بأنها القوة الأكبر. سيكون لها دور “التوهج” ومن ثم “تضمحل وتخبو”. ليست فقط شمسنا هي التي ستمر بهذا المسار، بل كل الشموس. القوة، مهما بلغ جبروتها، فلا يمكنها مقاومة الموت. الحياة لها مسارها، لكنها تعود في نهاية أمرها إلى “ملاذ الظلام من حيث أتى”.

من المهم أن نلاحظ في هذه المرحلة أنه على الرغم من أن الموت قوة مخيفة، فإن الليل والظلام الذي يعود إليه المرء لا يتم وصفه بهذه الطريقة. المكان الذي يذهب إليه المرء بعد الموت ليس رهيبًا، إنه أشبه بـ “الأم الحاضنة”. هذا هو المنحى الذي يتخذه النص. الموت شيء ” السعادة القصوى”. سيجلب للمرء سلاماً دون ألم، لم يعرف مثله في الحياة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *