قصيدة: مـــرآة للشاعرة الأمريكية: سيلفيا بلاث
ترجمة وقراءة الشاعر الفلسطيني: يوسف حنا
قصيدة: مـــرآة
للشاعرة الأمريكية: سيلفيا بلاث
ترجمة وقراءة الشاعر الفلسطيني: يوسف حنا
فضيَّةٌ أَنا ودقيقةٌ، ليسَ عندي تصوُّراتُ مسبَّقةٌ.
أستوعبُ كلَّ ما أراه، وأبتلعُه على الفور
تماماً كما هو، دون غبشِ الحُبِّ أَو الكراهيَّةِ
لستُ بقاسيةٍ، أَنا فقط صادقةٌ،
عينُ إِلهٍ صغيرٍ، رباعيَّةُ الزوايا.
في غالبِ الأَحيان، أتأَمَّلُ الجدارَ المقابل.
إِنَّه ورديٌّ، مُنقَّط. نظرتُ إِليه طويلاً
أَعتقدُ أَنه جزءٌ من قلبي. لكنَّه يخفِقُ ويضطرب.
تُفرقُنا الوجوهُ والظلمةُ مِراراً وتكراراً.
أَمّا الآن فأَنا بحيرةٌ. ثمةُ امرأةٍ تنحني من فوقي،
باحثةً عندي عمَّا هي عليه حقاً.
ثم تستديرُ نحو أولئِك الكَذَبَةِ، الشمعاتِ أَو القمر.
أَرى ظهرَها وأَعكسُه بكلِّ إِخلاص.
تكافِئُني بالدموع وارتعاشِ اليديْن.
فأَنا أَعني لها الكثير ، تجيءُ إليَّ وتمضي.
إنَّه وجهها يُبدِّدُ العتمةَ في كلِّ صباح.
أَغرَقَتْ فيَّ فتاةً صغيرة، وفي داخلي امرأةٌ عجوز
تَنهضُ نحوَها يوماً بعد يوم، مثلُ سمكةٍ بغيضة.
قراءة للقصيدة:
تستكشف سيلفيا بلاث في قصيدة “مرآة” تأثير الوقت على الأفراد، خاصة في واقع الشيخوخة وفقدان الجمال؛ هنا، تتحدث بلاث من منظور السيرة الذاتية الضمنية. نحن كقراء، نعلم أن في الكثير من أعمالها الشعرية تركز بلاث على شبابها الضائع وافتقارها التدريجي إلى الجمال مع تقدمها في العمر.
تقوم بلاث بتجسيد وأنسنة المرآة (غير الحية) لتسليط الضوء على أن المرآة ليست هي مشكلة؛ وإنما صورتها المنعكسة فيها. المرآة هي ببساطة “لستُ بقاسية، أنا فقط صادقة” ، وبالتالي فهي مجرد انعكاس وتصوُّر صادق لجمالها. يُشير استخدام كلمة “القاسية” كيف للوقت أن يتحايل على الناس لجعلهم يشعرون بالضعف بسبب انعكاساتهم الخاصة. وبالمثل ، تتطرق قصيدة بلاث “شدّ الوجه” أيضًا إلى فكرة كرهها لذاتها الداخلية والشابة.
تستخدم بلاث ثيمة الوقت من خلال “المرآة” لاستكشاف كيف كل واحد منا يضيع الوقت، بشكل ما. تستكشف فكرة الأسف على مدار الوقت، وتفكر مليّاً كيف قضت ذات يوم شبابها قلقة بشأن جمالها وكيف أنها نظرت إلى الآخرين للتحقق من صحتها. هي تبحث في المرآة للتتأكد “باحثةً عندي لأُخبرها: من تكون هي حقاً” ؛ استخدام هذه الاستعارة يبيّن بوضوح كيف تشعر بلاث بالارتباك حول من أصبحت وكيف تمكنت بطريقة ما من خسارة الكثير من الوقت. إن استخدام المصطلح “حقًا” يدل على أن بلاث غير متأكدة من الشخص الذي كانت عليه من قبل ، جسديًا أو نفسيًا؛ شعرت بالخداع بالطريقة التي عاشت بها حياتها ذات يوم.
وبالمثل، في قصيدتها “حديقة مانور” ، تأسف بلاث للحمل؛ هذا البوح يسلط الضوء على أن بلاث نادراً ما كانت فخورة أو متحررة بالطريقة التي عاشت بها حياتها، وبدلاً من ذلك تخجل دائمًا من نفسها وتأسف للطريقة التي قادت بها كيانها.
علاوة على ذلك ، تستكشف بلاث كيف يمكن للناس أن يشعروا ويصبحوا عاجزين، موضوع رئيسي آخر في مؤلفاتها. يتم عرض موضوع العجز هذا في كل قصيدة “المرآة” لإظهار كيف يمكن للقوى الخارجية أن تجعل الناس يشعرون حقًا كما لو أنهم فقدوا كل السيطرة على حياتهم. يتم تفسير المرآة على أنها “عين الإله الصغير”، حيث يتم استخدام التجسيد لعرض القوة الهائلة التي تسيطر على الناس. تستخدم بلاث “الإله” لإظهار ليس فقط مدى قوة المرآة ، ولكن كم يمكن أن تكون مخيفة ؛ إنها تجسِّد المرآة لتظهر كيف تشعر بفقدان القدرة على التحكم في الوقت، كما لو أنها تخسر معركة ضد خصم أو عدو حي. كما ويظهر هذا الموضوع في قصيدتها ” سوناتا الوقت”، تم تصميم الساعة من أجل إظهار مدى قوة الأجسام غير الحية على الأشخاص. تبدو بلاث مُستهلَكة بسبب الخوف والقلق من فقدان جمالها. ومع ذلك، يتم استخدام سمة الوقت أيضًا لتمثيل فقدان نفسها والشخص الذي عرفته ذات يوم. داخل “المرآة” ، لا تراقب المرأة مظهرها فحسب ، بل تراقب أيضًا شيئاً أعمق؛ المرأة تراقب عقلها وروحها.
بعد أن تعرضت لنفسها الحقيقية، كانت تكافئ البحيرة “بالدموع وارتعاش الأيدي”. وهكذا، فهي تُظهر مدى إدراكها للتمييز بين حياتها الخارجية والداخلية. يسلط استخدام كلمة “إرتعاش” الضوء على مدى إعيائها واستنفاذها من التأمل في مظهرها الخارجي الزائف بشكل أساسي، على عكس ذاتها الداخلية الحقيقية.
شكل آخر تعبر فيه بلاث عن الوقت في قصيدة “المرآة” من خلال الفكرة أنها متعلقة حتى الإدمان في مراقبة فقدانها لجمالها وحياتها. عندما لا تكون المرأة في الجوار وليس لدى المرآة أي شيء لتعكسه سوى التحديق في الجدار، يصبح العالم صادقاً، واقعيّاً وموضوعيّاً. في الوقت ذاته تقول:”فضيّة أنا ودقيقة”، هذا الجانب من القصيدة يُظهر كيف أن المرآة صافية ودقيقة دون المرأة، وعندما ينعكس وجهها في المرآة، يصبح العالم غير مستقر، معقداً ، ومتقلباً عاطفياً. يشير استخدام الصفة “دقيقة” إلى أنه على الرغم من أن الانعكاس أصبح سلاحاً ضاراً للمرأة، إلا أنه الحقيقة التي لا يمكن إجتنابها والتي تبدد كل الأوهام. في الواقع ، لم تعد المرآة بمثابة الحدود للمرأة ، بل هي في الواقع مساحة محدودة وقابلة للاختراق. وبالمثل، في “شدّ الوجه”، تشير المسيرة الذاتية إلى أن بلاث لطالما كرهت مظهرها وجعلت العالم من حولها يبدو مضطربًا، بسبب افتقارها إلى الثقة بالنفس.
أخيراً، تستخدم بلاث فكرة الحنين إلى الماضي والذكريات لاستكشاف موضوع الزمن. من الواضح أن بلاث تشعر بالحنين إلى الجمال الذي كانت تحمله ذات مرة؛ على الرغم من أنها الآن تشعر بأنها أقل جمالا مما كانت عليه سابقاً، إلا أنها شعرت دائمًا بهذه الطريقة في كل مرحلة من مراحل حياتها. وبينما “تستدير إلى هؤلاء الكاذبين أو الشموع أو القمر” ، فإنها تأمل في الحصول على مصداقية لمظهرها الجميل. إن استخدام اللغة الانفعالية يسلط الضوء على هذه الرغبة ويُظهر كيف أن الحنين الذي تشعر به يجبرها على الكذب على نفسها. يشير استخدام الاسم “الكاذبين” إلى أن بلاث تدرك أنها لم تعد تبدو كما كانت في السابق؛ ومع ذلك، يهدئها ويطمئنها أنها تخدع نفسها أحيانًا بالاعتقاد بوجود هذه الصورة التي اختفت.