هنري ماتيس التوازن المثالي
رؤيا سعد
انا لا ارسم الحقائق بل ارسم الخيال بحقيقة واضحة
لوحة ( الأخوات الثلاثة ” روز , ربل , تابل “) ١٩١٧ واحدة من سلسلة لاجمل أعمال ماتيس المهمة وبشكل مباشر . تجلس في اللوحة ثلاثة صغيرات سمراوات مع خلفية خضراء. لامرأتين وكأنهن يحدقن بِنَا بينما تستغرق الفتاة الثالثة في القراءة لقد خلق الرسّام توازناً مثالياً ناجحا بين مختلف العناصر والتي تبدو غير متوافقة بين المواقف المختلفة للأخوات الثلاث ، والألوان المتضاربة ، والانطباع من التجاور بين عدة مستويات من المنظور والتي أثبت فيها منهجا جديدا سعى من خلاله إلى مقابلة عملَين يشكّل الواحد الصنو الجدلي للآخر. وفي هذا السياق، قابل أيضا نزعته للتزين و الزخرفة بنزعة بول سيزان الطبيعية، كما قابل الكامن في اللوحة بظاهرها والعابر فيها بالثابت. لقد ساعدت مصادر متعددة على إلهامه لرسم هذه اللوحة من أهمها : لوحة مانيت (١٨٣٢-١٨٨٣) ، النقش الياباني ، وايضا ، ليه دي دي دي غاند (السيدات الثلاثة الجاندات) التي تم حفظها في متحف اللوفر وفي الوقت الذي نُسبت إلى جاك لويس ديفيد (١٧٤٨-١٨٢٥) ) ، يمكن أن يكون ملهما ل لماتيس ايضا . في ذلك الوقت
لايزال اُسلوب ماتيس ياسر العديد من الجمهور فقد ركز على ان تتعدد مواضيعه ولاتكن محصورة في خانة واحدة . كانت هذه اللوحة نتاج لتجربة ماتيس مع اللوحات المتسلسلة والمتعددة المواضيع التي بدأت في عام ١٩١٦ ومصدر التكرار هذا لدى ماتيس بتاثير من الرسام غوستاف كوربيه لذي اشتهر عنه قوله (على الفنان أن يتمكّن دائما من إعادة إنجاز لوحة ما كي يتأكّد من أنها لم تنبثق من حالةٍ ذهنية عابرة أو بالصدفة فحسب )
وفي ظرفٍ شخصي تميّزت مسيرته الفنية بتحولات جمالية كبيرة، كالتوق نحو تبسيط الوسائل وتصفية الأشكال والتنميق، وتشكّل الدافع للانطلاق في تحقيقها، سعى إلى الإمساك بذلك الإحساس الذي لا يوصَف وينبثق احساس وليد لحظة ، ليوظفه من خلال العمل الدؤوب والبطيء والمضني، وبالتالي إلى بلوغ البسيط والجوهري بشكلٍ ملموس، بواسطة مقاربة تشكيلية تقوم على التفكيك التدريجي لحبكة اللوحة.. حيث ظهر اهتمام ماتيس المبكر بالأقمشة الغريبة والنسيج المزخرف بألوان زاهية في لوحاته ، طرحت موديلاته في الأزياء التي تتراوح بين الملابس المغربية والزخارف الحديثة.بألوانه الجريئة المعتادة المميزة ، جمع الدكتور ألبرت بارنز هذه المجموعة في مؤسسة بارنز في ولاية بنسلفانيا ، حيث انضم إليهم العشرات من لوحات ماتيس التي تم إنشاؤها على طيلة فترة حياةالفنان الفنية، وقد ظهرت إصدارات مختلفة. على هذا النحو ، والأكثر شهرة ثلاث لوحات تصور أيضًا ثلاث شقيقات ، في كل مرة في ملابس مختلفة ومواضع مختلفة ايضا ، محفوظة في مؤسسة بارنز في فيلادلفيا. ربما هذا هو المكان الذي يمكن فيه العثور على تفسير لوجود اللوحة في متحف أورانجيري. في الواقع ، ساهم تاجر القطع الفنية بول غيلوم بقدر كبير في تكوين مجموعة دكتور بارنز (1872-1951) ومن المحتمل جدًا أن تكون لوحات ماتيس التي تمثل الأخوات الثلاث من خلال معرضه قبل وصوله إلى الولايات المتحدة. كانت واحدة من الأعمال القليلة التي اشتراها بول غيوم في عملية بيع عامة ، وبالتأكيد في ذكرى اللوحات التي تنازل عنها الدكتور بارنز