الفن يبلسم جراح النازحين الصغار

آمال خلیل

الفنّ يبلسم جراح النازحين الصغار

آمال خليل

مع طول أمد العدوان الإسرائيلي، توالدت أزمات عدّة على هامش أزمة النزوح من البلدات الحدودية الجنوبية، أكثرها تعقيداً تلك المرتبطة بالأطفال القابعين في مراكز الإيواء الجماعية. أكثر من ستة أشهر مضت على إقامة وفاء عبيد وأسرتها في «مهنية صور الرسمية». منذ بداية العدوان، اضطرت إلى النزوح من بلدتها مروحين مع زوجها وأطفالها الذين تراوح أعمارهم بين العاشرة والسادسة عشرة. عبر نظام التعليم من بُعد، يتناوب الأربعة على متابعة دروسهم عبر الهاتف الوحيد الذي تملكه العائلة. وبعد انتهاء الدوام المدرسي، يهيمون مع أقرانهم في باحة المهنية. يستقطعون الوقت بابتكار ألعاب بدائية. «لا يستطيعون الخروج للتنزه أو شراء لعبة أو السكن في مكان أفضل»، تقول عبيد. قبل نحو شهر، عُرض عليها إشراك أطفالها في مشروع «تدريب الأطفال النازحين من الحرب في المسرح الوطني اللبناني» في مدينة صور. «وافقت من دون أن أدقّق بتفاصيل التدريب. أعرف أنّهم يذهبون يومياً برحلة في الباص. يغيبون لساعات ويعودون فرحين».

يومياً، يحضر الباص الجوّال الملون التابع للمسرح ليقلّ الأطفال المشاركين من مراكز الإيواء الكبرى في ثلاث مدارس في صور. حوالى 300 طفل يذهبون إلى المسرح ويتوزعون على صفوف المسرح، والتصوير، والرسم، والأشغال اليدوية، والدمى، ومشاهدة الأفلام، وعروض الحكواتي، واللعب. ثم يعودون إلى منازلهم المؤقتة في المدارس. يشير مؤسّس المسرح الممثل والمخرج قاسم اسطنبولي لنا إلى أنّ العدد بدأ يتزايد على نحو تدريجي «منذ أن أطلقنا المشروع قبل ثلاثة أسابيع بالتعاون مع اتحاد بلديات قضاء صور وقوات اليونيفيل».

إطالة أمد العدوان، دفع بـ «جمعية تيرو للفنون» وإدارة «المسرح الوطني اللبناني» للتدخل في أزمة النزوح، على غرار تدخلها سابقاً في جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية الأخيرة. «التفريغ بالفنون أفضل وسيلة للمقاومة الثقافية ومساحة للتلاقي الجماعي تخفف من وقع الأزمات الخاصة»، يؤكّد اسطنبولي. ويضيف أنّ الصفوف تجمع «بين أطفال سوريين نزحوا من البلدات الحدودية، وآخرين لبنانيين أتوا من يارين والضهيرة وعيترون وعيتا الشعب وبنت جبيل وبيت ليف وسواها من البلدات التي اندمج أهلها النازحون في مركز إيواء واحد». ويلفت اسطنبولي إلى أنّ البلدات الحدودية، ورغم قربها الجغرافي، إلا أنّ عاداتها وثقافاتها مختلفة، ما يسمح للصغار باكتساب معارف وتكوين صداقات أوسع من حدود بيئاتهم.

يتباين حجم التفاعل بين طفل وآخر. هنا، يتحدّث اسطنبولي عن أسباب الحزن الذي يتملّك بعض الأطفال، في مقابل الغضب والعنف الذي يتملك آخرين: «منهم من دُمّر منزله ومنهم من تدهور وضع عائلته المادي. وهناك من تعثّر دراسياً أو تسرّب من المدرسة بعد نزوحه». أحد الأطفال من بلدة البستان اكتفى بمشاهدة صف المسرح من على كراسي الجمهور: «يكرر في حديثه إلينا عبارة: الله يفرجها لكي يعود الجميع إلى منازلهم سالمين». وهناك طفلة من الضهيرة تطير فرحاً بسبب الفرصة الاستثنائية التي توافرت لها رغم النزوح، إذ تؤكد أنّه «في بلدتي، ليس هناك مسرح أو رسم».

في صف الرسم، لا تتوقف رئيسة «جمعية تيرو» ومعلمة الرسم، بهية الزيات، عن توجيه أحد تلاميذها للتلوين بهدوء. لا شعورياً، غطى الطفل الورقة كلّها بلون واحد من دون تركيز. «هو كالكثير من الأطفال يعاني من الغضب الذي يكتمه في داخله. منذ أشهر، يعيش في زحام وضجيج، يفتقد للخصوصية وللأكل كما يشتهي التنزّه في الطبيعة التي اعتاد عليها في قريته»، تقول الزيات. ثم تقارن بين التطور الإيجابي الذي تلمسه في سلوكيات الأطفال وحجم استجابتهم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، مشدّدة على أنّهم يحتاجون إلى «كثير من الاهتمام والعناية والتروّي».

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *