الحريم الثّقافيّ المعاصر
للكاتب والمترجم الجزائري: ميلود خيزار
عن الحريم الثّقافيّ المعاصر
بغضّ النّظر عن الـمسار الدّلالي الذي أخذته عبارة “حريم” من كونها “ما يدخل في حرمة الرّجل” و “يوجب عليه حق حمايته و منع الناس منه”. و كيف “تزحزحت” العبارة و ارتبطت بنساء تابعات (خاضعات) و تحت تصرّف و حماية السّلطان (السّلطة و النّظام و الحُكم)، و بغضّ النّظر أيضا عن “الوظيفة” الموكلة إلى هذا “الحريم” (الترفيه، الخضوع الجنسي، الـمراقبة الداخلية للقصر). فإنّ المخيال “الحريمي” لا يزال “يشتغل” داخل منظومات سياسيّة و ثقافيّة و اجتماعيّة “يُفترَض” أنّها تجاوزت هذا المخيال العنصريّ، الاستبداديّ. و يفترض في “منظوماتها الرمزية” أن تكون “مِرآة” لمرجعيات قيمها الفكريّة و الأخلاقيّة و الجماليّة، التي تنادي بها و تدّعي حمايتها و ترقيتها.
لكنّ الواقع يصرخ بحقيقة كون المخيال الحريمي لا يزال “متشبّثا “بروح السّلطان” عبر مؤسّساته الوهميّة و عبر “ممارساته الاستبداديّة” في “واقع ثّقافي” يراد به أن يظل نسخة لوظيفة الحريم بكلّ ما يحمله من مظاهر ترفيه و خضوع جنسيّ و مراقبة داخليّة و دسائس و مكائد و صراعات مريرة على “رضى و مزايا و رغبة السّلطة”.
إذا كان “المتنبّي” شاعرا “متكسّبا” (كما يدّعي بعض حريم السّلطان)، و بغضّ النّظر عن السّقطة المعرفيّة حيال تاريخ الشّعريّة العربيّة القديمة، فإنّي كنت سأتمنّى على هذا النّشاز الفكريّ لو كان بحجم “الزلزال الإبداعيّ” الذي أحدثه المتنبّي في ثقافة عصره. (على الأقلّ لتبرير الحظوة الإعلاميّة التي يتمتّع بها لدى “سلطانه” مقابل تزييفه للوعي و للتاريخ).
و إذا كان “الـمُجتمع الحريمي”، قديما، مجبرا، بقوّة “سيادة القهر”، و ضحيّة لهيمنة ثقافة “التّمييز العنصريّ” بين الجنسين، فإنّ “حريم السّلطة” اليوم، و يا للمفارقة، هم من سدنة معبد العدالة و الحريّة و المساواة و الاختلاف و الدّيمقراطيّة. فهل هناك “عهر فكريّ و ثقافيّ” أكبر من هذا ؟
و من تفشّـي “ثقافة الحريم”، أدبيّا، أن يدّعي بعضُ “خصيان القصر” أن “لا وجود لكاتب عربيّ يعيش على منشوراته”، و الغريب أن يصدر هذا الكلام عن كاتب هو من أثرى كتّاب اليسار الوهمي في البلد البليد، و سؤالي هو: إذا كان لا وجود لكاتب عربيّ يعيش على مدخول منشوراته فكيف تبرر أنت لمعجبيك مصدر “ثروتك” ؟
إنّ تفشّي “ثقافة الحريم” في المجتمع الفكريّ و الأدبيّ هي “مصيبة أخلاقية” كثيرا ما تقف “عائقا” أمام أيّ حراك فكريّ محتمل بل و كثيرا ما تُسهِم في إجهاضه لكونه لا يخدم مصالحها “الحريميّة”.
••• ••• •••
▪︎ لوحة الفنانة العراقية: زينة مصطفى سليم