قصة قصيرة: نون الرمان
للكاتب العراقي: أمين سعدي
نون الرمان
قصة قصيرة من أحد مشاريع الكتابة الجديدة.
نعتقد أننا نساء الآن، بعد ثلاثين عامًا خلف أمهاتنا، منذ وضعن الأشرطة الحمراء للف الظفائر، وحملنا الأحلام في الحقائب المدرسية. نلعب “التوكي*” مع أولاد الجار، ونقضي وقتنا المتبقي في ترديد الأغاني وحكايا الجدّات، حتى تغفو العين تحت سقوف من النجوم، بانتظار الصباح، وشمسًا أخرى.
ننشغل بالحفاظ على أجزاءنا الناعمة وهشاشة عظامنا على مر السنوات. نخرج من شرانق لنصير فراشات في كل شهر .. نصطف معاً، نصلي، نركع، نتمتم بـ “يا الله”.
دائمًا ما تتبعنا النظرات، رغم أننا لا نخرج عن الحدود. هناك شعر طويل، سيقان نحيفة، أقمار في بداية التكوير، شيء من طلاء الأظافر، وحركاتنا العادية.. تتبعنا كما لو كنا غير حقيقيات، لكننا نشعر كيف يتفتح الورد من الوجنات، كيف يخرج العطر من مسامات الجلد.
كلنا نريد شيئًا من هذا القبيل. نعكس صورنا كثيرًا أمام المرآة. نرقص على أرائك الصالة بين زوايا أشعة الشمس، لها طعم مختلف، مثل عصفور خارج القفص. نضحك على مثيري الشغب في الحافلات على طول الطريق، هم يتذكرون الهواء الذي يداعب التنانير، وأثوابنا الطويلة والقصيرة، نشعر بالانجذاب، بالخجل، بالهروب من لحظات المواجهة.
ببطء، يتسرّب كل شيء إلى قلوبنا، مع كل ربيع. نشعر بالأغصان وهي تنمو، الفروع خضراء، الأزهار صغيرة. الجذور تبدأ في التوغل مع الشرايين في تربة حمراء. نتدافع نحو عتبات النوافذ، نمد أكفنا للحمام، كي يستريح، نطوي الرسائل، جائعات، متوحشات.
كل يوم ونحن ننضج مثل الرّمان، لكننا نخفي الرغبات والارتباك. نقلب الشَعر بأشكال عديدة. نخفي تجاعيد الشفاه بألوان “الحُمرة”، والهالات السوداء حول أعيننا. نشرب الكثير من أكواب الشاي الحلو، والقهوة المرة. نتسابق في انتظار علاقة بعيدة المدى على أي حال، وربما تفضحنا مشاعرنا الانتقالية. أصبحنا طُعماً، وتركنا الرقص. ممثلات وبارعات .. ومع ذلك تتبعنا آلاف النظرات دائماً.
بحلول رأس السنة، نعقد اتفاقا للتغيير، قصة الشعر، ملابس جديدة، إضافة بعض الكتب، رمي الأشياء المملة، تمزيق بعض صفحات صارت طفولية، نعلق القلائد والخوات. نحن ننجح في اجتياز الوحشة تحت قبة رمادية. نصرخ مع هطول المطر، نلعق الجروح، ونميل إلى الصمت، بارد، كئيب وكريه. وحين نخاف من الأصوات العالية، والأشياء المكسّرة، نبتلع كل شيء كاستعارة تغطي جدران القلب ببدايات الألم.
في المقهى، كنت أنصت إلى صديقتي ندى وهي تبكي. تُريني يدها المتورمة، المخفية تحت كُمّ القميص الأبيض الباهت. تسخر من كونها تعوي مع كل مرة تكون فيها طريدة، كنت أسقط صمتاً في انسجام تام، جاثمة أخترع نقاط ضعفي وما لا آخذه بعين الاعتبار. في الحقيقة لست ضعفاً مطلقاً ولا كتلة مشاعر هلامية.. أليس كذلك؟
كوني كاتبة اتقنت فن اخفاء الرضوض، والكدمات، البقع الصفراء والزرقاء والبّنية. أتساءل كيف أهرب من عمليات الصيد: “إن فك والدي قوي ومخالبه حادة !”.
فجأة.. وبينما هيّ تتحدث عن قرار النهاية، تبدأ مخالب في أصابعي الوسطى بالظهور.
••• ••• •••
▪︎التوكي أو الخطة لعبة شعبية بين شخصين أو أكثر، تتم برسم مربعات وترقيمها من 1 إلى 9، وتلعب بالدور بالقفز برجل واحدة ودفع قطعة حجر.. الخ