إنّني الألم ولا شيء آخر- (من مدونة الحزن)

للكاتبة والمخرجة اللبنانية الأسترالية: ساميا ميخائيل

إنّني الألم ولا شيء آخر

للكاتبة اللبنانية: ساميا ميخائيل- أستراليا

إنّني الألم ولا شيء آخر

أقول لإبني عشرة آلاف قتيل، في غزّة في مدّة أربعين يومًا، ويجيبني عشرون ألفًا يا أمي، في قلبي حزن كل الأمهات مجتمعين، وأقول لا أحد يتألّم كما تتألّم الأم على أولادها، أقول محظوظة الأم التي ماتت مع أولادها وأقول بنفس الوقت، كانوا سعداء كعائلة حتّى في الفقر، ألملم أشلاء الأطفال، في مخيّلتي أعيدهم إلى الحياة في رأسي، أقبّلهم، أغمرهم، أحاوط أجسادهم الصغيرة فلا يصيبها مكروه، وفي نفس الوقت أعرف، رأيت صورهم أشلاء في متفجرات أمريكا صنعتها، والكيان الصهيوني ومجرميه نفذّوها، كيف يستطيع الجندي الذي رمى القنابل أن ينام؟ من أنتح دماغ العسكري، من ربّاه؟ من أقنعه بأن يكون قاتل؟ من أنتم تخوّلوا أنفسكم قتل البشر في مساكنهم؟ كيف سيسامحهم أحد، أيّ أحد..

لم أعد أنا، أشعر بالإهانة، يقتلون أهلي ساعة يشاؤون، هؤلاء الغربيون، بدون ضمير، بدون روح، بدون عدل، بدون رحمة، بدون عقل بدون تاريخ، أبصق على الغرب وعلى مصانع الأسلحة وعلى الدول التي تعتاش من قتل الأبرياء وسرقة حقولهم، أبصق وأتحوّل إلى حاقدة على الغرب وأنظمته العنصرية، التي تدافع عن الإنسان الغربي إذا تعرّض لصفعة، بينما تدمّر مساكن البشر وتقتلهم مع أطفالهم جماعيًا في الشرق، أحاول أن أستمع إلى فيروز لأهدأ وتتحوّل كل جملة إلى حزن، أحاول أن أكون السيّدة الهادئة التي تبتسم وأكره الصورة، أحاول أن أنسى ولو دقيقة ما حدث في غزّة وأفشل، أنا الألم والحزن والقرف من الجنس البشريّ، القادر على القتل، بالقوّة تسلبوننا نفطنا وبالقوة تسلبوننا أرضنا وحيواتنا، وتنامون على أسرّتكم وكأن لم يحدث شيء
قلت لإبني عشرة آلاف قال عشرون ألفًا يا أمي، قلت له لا أحتمل كل ذلك إنّني أتألّم ، غمرني بيديه، وقال سنتظاهر يا أمي وقلت طبعًا ولكن كيف أستطيع أن أوقف كل هذا الإجرام؟
قال لي: إنهم عنصريون يا أمي
قلت له: وشرعة حقوق الإنسان!
قال: إنها كذبة لم تتحوّل إلى حقيقة بعد
قلت له: أعرف وأريد أن أوقف القتل
قال: نوقف مصانع الأسلحة
قال: إنهم يعتاشون من قتلنا يا أمي

نظرتُ إلى وجهي في المرآة كانت تجاعيد وجهي قد تضاعفت من الألم
أوقفتُ سيّارتي لأتنفّس كانت صور الموتى تجتاحني وصرت ألمًا خالصًا وأنا أصرخ كلّما استفقت من نومي “الحرية لفلسطين” وسيتحرّر العالم
أغمر الموتى وأُلملم أشلاءهم

أبصق على الغرب، أغمر ما تبقى من أمهات في غزّة وأبصق على الغرب،
أغمر الأباء وأعزّيهم وأبصق على الغرب أمسك هاتفي لأكتب وأنا أحتقر كل من لم يتخّذ موقفًا بعد.

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *