صاحبة “لا تلتفتْ لنراها” تتحرّر من بطش المرض لتتجّه صوب البحر بقلقِ الشّعرِ وطمأنينة الحبّ

عنفوان فؤاد

صاحبةُ “لا تلتفتْ لنراها” تسلّلتْ من صدرِ الشِّعرِ كتنهيدةٍ، ثمَّ حلَّقتْ على ظهرِ فراشة

 

(رحيل واحدة من أَهمّ رائدات الحركة الشعريَّة العربيَّة الحديثة)، (سامية ساسي) الشاعرة التي تعتبِر (الكتابة، في الأوقات العصيبة هذه، كعضّ الخدود من الداخل)

▪︎صاحبة القصيدة الحقيقيَّة، والرّوح المناضلة، الشاعرة الإِنسانة الكبيرة التي أحببناها شعرًا ونثرًا لم تلتفتْ لأحد، تسلّلتْ من صدرِ الشِّعرِ كتنهيدةٍ، ثمَّ حلَّقتْ على ظهرِ فراشة.

“لا ننعيكِ يا سامية إنّما ننعي الشِعرَ بعدكِ، ننعي أَنفسَنا، ننعي الجمالَ والموسيقى والحياةَ بأَكملِها..
ارتاحي، ولا تلتفتِي، لأَننا نراكِ ونراكِ بغاية الحضور” ع.ف.

وافت المنية الشاعرة المناضلة (سامية ساسي) اليوم الثلاثاء 28 فيفري 2023، بعد صراعٍ طويلٍ مع مرض السرطان.
وقد نعى عددٌ كبيرٌ من المثقفين من تونس، ومن مختلف الدول حول العالم رحيل الكاتبة والشاعرة المميَّزة، صاحبة ديوان (لا تلتفتْ لنراها)، بعد إعلان وفاة المغفور لها على وسائل التواصل وصفحات الفيس بوك، وقد عبّر العديد من المثقفين والكتّاب ومحبّيها عن مدى تأثرهم بوقع الخبر وتقدموا بأَحرِّ التعازي لزوجِها الشاعر والمترجم التونسي (يوسف خديم الله)، هذا وقد تناقلت الخبر صفحات الأَدب والثقافة والمواقع التي تُعنى بالشِعر والكتابة، كما تمّ تداول نصوصها المميَّزة كنوعٍ من العزاء.

وكانت قد كتبتْ الشاعرة المُرهفة سامية ساسي نعيها في وقت سابق تمامًا كما تنبّأ معظم الشعراءِ يوم رحيلهم، وبقيت نصوصهم تثبت حضورهم في ذاكرة محبيهم.
.

“في غيابي، اقتلعوا الشجرة التي حفرتُ عليها اسميْنا.

ولتعويضي عن خسارتي العظيمة،

اقترحوا أَن أَطلب ما أَشاءُ، مكاناً لاسمينا معًا،

ومن خشبها، يصنعونه لي فورًا:

مقعدًا، مائدةً، لعبةً،

سُلَّما، شجرةً…

قلتُ : مَركبًا.

فصنعوا تابوتًا.”
.

▪︎(مقتطفات من قصائد)/ الشاعرة: سامية ساسي

▪︎(لاسمكَ صوت!)/ سامية ساسي

لاسْمكَ صوت.

هل أخبرتك أًنَّني في سنة واحدة أَجريت تسع صور رنين مغناطيسي، وأَستعدّ لأُخرى؟

وأَنني كنت أُقاوم كلَّ تلك الأَصوات الرَّهيبة كمطارق بترديد اسمك حتى تنتهي حصة التصوير؟

بيتي الهادئُ جداً، لم أُغادر جدرانه الصامتة منذ فترة طويلة. لا أَحدَ يزورنا، ولا

ننتظر أَحداً. فقط يمرُّ البحر بغرفتي يوميّاً يسحب معه صوتك وإسمك لأَطمئن.

هل أَخبرتك أَنَّ لاسْمك صوتاً؟
وأنه سيكون لنا مكان لإسمينا معاً؟

أَولادي بلا صوت تقريبًا، ماعدا هذه الضحكات التي أُوزعها عليهم ببلاهة حتى طال حبل كذبي وكرهته،

وكلَّما طال لففت به رأْسي، أَسدّ أُذنيَّ وأُردّد اسْمك حتى لا أَنصت إِلى صرختي.
فليت لي صوتك في فمي !

لاسْمكَ صوت البحر.

صوت الجبل.

صوت Francis Cabrel وماء ڨيثارته.

فهل أَخبرتك أَنَّني صرت صوتكَ؟

وأَن ماكتبته الآن ليس شعراً أَبدًا، هو فقط ترديد لاسْمكَ.

••• ••• •••

▪︎تقول في نصها (صلعاء أَخيرًا)

(صرت صلعاءَ الآن

رأسي الصغير كبرتقالة،

أَقذفها إِلى الشّمس، فتعيدها إِليّ

ونكرّر اللّعب مرّات.

( كم لذيذة قبلة النور، مباشرة، على رأس امرأَة تفقد شَعرها

فتقذف السماءَ بالقبلات)

أَولادي، أَبناءُ شمس.

حَلَقوا رؤوسَهم هذا الصباح

لنتقاذفَ معًا ذاتَ البرتقالة.

حبيبي، أَصابعه ليليّةٌ

أَلاعيبه غير أَلعابنا

عند البدر، يقشّر عنّي السّواد،

نتقاذف الشّعرَ..وما يَخْفى

حتى لم يبقَ مكان لتثاؤب الشمس على جسدي.

( كم لذيذة كتابة الشّعر، مباشرة، على رأس امرأَة تفقد

شَعرَها فتقذف الموتَ بالبرتقالات)

أَشباح الشاطئِ تقطّع شعورها الآن

لأَنَّ امرأَةَ البحر قَذفتْ إِلى البحر

ضفيرتَها الطويلة،

ولبست الشّمسَ قبّعةً.)

••• ••• •••

▪︎وتقول في نصها: (مبتورةُ الأَطرافِ)

عارضةُ أَزياء بيدٍ واحدة.
طويلةُ القامةِ كصفصافةٍ،
يُمكنني أن أَزحفَ على بطني،
أُكسِّرَ أَظفاري في شقوق الجدران
حينَ أخضرُّ وحيدةً على عتبة الموانئ.

أَنا، الصّلعاءُ التي تُغني في أَرصفةٍ قاحلةٍ،
يُمكنني أن أُقبِّل الله حين أُُصلّي،
أَنزفَ من عينيَّ حين أَعطش
وأُنجبَ عميانًا وشحّاذين يغفرون لي.
أَنا،
عارضةُ أَزياء
مبتورةُ الأَطراف كصفصافة،
يُمكنني أَن أَقطعَ يدي
لأَجل شاعرٍ بيدٍ واحدة،
أراد في نهاية العرض أن يُصفّقَ.

••• ••• •••

▪︎ تقول أيضًا: (في ما مضى، في ما قد يأْتي..)
.
في الحُبِّ، من دون أَعيادٍ، قد أَفعلُ من أَجلكَ أَشياءَ بسيطةً جدًا ومملّةً،
ككلّ النساءِ..
كأَنْ أَلفّ لك القمرَ في ورق السلّوفان، والشمسَ في قراطيسِ الهدايا الملوَّنةِ.
قد أَقذفُ بيتَكَ، كالمراهقاتِ، بالحصى والدباديبِ وأَحمر الشفاهِ..
قد أُراسلك بقصاصاتِ الشِّعر وخصلات الشَّعر والصّورِ وكتب الفلسفةِ،
وأُرسل لك النّفَسَ دافئاً في مكالمة هاتفيّةٍ،
لكنّني كعاشقةٍ في الأَربعين ،أَفعل أَشياءَ أعمقَ، أَشياءَ لقصائدك القادمة،
كأَنْ أزرع فولاً هذا الموسم أَيضًا ( تذكَّر ذلك؟) .. ومع كلِّ حبَّةٍ أَدسُّها في الأَرض،
أَقول: ” أُحبّكَ”..

كم من ” أُحبّكَ” ستكون لديك هذا العام، أَخضرَ ويابسًا!

سنخزّنُ بذورًا من ” أُحبّكَ” للعام المقبلِ.
وإِن لم يمهلني العيدُ عيدًا آخرَ،
فافعلْ ذلك من أَجلي..
ولا تنسَ نصيبَ الطّيرِ، فوق سطحِ بيتي.

••• ••• •••

انتفض الطائر، قال التشخيص الطبي: جسم غريب من الصنف الرابع، يجب استئصاله.

عانقني صاحبي وبكى، قال: هنالك ريح، ريحُ تهزّ الجبل الذي هو قلبي: أَنتِ.

في مقهى La Bella، مقهانا، كنا صامتَيْن إِلا من

صوت النادلة التي تتغزل بشَعري الأَسود الطويل،

كنت سأُعانقها كجسم غريب قبل أَن يذهب الشعر الأَسود الطويل

غير أَنّني كنت أُفكر في ذراعي ” الجسم الغريب” كيف تقبض على خصر الجبل تريد اقتلاعه

من يدري لعله يراقصه فقط، يراقصه هكذا…

سنة كاملة الآن يعانقني الجسم الغريب وأراقصه

فمن يستأصل جبلًا بعناق؟

••• ••• •••

أَمّا نصيحة سامية لقرّائها ومحبّيها، أن يقرؤوها وذلك هو السؤال الحقيقي عن حالها.

(لستُ حزينة فلا تحزنوا.
وسأَظلّ بلسان الشّعر أَعود، فاقرؤوني بخير دائمًا.)

(*) ما أعظم الشاعرات وهُنَّ يواسين الشّعر بمنتهى الحدّة والحياديَّة

▪︎الكولاج المرفق: عنفوان فؤاد

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *