حوار مع الشاعرة اللبنانية: عناية جابر INAYA JABER

حاورها الشاعر العراقي: أسعد الجبوري

بذكرى عيد ميلادها
حوار مع الشاعرة اللبنانية: عناية جابر
INAYA JABER

حاورها الشاعر العراقي: أسعد الجبوري

تاريخ ومكان الميلاد: 13/2/1958، بنت جبيل، لبنان
تاريخ ومكان الوفاة: 10 مايو 2021، شارع حمرا، بيروت، لبنان
_________________________

((مقتطفات من الحوار))

س: هل كانت الكآبة ثقيلة على قلبك؟
ج/ليس بمثل ثقلها على صوتي وتموجاته بوحاً وغناءً وألماً.
س: ألا تعتقدين بأن الصوت ناقلٌ للحزن أكثر من النصّ الشعري؟
ج/النصُّ تختُ الصوت.
س: وكيف يتناسب الاثنان بمكان النوم يا عناية جابر؟
ج/بالتنويم المغناطيسي استغراقاً بالتأمل أو بالترياق الأيروسي.
س: هل تعتقدين بأن كلّ نصّ يمكن أن يكون ملجأ للشاعر؟
ج/لا أظن ذلك بعد أن أصبح تدمير مثل تلك الملاجئ والمنازل ضرورة شعرية.
س: وأين تجدين الإقامة الفضلى للشاعر؟
ج/في جحيم الأنفس العميقة بالضبط.
س: والفراديس. ألا تليق بالشاعرات مثلاً ؟!!
ج/ لا.الشاعراتُ حتى لو وجدنّ أنفسهنّ بالجنة،سيقمنّ بتحويلها إلى مصحة نفسية للندم والنحيب التكتيكي المصحوب بموجات من البكاء.
س: ولمَ يفعلنّ ذلك برأيكِ ؟
ج/لأنهنّ لا يجدنّ تعظيماً لإقامتهن الأنثوية على الأرض إلا ضمن الفصول الذكورية التي تتعدى الأربع.
س: هل كنتِ واحدةً منهنّ ؟
ج/أنا عشتُ خلف الأبواب مع أكوام من ورق التعازي .
س: هل تتذكرين من كان حضنُكِ الأكثر دفئاً على تلك الأرض ؟
ج/ كان لي اثنان من الأحضان في حياتي:صوتي الدافئ الذي قرر أن لا يتركني في الغناء وحيدةً ويغيب عني، وحضنُ الموت العاجل ،وكان أكثر دفئاً من صوتي بالتأكيد،لأنه لم يستفزني بالتفاصيل .
س: تقصدين أتاكِ الموت دليفري ؟
ج/أجل.سلّمني فاتورة الحساب،ثم أطفأ قبس النور في جسدي ومضى لربّه فرحاً كتلميذ نال شهادة السرتفيكا من منزل مهجور في منطقة الحمرا في بيروت.
س: ألا تعتقدين بأن الموت الدليفري وصلَ بشكل مبكر،وربما لم يكن وقتكِ ملائماً للعشاء معه؟
ج/ربما. ولكنني أتذكرُ أنني كتبتُ باسمهِ مجموعتي الشعرية ((استعد للعشاء)) وذاك ما حصل بالفعل.حضر وتناول روحي تاركاً صوتي يجفّ على خطوط تلك الأسطوانة المحطمة على الأرض .
س: أيهما الأقرب لعناية جابر :عزلةُ ( المزاج الخاسر ) أم خسارةُ الشعر؟
ج/لا أعرف ذلك بالضبط.فأنا سَفّفتُ ترابَ الأرض لأعيد تكرير طينتي الشعرية.وأظنُ أن نصوصي على الورق، قد شُيدّت ببراعة حفّاري القبور في المدافن.
س: هل يكمنُ سرّ هذا البناء الدراماتيكي الهازئ الساخر في الزواج؟
ج/كان الزواجُ حفلة بدفتر شروط التعازي التي تُمهدُ للدفن.ثمة قتلٌ بلا سلاح.وثمة قبور بوسائد حريرية وشراشف وأغطية ومصابيح حمراء شبيهة بالدموع النازفة من قصائد النساء ،أو بقمل القحط النابت بملابسهنّ الداخلية..
س: قصائدك على مدار مجموعاتك المنشورة ((طقس الظلام))و((مزاج خاسر))و((ثم إنني مشغولة))و((استعد للعشاء))و((أمور بسيطة))و((ساتان أبيض))و((جميع أسبابنا))و((لا أخوات لي))و((عروض الحديقة)) جعلت من مهنة زراعة الألغام مهنة شعرية.ما تعليقك؟
ج/كان الأفضل استعمال الذرّة كقوةٍ سريعة ونافعة .فالسادة الرجال عادةً ما يمارسون الانشطارية الذكورية بفراديس الإناث للتكاثر الشهواني المنصوص عليه في الكتب المقدّسة كما يقال.
س: ولماذا تعتقدين بذلك؟
ج/لأن إيمان الرجال شبيه بإيمان الفئران.كلاهما قارضٌ.
س: وماذا عن إيمان النساءات يا عناية ؟
ج/الإيمان النسويّ عادةً ما يكون إيماناً مضاعفاً بالخيبة.إيماناً مقطوع الرأس والأنفاس وتراكمي سريع العطب.
س: ما رأيك بالنسوية الشعرية أو شعرية النسوة؟
ج/ كنت أظنهُ من المصطلحات الفارغة.إلا أنه أثبت قدرته التفاحية على الصمود ضدّ جاذبية السقوط على الأرض .أجل رفض السقوط على الأرض مقابل الارتماء على السرير.
س: كيف ؟
ج/ تلك نظرية في العلوم الإيروتيكية يطول شرحها . أنا كتبتُ آخر ما عندي “لا أحد يضيع في بيروت”.وهناك سيَجدُ القارئ الجروح والضمادات والبؤس والجحيم والجمال الهارب من السيوف والحجارة ومحاكم التفتيش والحريات والأزياء الملوثة برائحة التفاح وفضلات الشبق وعرق السهرة ونظرات السرير.
س: كأن الكتابة عندك كرجل أفضل منها كأنثى؟!
ج/أجل. أنا تقمصتُ وفزتُ باللذّات جسورةً وانتهى الأمر جنسياً.
س: أيهما الأعظم أثراً وتأثراً عندك كشاعرة، البعد الفسيولوجي في الشعر أم البيولوجي؟
ج/قد يكون من الأفضل أن يجلس البعدان تحت شجرة سيغموند فرويد ويفصفصان البزر.السيكولوجيات ثياب الرعاة في صحارى الشعر أو في قصائد التيه المفتوح.
س: هل المزاجُ بئر أم غرفةٌ على سطح ؟
ج/الله .
س: والقصيدةُ. أهي مكانٌ آمنٌ في الشعر ؟
ج/هي العينُ التي تتجسسُ بالنظر على الأشياء وحتى أن تصل اللغةُ حافة المعاني الجارحة المتداخلة.
س: وما الذي تفعلهُ الأمكنةُ في القصيدة؟
ج/ما وُجدَتْ تلك الأمكنة إلا لتخبئ حطامنا البنيوي التخيلي البصري الفنتازي الساحر مجازاً وتأويلاً ليس غير.
س: أتظنين نفسك في بعض الأحايين شاعرةً صوفية؟
ج/أحببتُ رعي الخراف ولم أحب صوفها يوماً في حياتي على الرغم من البرد الذي كان ينخر عظامي،كنت أتدفأ بعريّ الغيوم .
س: وماذا اكتشف جسدُ عناية جابر من نيران في تلك الغيوم؟!
ج/مثلما اكتشفَ دون كيشوت الهواءَ في أثناء فروسيته التاريخية النادرة في حرب الطواحين.
س: هل الجنسُ في الشعر أفخاذٌ متلاطمة في سَطل حليب ؟
ج/وماذا يُراد أن يُظن به،دبابةً في سرير على سبيل المثال؟
س: دبابةً لا. ولكن ألا تعجبك مصارعة السومو ؟
ج/لم أخش حرباً في حياتي ،بما في ذلك جلطات القلوب وحزني ومصارعة الثيران.
س: ما الشعر بنظرك؟
ج/مجرمٌ مرتكبٌ لأجمل الجنايات غراماً ومديحاً وهجاءً ورثاءً وبطالةً فيما وراء الأزرار المفتوحة.
س: ألا تعتبرينه ثروةً؟
ج/هو كذلك.ثروة.وهو ثورة جنسية لإشباعي في أيام القحط أو بوقت ارتفاع أعداد القطط في بارومتر تصادم الشهوات ما بين بنات الكافيتريات وبين نساء اللحوم الثقيلة.
س: هل يمكن الاعتماد على الشهوة كمصدر وحيد لنشوء النص الشعري؟
ج/ولمَ لا . فمشتقات آبار الأيروس شبيه بمشتقات النفط.كله يشتعل .وكله لإنتاج الرماد.
س: متى تتحوّل اللذّةُ إلى رماد برأيك؟
ج/هذا سؤال جوابه عند الشاعر أحمد رامي الذي كتب لمحمد عبد الوهاب أجمل الأغاني ((يا وابور قوللي رايح على فين)) .
س: هل كانت الأغنية تبكيكِ؟
ج/لا تبكيني كامرأة وحسب،بل تجعلني أشبه بباخرة شعرية جانحة بجبل من الطميّ الأسود.
س: كيف تجرئين على تعذيب اللغة بكلّ هذا الطميّ المتفحم من الحزن التراجيدي ؟
ج/حاولتُ تعليب ما في نفسي من تموج،إلا أن سرعان انفجر بصوتي لأتجه نحو الغناء في حفلات ،تارةً في دار الأوبرا المصرية أو الأونسكو ومسرح المدينة البيروتي.كل الذين تجمعوا بحنجرتي،بدءاً بأم كلثوم وليلى مراد وعبد الحليم حافظ وانتهاء بقامات طربية أخرى،كانوا أشبه بقوارب نجاة من الضجر والوحدة والفشل .

▪︎بريد السماء الافتراضي

••• ••• ••• 

▪︎ الكولاج: عنفوان فؤاد

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *