رحيمةً بنا كوني، أُمَّنا الأرض، وأنتِ تَتَراقصين

|مختارات شعرية|| انتخاب وتقديم: رشيد وحتي

لهوميروس، في أوديسته، مقولة مفتاحية حول علاقة الشعر بالآلام: ”تحوك الآلهةُ فجائعَ للبشر كي يكونَ للأجيال القادمة ما تُنْشِدُهُ.“ وهي المقولة التي تَتَصَادَى مع تعبير نَاظِمْ حِكْمَتْ: ”وَهَلْ مِنْ شَجَنٍ لَمْ نُنْشِدْهُ بَعْدُ؟“. وبذلك، تتواشج، خارجَ إطارَيْ الزمان والمكان، العلاقة بين المأساوي والشعري والغنائي.

وفجيعة الزلازل التي هزت سوريا وتركيا وجواراتهما مناسبة للبحث في مدوَّنات الشعر العربي (والشرقي) الحديث والمعاصر عن هذه اللَّحظات الإنشاديَّة التي تجاوز فيها الشعراء توثيق لحظات الآلام إلى التعبير عن آمال التعاضد بين البشر، في ما يتجاوز الحدود التي ترسمها بقسوة الجنسيات والأعراق والأديان والجغرافيات المنغلِقة المقيتة؛ على العكس تماما مما يجري حاليا من نفاق غربي وتباكٍ تمساحي وحصار جائر على رَحِمِنا الكبرى: سوريا؛ والذي يكفي أيَّ متتبع عادي أن يلحظَه لو تتبَّع على النت في أية لحظة، خلال هذه الأيام، مقارنةً لحركة الطيران المدني الإسعافي بين تركيا وسوريا.

من جهة أخرى، إضافةً للحمولة الانفعالية والتضامنية للقصائد أدناه، تكون أيضا فرصةً للشعراء لطرح تساؤلات فلسفية ولاهوتية حول مصدر الخير والشر والإرادة والأفعال الإلهية، متراوحةً بين تقديم جواب علمي يربط الزلازل بظواهر وتفسيرات جيولوجية محضة فحسب، جواب يضع العالمَ وجريان عناصره بمعزلٍ عن تأثيم أو مباركة قوة إلهية عليا لأفعال البشر؛ وتقديم جواب غيبي يجعل من الزلازل — وباقي الكوارث الطبيعية — عقابا إلهيا للبشر ورسالةً للاتعاظ بالابتعاد عن الرذائل واتباع سُبُل الصراط المستقيم؛ بل ثمة أيضا شعراءَ جعلوا هذه الفجائع ثيمة من ثيمات الأدب القيامي apocalyptic.

وفي آخر المطاف، بعيدًا عن كل هذه التفصيلات والفروقات والرؤى المتناحرةِ، تعلو قيم الجمال والإنسانيَّة فوق كل شيء، ومن خلالها خلَّد الشعراء لحظاتٍ أليمة من حيوات شعوبهم وإخوتهم في الإنسانيَّة.

ر.و.

عبد الرحمن مقلد: عواء مصحح اللغة

تَمُرُّ زلازلُ وبراكينُ

وأنا أعْوِي

كي يسمعَني من يتسابقُ نحوَ الموت

وكي ينتبهوا قبلَ سقوطِ البيت

أرجو أن يتركَني

القابعُ فوقي

ولا ينتبه لأيِّ من أخطائي

وكأني قاتلُ من قتلُوه

ولصُّ المَالِ العَامِ

– إذا ضبطُوه –

أقاموا لي المَقْصَلةَ

وقالوا

كيفَ..

لماذا لا تنتبهُ..

وكيفَ لهذا الشاعرِ أن ينتبهَ

لخَطْوِ يديه

وتلك دماءُ الموتى تطغى فوقَ الشاشةِ

تملأ مجرى الأحرفِ

تحملُ من بصماتِ القتلةِ

ما لا يمحُوه دليلُ

لكني كنتُ أرمّمُ تلك الهُوَّةَ بين القاتلِ والمقتولِ

كأني حفارُ قبورٍ

كلُّ الجُثثِ لديه سواءُ

حفارُ قبورٍ!!

ماذا يفعلُ يا ابنتيَ

الشاعرُ بستانيُّ اللغةِ

سوى أن يرثي المَوْتَى

أو يتريثَ بضعَ دقائقَ كي تحتضنَ الأمُّ بَنِيها

أو ينفجرَ الأَبُّ ويغلقُ عينَ الولدِ

وأن يقتبسَ الغارقُ آخرَ نفسِ

ويمرَ قطارُ المنتحبينَ

ليس عليه سوى أن يضعَ زهورًا للدبابة

كي تقتاتَ

ولا تضطرُ لصيدِ مزيدٍ من صُحْبَتِه

ويَزَيِنُ وجوهَ نساءٍ منهوكات العِرضِ

ويضعُ فواصلَ كبرى بين القاتلِ والمقتولِ

(القاهرة/مصر)

¡¡¡

تحت الأنقاض
تذبل الوردة
في يده.

(محيي الدين محجوب، طرابلس/ليبيا)

¡¡¡

كل الضحايا إخوتي

قلبي مليء بالموتى

ولا أعرف أين أدفنهم.

(وديع سعادة، سيدني/لبنان)

¡¡¡

من كثرة مشاهد الأنقاض

تخاف أن تطبق جفنيك

فيصرخ أحد ما طالبا النجدة

من تحتهما

(لطيفة أودوهو، الفقيه بنصالح/المغرب)

¡¡¡

قاسية هي الأوجاع

أيتها الأرض المتكسرة

ودامية جدا

فجيعتك

(مجيدة البالي، فلوريدا/المغرب)

¡¡¡

فولتير: قصيدة عن كارثة لشبونة، 1756 (مقطع)

جانب الفلاسفة الصواب حين يزعمون أن “كل شيء على ما يرام”،

اِهرعوا لتتأملوا: هذه الأطلال الرهيبة،

والأنقاض والخرق والرماد الحزين،

وهؤلاء النسوة والأطفال المتراكمة جثثهم  (…)

هل ستقولون، عند رؤية هذا الركام من الضحايا:

“إن الله ينتقم، وأن الضحايا إنما يدفعون ثمن خطاياهم”؟

أية خطيئة وأي جرم لهؤلاء الأطفال

الملتصقة أفواههم بأثداء أمهاتهم المسحوقة والدامية؟

هل بلشبونة، التي لم يبق لها أثر، رذائل أكثر مما يوجد بلندن أو باريس الغارقة في الملذات؟

لشبونة منكوبة، وفي باريس تقام حفلات الرقص.

(ترجمة: نجيب مبارِك).

¡¡¡

الأرض تعرف هوية الفاعل

كذلك الدمية التي

تحت الأنقاض.

(محمد الأمين الكرخي، لاهاي/العراق).

¡¡¡

شذرات من العرفان الفارسي

 

  1. وما الجهات الست إلا سفينة بلا شراع لحظة الزلزال. (ميرزا حاجب البروجردي).
  2. الأقرب لسجيّة الجبل زلزلة ذات طعنة عميقة. (بيدل الدهلوي).
  3. ينبض الكون بالعمران والارض حبلى بالزلازل. (بيدل الدهلوي).
  4. من زلزلة إلى أخرى قضيت العمر، ولم ينهدم لمرة واحدة بيت السلاسل. (كليم الكاشاني).
  5. بيت بلا حبيب وزلزلة في الطريق. (عبد الرحمن الجامي).
  6. لا يأبه لألف زلزال من نصب خيمة في الصحراء. (سعدي الشيرازي).
  7. وحدهم أهل الصحراء في مأمن من الزلازل. (البلخي الرومي).
  8. لا شفاء من فجيعة الزلزال حتى إن ارتشفت الخمر إلى يوم الدين. (سوزني السمرقندي).
  9. بحجارة الزلزال يرشقنا العدم. (الأزرقي الهروي).

(ترجمة: محمد الأمين الكرخي).

¡¡¡

محمود حسن إسماعيل: فاجعة تركيا، 1939

هَاتِ الشَّدَائِدَ لِلْجَرِيحَةِ هَاتِهَا · فَالصَّبْرُ فِي الأَهْوَالِ دِينُ أُسَاتِهَا

وَاحْشُدْ صُرُوفَكَ يَا زَمَانُ فَرُبَّمَا  ·لَهَبُ العَظَائِمِ شبَّ مِنْ نَكَبَاتِهَا

وَلَعَلَّهَا خَمْرٌ تَدُورُ فَيَسْتَقِي · خَمْرَ الكِفَاحِ الشَّرْقُ مِنْ كَاسَاتِهَا

هِيَ أُمَّةٌ زَلْزَلْتَ جَنْبَ مِهَادِهَا · وَنَفَخْتَ رِيحَ المَوْتِ فِي جَنَبَاتِهَا

شَوَّهْتَ صَفْحَتَهَا بِمُدْيَةِ جَازِرٍ · الرَّحْمَةُ انْتَحَرَتْ بِحَدِّ شَبَاتِهَا

مَجْنُونَةُ الحَدَّيْنِ لَوْ هِيَ لَوَّحَتْ · لاَنْهَدَّ رُكْنُ الأَرْضِ مِنْ حَرَكَاتِهَا

ذِئْبِيَّةُ الشَّهَوَاتِ جَاعَ حَدِيدُهَا  ·وَأَرَاقَ جُوعُ الوَحْشِ فِي لَهَوَاتِهَا

وَالنَّاسُ غَرْقَى فِي السُّكُونِ سَجَتْ بِهِم · سِنَةٌ يَنَامُ الهَوْلُ فِي سَكَنَاتِهَا

بَيْنَا هُمُ فَوْقَ المُهُودِ عَوَالِمٌ ·غَشَّى ضَبَابُ الصَّمْتِ كُلَّ جِهَاتِهَا

وَإِذَا بِقَلْبِ الأَرْضِ يَرْجُفُ رَجْفَةً · دُكَّ الصَّبَاحُ وَذَابَ فِي خَفَقَاتِهَا

وَانْشَقَّتِ الدُّنْيَا لَدَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ  ·أَرْضًا يُغِيثُ النُّورَ فِي رَبَوَاتِهَا

فَطَوَى المَدَائِنَ وَالقُرَى وَهَوَى بِهَا · فِي سدْفَةٍ تَهْوِي عَلَى ظُلُمَاتِهَا

وَبَنَى اللُّحُودَ عَلَى المُهُودِ وَهَدَّهَا · فَنَضَا سُتُورَ المَوْتِ عَنْ عَوْرَاتِهَا

زأَرَتْ جِرَاحُ الأَرْضِ فَاهْتَاجَ الرَّدَى  ·وَتَنَهَّدَ الزِّلْزَالُ فِي سَاحَاتِهَا

أَنْفَاسُهُ لَهَبُ الجَحِيمِ وَخَطْوُهُ · خَطْوُ المَنَايَا السُّودِ فِي فَجَآتِهَا

(مصر)

¡¡¡

حافظ إبراهيم: نَبِّئاني..، 1926

نَبِّئاني إِن كُنتُما تَعلَمانِ · ما دَهى الكَونَ أَيُّها الفَرقَدانِ

غَضِبَ اللَهُ أَم تَمَرَّدَتِ الأَر · ضُ فَأَنحَت عَلى بَني الإِنسانِ

لَيسَ هَذا سُبحانَ رَبّي وَلا ذا · كَ وَلَكِن طَبيعَةُ الأَكوانِ

غَلَيانٌ في الأَرضِ نَفَّسَ عَنهُ · ثَوَرانٌ في البَحرِ وَالبُركانِ

رَبِّ أَينَ المَفَرُّ وَالبَحرُ وَالبَر · رُ عَلى الكَيدِ لِلوَرى عامِلانِ

كُنتُ أَخشى البِحارَ وَالمَوتُ فيها · راصِدٌ غَفلَةً مِنَ الرُبّانِ

سابِحٌ تَحتَنا مُطِلٌّ عَلَينا · حائِمٌ حَولَنا مُناءٍ مُداني

فَإِذا الأَرضُ وَالبِحارُ سَواءٌ · في خَلاقٍ كِلاهُما غادِرانِ

ما لِمَسّينَ عوجِلَت في صِباها · وَدَعاها مِنَ الرَدى داعِيانِ

وَمَحَت تِلكُمُ المَحاسِنَ مِنها · حينَ تَمَّت آياتُها آيَتانِ

خُسِفَت ثُمَّ أُغرِقَت ثُمَّ بادَت · قُضِيَ الأَمرُ كُلُّهُ في ثَواني

وَأَتى أَمرُها فَأَضحَت كَأَن لَم · تَكُ بِالأَمسِ زينَةَ البُلدانِ

لَيتَها أُمهِلَت فَتَقضي حُقوقاً · مِن وَداعِ اللِداتِ وَالجيرانِ

لَمحَةً يَسعَدُ الصَديقانِ فيها · بِاِجتِماعٍ وَيَلتَقي العاشِقانِ

بَغَتِ الأَرضُ وَالجِبالُ عَلَيها · وَطَغى البَحرُ أَيَّما طُغيانِ

تِلكَ تَغلي حِقداً عَلَيها فَتَنشَقـ · قُ اِنشِقاقاً مِن كَثرَةِ الغَلَيانِ

فَتُجيبُ الجِبالُ رَجماً وَقَذفاً · بِشُواظٍ مِن مارِجٍ وَدُخانِ

وَتَسوقُ البِحارُ رَدّاً عَلَيها · جَيشَ مَوجٍ نائي الجَناحَينِ داني

فَهُنا المَوتُ أَسوَدُ اللَونِ جَونٌ · وَهُنا المَوتُ أَحمَرُ اللَونِ قاني

جَنَّدَ الماءَ وَالثَرى لِهَلاكِ الـ · خَلقِ ثُمَّ اِستَعانَ بِالنيرانِ

وَدَعا السُحبَ عاتِياً فَأَمَدَّتـ · هُ بِجَيشٍ مِنَ الصَواعِقِ ثاني

فَاِستَحالَ النَجاءُ وَاِستَحكَمَ اليَأ · سُ وَخارَت عَزائِمُ الشُجعانِ

وَشَفى المَوتُ غِلَّهُ مِن نُفوسٍ · لا تُباليهِ في مَجالِ الطِعانِ

أَينَ رِدجو وَأَينَ ما كانَ فيها · مِن مَغانٍ مَأهولَةٍ وَغَواني

عوجِلَت مِثلَ أُختِها وَدَهاها · ما دَهاها مِن ذَلِكَ الثَوَرانِ

رُبَّ طِفلٍ قَد ساخَ في باطِنِ الأَر · ضِ يُنادي أُمّي أَبي أَدرِكاني

وَفَتاةٍ هَيفاءَ تُشوى عَلى الجَمـ · رِ تُعاني مِن حَرِّهِ ما تُعاني

وَأَبٍ ذاهِلٍ إِلى النارِ يَمشي · مُستَميتاً تَمتَدُّ مِنهُ اليَدانِ

باحِثاً عَن بَناتِهِ وَبَنيهِ · مُسرِعَ الخَطوِ مُستَطيرَ الجَنانِ

تَأكُلُ النارُ مِنهُ لا هُوَ ناجٍ · مِن لَظاها وَلا اللَظى عَنهُ واني

غَصَّتِ الأَرضُ أُتخِمَ البَحرُ مِمّا · طَوَياهُ مِن هَذِهِ الأَبدانِ

وَشَكا الحوتُ لِلنُسورِ شَكاةً · رَدَّدَتها النُسورُ لِلحيتانِ

أَسرَفا في الجُسومِ نَقراً وَنَهشاً · ثُمَّ باتا مِن كِظَّةٍ يَشكُوانِ

لا رَعى اللَهُ ساكِنَ القِمَمِ الشُمـ · مِ وَلا حاطَ ساكِنَ القيعانِ

قَد أَغارا عَلى أَكُفٍّ بَراها · بارِئُ الكائِناتِ لِلإِتقانِ

كَيفَ لَم يَرحَما أَنامِلَها الغُـ · رَّ وَلَم يَرفُقا بِتِلكَ البَنانِ

لَهفَ نَفسي وَأَلفَ لَهفٍ عَلَيها · مِن أَكُفٍّ كانَت صَناعَ الزَمانِ

مولَعاتٍ بِصَيدِ كُلِّ جَميلٍ · ناصِباتٍ حَبائِلَ الأَلوانِ

حافِراتٍ في الصَخرِ أَو ناقِشاتٍ · شائِداتٍ رَوائِعَ البُنيانِ

مُنطِقاتٍ لِسانَ كُلِّ جَمادٍ · مُفحِماتٍ سَواجِعَ الأَفنانِ

مُلهَماتٍ مِن دِقَّةِ الصُنعِ ما لا · يُلهَمُ الشِعرُ مِن دَقيقِ المَعاني

مِن تَماثيلَ كَالنُجومِ الدَراري · يَهرَمُ الدَهرُ وَهيَ في عُنفُوانِ

عَجَبٌ صُنعُها وَأَعجَبُ مِنهُ · صُنعُهُ تِلكَ قُدرَةُ الرَحمَنِ

إيهِ مِسّينَ آنِسي اليَومَ بُمبِيـ · يَ فَقَد أَوحَشَت بِذاكَ المَكانِ

آنِسي الدُرَّةَ الَّتي كانَتِ الحِلـ · يَةَ في تاجِ دَولَةِ الرومانِ

غالَها قَبلَكِ الزَمانُ اِغتِيالاً · وَهيَ تَلهو في غِبطَةٍ وَأَمانِ

جاءَها الأَمرُ وَالسَراةُ عُكوفٌ · في المَلاهي عَلى غِناءِ القِيانِ

بَينَ صَبٍّ مُدَلَّهٍ وَطَروبٍ · وَخَليعٍ في اللَهوِ مُرخى العِنانِ

فَاِنطَوَوا كَاِنطِواءِ أَهلِكِ بِالأَمـ · سِ وَزالَت بَشاشَةُ العُمرانِ

أَنتِ مِسّينَ لَن تَزولي كَما زا · لَت وَلَكِن أَمسَيتِ رَهنَ الأَوانِ

إِنَّ إيطاليا بَنوها بُناةٌ · فَاِطمَئِنّي ما دامَ في الحَيِّ باني

فَسَلامٌ عَلَيكِ يَومَ تَوَلَّيـ · تِ بِما فيكِ مِن مَغانٍ حِسانِ

وَسَلامٌ عَلَيكَ يَومَ تَعودي · نَ كَما كُنتِ جَنَّةَ الطُليانِ

وَسَلامٌ مِن كُلِّ حَيٍّ عَلى الأَر · ضِ عَلى كُلِّ هالِكٍ فيكِ فاني

وَسَلامٌ عَلى الأُلى أَكَلَ الذِئـ · بُ وَناشَت جَوارِحُ العِقبانِ

وَسَلامٌ عَلى اِمرِئٍ جادَ بِالدَم · عِ وَثَنّى بِالأَصفَرِ الرَنّانِ

ذاكَ حَقُّ الإِنسانِ عِندَ بَني الإِنـ · سانِ لَم أَدعُكُم إِلى إِحسانِ

فَاِكتُبوا في سَماءِ رُدجو وَمِسّيـ · نا وَكالَبرِيا بِكُلِّ لِسانِ

ها هُنا مَصرَعُ الصِناعَةِ وَالتَصـ · ويرِ وَالحِذقِ وَالحِجا وَالأَغاني

(مصر)

¡¡¡

المفدي زكريا: هو الإثمُ زلزل زلزالها، 1954

هو الإثمُ زلزل زلزالها · فزُلزلت الأرضُ زلزالها

وحمّلها النّاسُ أثقالهم · فأخرجت الأرضُ أثقالها

وقال ابنُ آدم في حُمقه · يُسائلها ساخرا ما لها؟

فلا تسألوا الأرض عن رجّة · تُحاكي الجحيم وأهوالها

ألا إنّ إبليس أوحى لكم · ألا إنّ ربك أوحى لها

تعاليت يا ربُّ كم عابث · بآيك لم يكُ يُصغي لها

وجلّ جلالك كم أنفس · تحدّاك قطّعت أوصالها

وكم أمم غيّرت ما بها · فغيّرت يا ربُّ أحوالها

وزلّت بأعمالها فغدتْ · ترى في الزلازل أعمالها

عساها تثُوبُ إلى رُشدها · فأولى لها ثمّ أولى لها

أمانا ألا يا سماءُ اقلعي · فقد صبت الأرضُ أنكالها

ويا أرضُ رحماك لا تبلعي · صبايا البلاد وأطفالها

ويا سيلُ قف واحتشمْ إن في · طريقك أكباد يُرثى لها

كأنّك والنّاس حيهمُ · كمن مات قد جئت غسّالها

جرى ما كفى هل كفى ما جرى؟ · كفى بالجزائر ما نالها

وما فعل الغُشمُ في أمرها · وقد فوّضتْ فيه جهّالها

فلن تستحق العُلا أمة · تولّي القيادة أرذالها

وكيف تريد البقاء بلا · د تعدُّ الضفادع أبطالها

وليست ببالغة أمرها · وجلاّدُها صار دلاّلها

ولا خير فيها إذا لمْ تثُرْ · لتنسف بالنّار أغلالها

(الجزائر)

¡¡

سركون بولص: الحياة على حافة زلزال

أعيشُ على حافّة شِقّ الزلازل المسمّى:
أخدود القدّيس أندرياس..
يا لهُ من قدّيس!
يتخاطَفُ، بين آونةٍ وأخرى
تحتَ أساساتِ بيتي
فيرتَجُّ لهُ
البيتُ.
بيتي،
عبر خلفيّات الحديقة
صغيرٌ، على وقْعِ تلّة الانحدارات
نحو البحر.
ذاتَ يوم سأقولُ لأمواجه:
سوف أطفو فيكَ على قُفَّتي أيها المحيط الهادي
وبضعة من كتُبي المفضّلة
مَحمولةٌ على ظهري
عائداً من جديد إلى قصة الطوفان!
أنا من يَشقى
ليوحِّدَ الشقّين، في أحلامه
بين الزلازلِ والسكينة.
بعمودي الفقَريّ إن لزمَ الأمور، أُسندُ
انزياحةَ التشَقّق الأرضيّ الذي ستشاؤهُ الطبيعة.
أو تتهجّاهُ ألواح المصير.
كنتُ أمشي، في الأماسي، وبيتي
يتكدّر من الأنباء
والتوقُّعات
والتوجّسات والنذائر
تكاد حجارتهُ أن تشيخ في وجه
الانهيارات المقبلة.
كنتُ أمشي لأنظرَ إلى
المشهد التالي، وأشهدَ للغرابة.
عندما جئتُ إلى هذا المكان
كنتُ أحلم بأنّ كلّ شيء في انتظاري:
الطبيعة بكلّ بهائها، رفوفٌ عَلتْها كتُبي.
أسماءُ حيّةٌ تجتاحني. ذلك المعنى
الذي سأقولهُ، أنا
وحدي.
هكذا فكّرت، أنا البريء
الأكثرُ خضرةً من أعشاب والت ويتمان
في حديقة السذاجة.
كان ذلك منذُ وقتٍ سحيق
مَرّ في رمشة عين. واليومَ أعرفُ
أنني حقاً أعيشُ على
حافّةِ زلزال.

(العراق)

¡¡¡

جميل صدقي الزهاوي: هلعت قلوب القوم في اليابانِ..، 1923

هلعت قلوب القوم في اليابانِ · للبحر حين طغى وَللنيرانِ

جُزُرٌ غلين كمرجلٍ فتهدَّمت · أَعلامُها من شدَّة الغَليان

وكأن أَسباب السماء تقطعت · وكأن قلب الأرض ذو خفقان

عرت البلاد زلازلٌ فتقوَّضت · فيها بهنَّ منازلٌ وَمَغاني

سل من أَلَمَّ بها يقيس خرابها · ماذا يرى فيها من العمران

وكأَنَّما اِعتاضَت جحيماً تَلتَظي · عَن جنة ملتفة الأغصان

أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمرانِ · في الحادِثات كنكبة اليابان

صعقت تخر إِلى الوجوه حلولها · للصيحة الكبرى بكل مَكان

مُنيَ القُلوب وكل حي عندها · والأرض ذات العرض بالرجفان

كَم مرضعٍ ذهلت لها عَن طفلها · فرمت به عنها من الأحضان

وَكَم استجار أَبٌ عَليل بابنه · فأَشاح بالإعراض وَالخذلان

كل اِفتراقٍ لا أبا لك هينٌ · إلا افتراق الروح والجثمان

ما للأعزة في مناعة أَرضهم · هانوا وَما خلقوا بها لهوان

أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمران · في الحادِثات كنكبة اليابان

نار وَطوفان وَزلزال معا · لَم تُبق من صرحٍ ومن إيوان

أكئبْ بهاتيك الطلول وَما بها · من مشهدٍ يدعو إلى الأشجان

تَبكي العيونُ عَلى عفاء ربوعها · وَمصارع الفتيات وَالفتيان

يا للشقاء وَنكبة نزلت بمن · نَزلوا بتلك الأرض من سكان

أَرأَيتما يا أَيُّها القمران · في الحادِثات كنكبة اليابان

أَخذت تصب بها الطَبيعة غيظها · وَتَثور حانقة عَلى الإنسان

ماذا أَثار الأرض حتى أَصبحت · تَرنو إلى الإنسان بالعدوان

النار شبت في البلاد فأَحرقت · فيها الَّذين نجوا من الطغيان

وَالماء أَغرق من نجوا بفرارهم · من تلكم النيران في البلدان

عصفت بهم في اللَيل عاصفة الردى · فَبَدا الحَريق بجانِب الطوفان

إن صُدَّ عَن بحر فنار قد بَدَت · أَو صد عَن نار فَلُجٌّ داني

النار تدفعهم إلى أَمواجه · وَالموج يقذفهم إلى النيران

الماء وَالنيران قَد فَتكا بهم · وَالماء وَالنيران يستبقان

النار تَشوي وَجههم بشواظها · وَالماء يغرقهم بلا تحنان

أَرأَيتما يا أَيُّها القمران · في الحادِثات كنكبة اليابان

الأرض تقصف كالمدافع تحتهم · وَالجو يلمع باللَهيب القاني

وَتَرى البروق وَقَد تتابع وَمضُها · تَبدو ضواحك في سحاب دخان

وإذا الصواعق أَرزَمَت من فوقهم · خروا لخشيتها إلى الأذقان

بل كُلَّما سمعوا هزيمَ رعودها · وَضعوا أَصابعَهم عَلى الآذان

وَإِذا أَضاءَت أَغمضوا حذر الردى · أَو خطفها الأبصار باللمعان

إنَّ الغشمشم وَالجبان كلاهما · في مثل تلك الحال يستَويان

وكأنما تلك الجَزيرَة كلها · لَيسَت عَلى وسع سوى بركان

قَد كانَ في اليابان يا لشقائها · ما لَم يكن في الظن والحسبان

أكبر بها من نكبةٍ سوداء قد · أَخنت عَلى الآباء والولدانِ

أَما الوجوه فإنها قد بدلت · ألوانهن بأَسوأ الألوان

مسودة بالنار تحسب أَنَّها · مطلية بالقار وَالقطران

أَرأَيتما يا أَيُّها القمران · في الحادِثات كنكبة اليابان

الرجَّة الأولى وَكانَت بغتةً · أَودَت بأكثرهم ببضع ثوان

ماتوا وَماتوا ثم ماتوا ثم لم · يسلم سوى القاصي من الموتان

أَما الألى ظنوا النجاة لنفسهم · فالظن صار بهم إلى الخذلان

لا يعرفون أَأبعدوا عَن حتفهم · أَم أَنَّ ساعات الحمام دواني

لَم يطو من أَسَفي عليهم كونهم · متوارثين عبادة الأوثان

بل كلنا بشر أَبوهم مِن أَبي · عند الرجوع وَكلهم إخواني

ما تلك إلا أُمَّة شرقية · قامَت قيامتها بغير أوان

كَم كانَ فيهم من خَطيب مصقع · طلب البيان ولات حين بيان

أَرأَيتما يا أَيُّها القمران · في الحادِثات كنكبة اليابان

خطب جسام لَم يشاهد مثله · وَلَقَد مضت حقب من الأزمانِ

لَو أنهم كانوا أَمام جحافل · طَلَبوا النزال وَسارعوا لطعان

لكنهم عرفوا بأن عدوهم · لا يَنتَهي بشجاعة الشجعان

أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمران · في الحادِثات كنكبة اليابان

أَما الخسار فإنه في نفسه · لأَجلُّ من وصفٍ ومن تبيان

بل ليس يَدري غير زائر جزرهم · ما قَد أَصابَ القوم من خسران

ذاكَ الثراء الوفر من مجهودهم · لَم يغنهم شيئاً عَن الحدثان

وَهَل الحَياة إذا أَلَمَّت نكبة · ما يَشترى بالأصفر الرنّان

أَهُناك من نفس المساوم مانع · أَم حيل بين العير وَالنزوان

أَرأَيتما يا أَيُّها القمران · في الحادِثات كنكبة اليابان

يا زهرة الشرق الَّتي قد أزهرت · حيناً كأحسن كوكب نوراني

قَد كانَ وجهك فاتني لمعانه · لَهفي عَلى لَمعانه الفتان

أَي الصروف عرا يسومك ذلة · وَهَل النجوم تذل للصرفان

الشرق لَيسَ وإن تعدد رزؤه · عَن نكبة اليابان ذا سلوان

أَرأَيتما يا أَيُّها القمران · في الحادِثات كنكبة اليابان

وَلَقَد يريك الدهر في حدثانه · ما للطَبيعة فيه من سلطان

لا يسلم الإنسان من عدوانها · فالوَيل كل الوَيل للإِنسان

إِنَّ الطَبيعة لا تُسالِم أَهلها · في كل أَرض أَو بكل زَمان

تأَتي الكوارِث يتّبعن كوارثاً · فتلمُّ بالإنسان وَالحَيوان

الأرض تَحتَ المرء يَغلي جأَشها · وَينام ملء العين في اطمئنان

لَيسَ الَّذي تأَتيه عند هدوِّها · مثل الَّذي تأَتيه في الثوران

في جوفها النيران تذكو وهي لا · تنفك حول الشمس عن دوران

إِنّا من الأرض الفضاء ببقعة · لَيسَ الحَياة بها سوى حدثان

أَرأَيتما يا أَيُّها القمران · في الحادِثات كنكبة اليابان

إن الزَلازِل لا تَزال خفيَّة · أَسباب ثورتها عَن الأذهان

كثرت ظنون العقل في تَعليلها · وَالكل مفتقر إلى برهان

وَلَقَد تَكون الكَهرباء يثيرها · في الأرض طبق ظروفها القمران

الكَون نسج الكَهرباء وإنها · هي هذه الحركات في الأكوان

وَهُناك ناس جاهِلون يَرون في · أمر الزَلازل أصبع الشَيطان

وَالبَعض يزعم أن جملة أَرضه · حملت عَلى ثور له قرنان

فإذا تعمد أن يحرك قرنه · أَخذت جَميع الأرض بالرجفان

أَرأَيتما يا أَيُّها القمران · في الحادِثات كنكبة اليابان

(العراق)

نشر جزء من الملف بملحق الاخبار البيروتية، بتاريخ ١١/٢/٢٠٢٣

فرناندو بوطيرو Fernando Botero: اللوحة : زلزالٌ (زيت على قماش، 2000).

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *