مبارك وساط ..أربع قصائد

إنْ كُـنْـتُ مـنْـذُ الصّـبـاح

لسْتُ من يُجاملأتركُ قلقاً ينْسابُ في بُلعومٍ أو في أنابيب القصب، حسَب الطقس وكيفَ هو مزاجُ زهرة الآس على كتف النّديمة ليناوإنْ كنتُ منذ الصّباح في هذه الحانة، جنب هذه النّافذة، بعظامي التي تتحمّسُ أيّامَ المآسي، فذلك للتعبير عن تضامني.

مع مَن؟ يُسائلني بعينه المخمورة البدينُ الجالسُ قبالتي، وكنتُ حسبته يعلم

مع منمع أولئك الأقزام الذين جعلتْ منهم الغابة القريبة أشْجارَها القَصيرة!

الأَوْلى الآن الإنْصاتُ لِصَفير أظافري المأخوذة بِحُلمِها المُتَكرّر، حيْثُ أظْهرُ، بدايةً، في شاطئبعدها، تقتربُ منّي امرأة في لباس ممرّضة– يتّضحُ أنّها ليستْ سوى لينا– حاملةً في يدها محقنةً تقولُ إنّها مملوءة بفودكا روسيّة خالصةثمّ تُوجّهُ إبرتها نحو ذراعي!

فجأةً، أتنبّه لِما حَولي.

وأُشيحُ بوجهي نحو النّافذة، فما الذي أراه في الأعالي؟

طيورٌ غريبة تحلّق فوق الغابة القريبة، التي جعلت من أولئك الأقزام المساكين أشجارها القصيرة!

وقفتُ إلى جانب البئر

أنتِ لستِ الآن في الغرفة– لأنك تبحثين في الحديقة، عنِّي أو عن السّحليّـة التي غارتْ في رائحة العسل– فيما، من النافذة، تدلف الآهة، قادمة من فم بعيــد، فتُحدّب ظهور المناضد وتُحيل أغنيتي إلى غبار.

أنا الآن على الشاطئأمامي السَّحرة، صهْدُ عيونهم حوّلَ بيوتاً عديدة إلــى دخانالعالـم رهيب، يُكرّرون، فتنشبُ حروب ويتساقط نخــاع شوكي كثير في صحون الباذنجان المقليّ وتشتدّ آلامُ كلَّ هائم

سألتِـني مرّة هل تُزعجني قرقعةُ عظامك أثناء النومحدث ذلك ليلةَ شابَ القمروكان الألمُ يتساقط مُوهِماً أنه مَطرومضينا معاً إلى الحديقة، فوقفنا إلى جانب البئر التي تَحلم ببلد بعيد.

وها أنا، من جديد، أُمرّر يدي على سنام منضدة، وأُدرك أني لن أذهبَ غداً لِرؤية عظام جدّي، وأنك ستصفينني بالكسول، العبثيّ، بالتائه الأبديّ.

أحيانــاً، تكون ماضياً فـي طريقك، فإذا بنحلة تعترضُ سبيلـك، تتمدّد أمامك في عرض الشارع، فتبقـى واقفاً فوق ضحكتك، ويحيّيك صديق يُوناني يَبذر قمح الإلياذة في أثلام كفـــه اليسرى، فتقف مشدوهاً، إنْ لمْ تلذْ بالفِرار.

 

التقيتُ بالحصان

أمضي شاحباً، لا أتوقف إلا جنب الفتاة التي تمدّ يدها فوق بحيرةٍ تقولُ إنّ ماءها سينضب إن استمرّتِ السمكة الحمراء في عضّ الطحالبِ ذات الأحذية الحديد.

تقولإنكَ شاحِبٌ لأني امتصصت لسانك وأنت نائم.

وأنا لم أركب اليوم حصاني لأنه كان قد نسي حدوة يومَ بلغ أشدّه قرب جدولٍ، وأصبح يهاب الضِّفاف!

التقيتُ بالحصان في آخر تانغو بباريس، وبالفتاة حين كنّا نلبس جواربنا أمام إحدى الكاتدرائيات، وسرعان ما وجدنا نفسينا نَصْـفِـرُ في طنجةروتْ لي كيف كانت ترسم دوائر خضراء لِـيُـرَبّيَ فيها الشِّتاء أغنامــهوقالت إنَّها بدورها ربّت فراشة من هيدروجين في شَعْرها.

أخبرتُها بأني، في الطفولة، كنت قد ركلتُ تمثالا، فاخترقتْ شُعلةُ قنديلٍ حشداً من الكلاب نحويوكنتُ، كلما تشكّلتْ قارورة من ظلّ يمامة، أُسارع إلى مَلْئِها بماء بارد!

قالتأنتَ نهري الشّاحب، أنت نَهري

والتّفاحة في يدي

كيف يُمكنني أن أشعل السيجارة،

وكلّ القدّاحات تَخَفّـتْ في رُدنيك، مُـذ رأيتِ في الحلم أنك تُحرقين خدِّي.

بالأمس، كنّا في الطريق إلى عيادة الطبيب، ومرّ أمامنا صديقي المجنون، وكان يكرّرالنّحلة تحت السّاطور، النّحلة تحت السّاطور، وشعرتُ أنّي سأبكي أو أضحك، لكنّه اختفــى سريعاً، وكان دمٌ ينسابُ من الحُقن التــي تَخبّ جنب أقدامنا، والطّقس بداخل آذان الكلاب يتحوَّل من فاتر إلى شديــد البرودة، وفي الأعلى، عين الرعد تتّسع وتتّسِع.

لماذا تريدين إحراق خدِّي؟

مسحتُ أعصابي بإسفنجة كما يفعلون أحياناً بأعصاب السّيارات ثم وجدنا نفسينا على الشّاطئ، وأردْنا أن نتأمل البحرلكنْ لم يكن قد بقي منه إلا سبعُ موجات عجاف، يَحملن في مقاعدهن الخلفية سبع نساء ضاحكاتإلى أين يتّجهن بهن؟ في كفّ كل امرأة شمعدانوفي الجُحور القريبة، سَقط مطر على الفـئـرانوكان هنالك من يَطوي البُـسُـط ويَفْرشُ الصرخات.

والتفاحة في يدي تكاد تختنقويدكِ تعبــثُ بشعري.

الطبيب قال لا تركبا، بعدُ، سيارة جريحة.

————————-
Image: Loes Botman


اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *