“أنا شاهدُ زور سيرَتي” شذرات للشاعر الفرنسي: آلان بوصكي

ترجمة الشاعر المغربي: خالد الشبيهي

“أنا شاهدُ زور سيرَتي”

أحْببتُ أمي في ما مضى مثل أي غبي. لم يساعدني ذلك على تَحَمُّلها، وإنما على تحمل الأغبياء.

كُلُّ وَعْيٍ سِيگار: نارٌ صغيرةٌ وكثيرُ مِنَ الرَّماد.

مفهوم الرَّبِّ مُزَيَّفٌ. ومفهوم الروح مُصْطَنَعٌ. يفوق الأول التالي في شيء : كونه مُرْعِبٌ.

أنا آلة لإنتاج عَدَمٍ رائع.

أتخلَّى عن نصف أصدقائي، والنصفُ الباقي يتخلى عني.

يأتي الشعور بالسعادة بِمَحْضِ الصُّدْفَةِ، مثل خُنْفساء فوق داليةٍ تحترق.

كونوا أحرارا، صيروا عبيدا لقصائدي.

لقد بلغتُ من العمر سِنا مؤلما وبَشِعا، يعوِّضُ فيه القلمُ القضيب.

أنا تجربةٌ لَنْ أُكَرِّرها.

عندما سَيفْتَحون صدري، سيجدون هذه الكلمة محفورةً على قلبي: ” مُزيَْف”.

لدَيَّ روحٌ مُستعمَلة : پولْ أوڨْرْ مرقَّع.

– مالذي تفعلهُ أيها الشاعر وحيدا في الحديقة؟
– إني أُزْهِرُ الغياب.

أدِرْ وجهكَ أيها الشاعر، فالسماء في كامل عُرْيها.

الجنة تجريدية، وحدهُ الجحيم قابل للتصوير.

الجسدُ عيبُ الروح. الروح أكذوبةُ الجسد.

كُنْ مجهولا كإسفنجةٍ تُمسك بها يدٌ مَبْتورة.

السماء ثقيلةٌ فوق جمجمتي مثلَ حذاءٍ عسكري.

لكيْ تكون حُرّاً أَسْرعْ بإهانةِ المُعْجبين بكَ.

الموتُ: ثلجٌ يَتَساقَطُ بِبُطْءٍ.

الشاعر، إسفنجة ناطقة.

على ارتفاع ألف متر، يقول الثلج:
– أنا أَبَديٌّ، لكنني أذوب.

الفن طمأنينةٌ بين نَزيفين.

إذا كنتُ أَسْعى لِلهروب من الجحيم، فليس ذلك البتَّة للإنتقال للجنة، وإنما لإيجاد جحيم آخر.

الأشياء يُصيبُها الغرور. أسألُ مفتاحا من سلسلة مفاتيحي قَلَّما أستعمله :
– ماذا تفتحُ أنتَ؟
أجابني:
– تعرفُ ذلك جيدا: قلبَكَ.

ثمة ألفُ شبهٍ بين الشاعر والمومِس، فكِلاهُما يتماهى مع الآخرين لِنيْل إعحابهم. كلاهما رهن الإشارة. إذ يكفي عِقْدٌ من اللؤلؤ المُزَيَّف لإرضاء مومس، وثلاثة أسْطُرٍ في موسوعة لإسعاد شاعر.

أمسِ مساءً زارني المسيحُ فقرأتُ عليه لاوْتْزو، إِحْمَرَّ وجههُ، وقال لي: “هذا صحيح : الوجودُ لَيْسَ ضَرورِيا.”

ما يُزْعِجُني في المَسيح هو أمُّه، فَقَدْ كان عليه أنْ يولَدَ يتيما.

• نثري يقول لي : “كنْ أكثر بساطة.”
“قصيدتي تقول لي:
“كن شخصا آخر.”

سألتُ تلك العشيقة القديمة:
– كيف تريدينني؟
فأجابت بدون ضغينة:
– كما كنتَ.

• مازالتْ في فرنسا سبعُ مِقْصَلاتٍ أصيلة، فقمت باقتناء إحداها ووضعتها في الصالون. ذلك أكثر فرادَةً من عرض لوحة لماتيس أو بيكاسو.

طَرَدَتْ أزهارُ الميموزا طيور الكناري الأربعة قائلة: من الآن فصاعدا أنا من سَيُغَرد.

لا تستحق أمنيتي الأخيرة أكثر من تلغرام :”شكرا عفوا رمادي لا يهم أين.”

كانت أمي التي لم تكن تبخل علي بالوصايا تقول لي :
“كُنْ حَذِراً “. فَأَسْالُها مِمَّ؟ فكانت تجيب: ” لا يَهُم، كُنْ حذرا” .

قَلَّصْتُ من حَجْمي حَتَّى يَتَسَنَّى لي أن أعيش في قلب توليبة محاطا بالأوراق المتمايلة وحبوب اللقاح. وتحت تأثير الغيرة قامت اليعسوبة بطردي. هذا جزاء من يبجل الجمال. لم يبق لي سوى قتل مائات اليعاسيب واقتلاع ملايين التوليبات.

يُغَيِّرُ الثعبان جِلْدَهُ ويغادر الشاعر قصيدته. لايستعيد الثعبان جلده أبدا بينما يستعيد الشاعر قصيدته. إنها شؤون تجار ملابس.

سيزيفْ يقود بِلْدوزرْ، يدفعُ صخرتَه. أورْڨْيوسْ ينزلُ إلى الطابقِ الخامس تحت الأرض في مُستودع سيارته : عرينُ سَفَّاحين حقيقي. على أريكةِ مُحَلِّلٍ نفسي، يتباهى أوديبُ بِغرامِيَّاته اللذيذة مع أمه. فما الجديد إذن؟

همس يوهانس ولفغانغ غوته، وهو على فراش الموت، بلا أسنان، منخور القوى، شبه أعمى:
– مزيدا من النور.
فتحتْ خادمته النوافذ، فرآى المعجبون على اختلافهم في ذلك فلسفةً عميقةً وحكمةً لا مثيل لها. لم يكونوا يعرفون أنه بعد ذلك بثلاث دقائق، سيصْرخُ ولفغانغ ڨون غوته متضايقا من النور:
– النور مفرط أيتها الفاجرة!
فأعادت له الخادمة الظلمة، قبل أن يسلم الروح بعدها بقليل.

لديَّ جسد مخطوط وروح مشطوبة : مُسَوَّدَتان.

أذهبُ إلى الندى مثلما يذهب آخرون إلى الكنيسة.

لكثرة ما كنت أتأمل النجوم رأيت أن لها أسنانا.

كتبَ ڨاليري: “في المنام كل شيء حقيقي”. لذلك نشعر بالسعادة عندما نستيقظ.

منذ ملايين السنين ونحن نحاول أن نجعل من الدائرة مربعا. منذ ملايين السنين ونحن ننسى أن المربع يحاول أن يصبح دائرة.

ليْسَ لي أخٌ، لَدَيَّ أُخْتٌ واحدةٌ هي مَكْتَبَتي.

المُطْلَقُ جثة تجريدية.

المزعج في الجنة هو أنه للدخول إليها عليك أن تموت أولا.

في السياسة، ليست المسألة هي العدالة، وإنما في أحسن الأحوال، لاعدالة معقولة.

الشعوب المتحضرة تشن حروبا على جيرانها. الشعوب المتوحشة تكتفي بالحرب الأهلية.

على باب الجنة وجدت هذا التحذير : ” كونوا على حذر، فمع مرور الوقت، ستصبح بشعة. ”

قالت لي أورْكيدة :
– تبدو شاحب الوجه هذا الصباح، ألم تشرب طائركَ الطَّنَّان ؟

أبتكرُ كلمة جديدة وَأدعُ لشجرة المنغروف شرف تلفظها لأول مرة.

كل شهر أثيرُ مبارزة مع ناقد أو مع روائي. تدور رحاها في غابة بولونْيْ. أسقطُ صريعا كل مرة برصاصة في الصدر. وفي الشهر الموالي أعيد الكَرَّة.

– أنا لا أحبُّ نفسي.
– ولا أنا.
– جيد. لقد خُلِقْنا لِيُحِبَّ أحدُنا الآخر.

– ماذا تريد؟
– الشهرة.
– ستَخْنُقُكَ.
– أريد اللعنة إذن.
– ستُعَذِّبُك.
– فَلْنَجْمع بين الإثنين : لعنةٌ ذائعةُ الصيت.

– من أنتَ؟
– مجموع كتبي، شريطة أن تحرقوا ثلاثة أرباعها على الأقل.

علي أن أموت في مكان آخر: في محطة، في غرفة فندق، أو ربما على مقعد عمومي، بين شجرتيْ كَسْتَناء حتى لا أزعجَ حوض حمَّامي، سريري، قطعةَ صابوني، ثُرَيَّتي، ولا بساط الموكيط.

أتخلَّى عن نصف أصدقائي، والنصفُ الباقي يتخلى عني.

هل انا سيد حياتي؟ هل أنا ضحيتها؟ لنقل إنني مُخْرِجُها.

هل تسمحين أن أعطىي لركبتيكِ أوَّلَ دَرْسٍ لهما في القراءة.

– ماذا سأجد وسط قصيدتك ؟
– مِقْصَلَتَك.

في أحد الأيام ، قُبالَةَ بَيْتي، أرادت جميزة أن تتشاجر معي، فأودت الصاعقة بحياتها. لقد أحسنتْ صنعا.

دعوتُ إدغار بُّو، ليرمنطوڨ، پوشكين، كليست، كيتس، بايرون، لافورغ، لوتريامون، حدثوني كلهم دون استثناء عن الموت. عاتبني بعضهم، بشكل أكثر حدة، على بلوغي ضعف عمرهم. كبَّلوني، فاضطررت للمناداة على الشرطة. لن يرجعوا أبدا.

بعد ثلاث ساعات من المحادثة التافهة، نقدتُ سيغموند فرويد بسخاء، وأنا أجره من لحيته.- فقد كنت حينها في ريعان الشباب وحماسته- فأجبرته على التمدد فوق أريكته. وطرحت عليه ألف سؤال. فحكى لي أكاذيب عن وجوده، علاقته بأمه، زوجته، والنساء الأخريات، عشيقاته، انتصاباته. وأمام شكي، صرخ :
– أنا أيضاً يحق لي أن أكذب ، أليس كذلك؟

اقتربتُ من السنديانة والفأسُ في يدي، فقالت لي:
– لماذا تريد أن تقطعني؟
– أنا بْرْدان.
– هناك وسائل أخرى. فَرْوُ الثعلب، فهو شديد النعومة. تتجمع الثعالب حولي عند منتصف الليل. سأشير لك.
كانت النصيحة حكيمة. فقد قتلتُ تلك الليلة سبعة عشر ثعلبا، واستدفأتُ بشكل جيد. وبعد أسابيع، قطعت السنديانة.

أخذ لامارتين وهوغو وقد بلغا الستين يستحضران بعضَ ذكرياتهِما و بعض اللحظات المؤثرة. تَنَهَّدَ لامارتين قائلا:
– كنتُ أبكي في صمت…
فقاطعه هوغو :
– نعم، أمام جمع غرفَتيْ البرلمان، أنا أيضا كنت أبكي…
– بالتأكيد، أمام المصورين الفوتوغرافيين وعلى رأسهم نادارْ.

صاح بوشكين أمام أصدقائه وهو راض على قطعة النثر البديعة بشكل خاص التي كان قد انتهى للتو من كتابتها:
– براڨو بوشكين، يا ابن الكلب.
أنا لست رومانسيا، وعندما أجد أن صفحة حديثة الكتابة متوسطة أصيحُ :
– أَعِدْ بوصكي، يا ابن الكلب.

– هل تتحدثُ إلى نفسكَ؟
ْ- نادرا، ولا يمكن لي ذلك إلا بِمَعِية مترجم.

لا لِنَشْرِ الكُتُب بعد وفاة أصحابها!
فليس من شأن الجثث أن تنشر شيئًا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *