أسلاكٌ لكهرباء الشعر
صالح رحيم
دِيسَ كثيراً طينُ آبائي هذا، حتى وسعَ الأرضَ التي تركع عليها وتسجد، وما من شكٍ أبداً، أنَّ النهرَ الذي أحمله معي في حقيبة الظهر، إذا ما عُجنَ بتراب العشيرة
سنصير كلنا أخوة في هذا العالم .
***
يترنح العراقيُّ في البرية
والزمن كالجمرِ
يسقطُ على رأسه
ومكابرةً على كتمان بهجته في قلبه
تفضحه لحظةَ سهوٍ
فكرةُ الخلاص من الدنيا .
****
كانَ أبي، من فرطِ وحشته في الصحراء
يمتطي جملاً أبيضَ
ملاحقاً يدَ الله الواعدة بالألطاف الخفية
وبعد طول عناءٍ
توهمَ أن لطفاً خفياً تجلى بهيأتي !
*****
ثمناً لمناجاتي، أريد لهذه البهجة أن تمَّحي،
ولوردةِ الصبح
أن تغفو بعيداً عن وسادتي،
ثمناً لمناجاتي: لا أريد أن أغفو !
******
مرَّت قافلةُ الحمقى محملةً بالوقت
كنت نائماً حتى الظهيرة
فاتني أن أغلق البئر
نسيته منكفئاً على ظهره
ونمت حيرانَ بحشراتٍ ميتة على السرير .
******
ليس لي من هذا العالم سوى حياتي
اللحظة عندي بسنة
السنة عندي بقرون
والقرن عندي بعصور
لذلك لا أعلق آمالاً على العشيرة
ولا أتطلع لحياة أفضل .
******
جدي هو عروة ابن الورد
كان يسمى عروة الصعاليك
وأنا من سلالته،
لا ادعي الصعلكة
ولا أعيش في صحراء
ولست بقاطع طرق،
إلا أنني مثله تماماً
أقسم جسمي في جسوم كثيرةٍ
وأحسو قراح الماء أيضاً
والماء بارد !
*****
بيدٍ صغيرةٍ تفوق حجم جبل
أغترف من نهرٍ في غير زمانه
ماءَ لحظةٍ في غير مكانه !
*****
يجيءُ الظلامُ من حياتي
ويجيءُ النورُ من عينيكِ
الكف بالكف
والأنف قبالة الأنف مائلاً إلى اليسار قليلاً
والشفة ترتجف قبالة الشفة
في مثل هذه الحال فقط
أصيرُ
واحداً
يرتعشُ
من ضياع الكل!
*****
تشير الدلائلُ إلى أنني أعمى
وأنا بدوري أشيرُ إلى الدلائل
ولا يراها أحد .
*****
في سيارة التاكسي
سألني طفل
عن معنى كلمة انكليزية
فقلت له : صندوق
قال : هذا يعني أن في الصندوق حياتي .
قالها بهدوء
ورحلَ..
تاركاً وراءه صندوقاً في رأسي!
*****
تقفز من عيني دودةُ قزٍّ
تنسُج العالمَ كما أريد
لكنه-العالم الذي تنسجه الدودة- يتهاوى بعد لحظات،
يا للأسف
العالمُ خشنٌ
وعيني ترغب الحرير !
*****
أعادني الساحر إلى شبابي
وقبل أن أفارقه قال لي :
لا تكن أنانياً
فثمة أناس آخرون
إن بقيت طفلاً
ستؤخرهم عن طفولتهم !
*****
اغرز خنجرك عميقاً
في كوة الحائط
كي لا يسقط الحبل مرة أخرى .
*****
عدوُّ كل ما هو جديد
صديق الأشياء القديمة
كائنٌ من غبار
تجدده الريح في كل ثانية
*****
تضرعت إليه وردة
تطلب إجازةً في عيد الحب؛
زجرها بعيداً
وأخذ الشاعرُ الجبان: يُصَلِّي!
*****
كانت أول سيجارة له
في الخامسة من عمره
كانت هذه أولَ مرة
يعرف من خلالها
أن الشاعر جرة
يشتعل في قلبها نهر !
******
تحت ضوء القمر
ربتنا الوحوش
على الجدران
هكذا كانوا يُسِّخِّرون لنا النوم:
بأصابعهم !
******
في الوقت الذي كنا
فيه نلهو وننام
فاتنا أن نراقب
نباتات القطن
فاتنا أن نعرف غايات الله
في طيران فراشة
في الوقت الذي كنا
فيه نلهو وننام
لم نكن شعراءً!
****
قُرْصان:
الكنز في رأسه حتما
في زاوية من زوايا الذاكرة
يحتاج إلى أن يحفر أكثر!
****
كان القمرُ صحناً قديماً
في مطبخ العائلة،
كلما هشمه الصغار
رممته الوالدة من جديد!
وكان يحدث له الخسوف
كلما أردنا بيعه
لأحد العطارين!
*****
في الثالثة من عمري
قتلت عقربا
في الرابعة طعنتُ جرواً
في الخامسة دهستني سيارة
في السادسة ذهبت إلى المدرسة
في السابعة بدأت أتعلم الكراهية
واليوم أتعلم كتابة الشعر!
******
وصية :
اتركوا قبري بلا شاهدة
أريد أن أكون جزءاً من النسيان
******
الحمار الفارغ،
الذي لا يحمل شيئاً على ظهره،
يصعد إلى الجبل بسهولة !
******
هذا الذي تسمونه عمراً
كان مجردُ هواء لا أكثر
دخل عبر النافذة
وخرج خلال الباب،
دون أن يترك أثراً
أو شيئاً يدل على أنه عمر
******
انقلاب:
كان العالم راكداً
قبل أن أكتب الشعر
ترى من رمى الحجارة في النهر ؟
******
في المشفى:
يسحبُ -شيخ-الهواءَ بقوة
وثلاث أسرِّةٍ ساكناتٍ
ينظُرنَ إليه بفزع مريب !
*******
قدمت زهرة للسيدة العجوز
وعذراً قلتُ
قبل أن أمضي،
أنا على عجالة من أمري
ولا تستغربي أيتها السيدةُ
من هذه الزهرة السوداء
إنها حياتي:
كانت مغرمة بالليل.
******
أنا أيضاً رميتُ الدلو في البئر
فامتلأ بالذهب،
ورميته مرة أخرى،
فعاد إليَّ بالذهب من جديد
فرميته أيضاً،
كان الفرق يا إلهي
أنني عطشانٌ
يرى الذهبَ حجارة
عطشانٌ يريد أن يشرب الماء
لا أن يتوضأ.
*******
أتسكع في جوهر الماء
لأتحد معه في غايتِه
وألوّنه بفمي
لأطرد عنه التلوث والهائمات،
فالتلوث أحياناً يعني غياب الأحبة
والهائمات تعني خجلهم.
*****
في الباحة هذا عملي
أجرد المظلة من وظيفتها
ولا أخشى الحواجز
ولا العثرات،
الإرادة كقول عابر
أحب إلى قلبي
من حياة حبيسة في شارع..
حياةٍ مشتعلة في جرة
تحول النار إلى رماد!
*****
يرى الشاعرُ بعينٍ
عريَ العالم
وبعينه الأخرى
عفاف الطبيعة!
*****
لا تضرب بعصاك الحجر
اعصر عصاك تنفجر بالماء،
الحجر أنثى:
ودم الأنثى دم الشهور.
*****
وردةٌ
تفجرت في قلبِ الربيع
وها أنا، مُدَنَّسَاً
بفعل الرائحة،
أترنَّحُ كالسكران في عبور الشارع