المجرمون الحديثون
من ديوان الأشعار المختارة لنيكانور بارا ترجمة: أحمد حسّان
(كأنما لا شيء يحدث في تشيلي: أبيات بارا لتضليل الشعر)
من ديوان: الأشعار المختارة لنيكانور بارا
ترجمة: أحمد حسّان
مرخّص لهم بالتردّد يومياً على الحدائق والمنتزهات،
مزوّدين بتلسكوباتٍ قوية وساعة جيب
ينهبون الأكشاك التي يؤثِرها الموت
ويقيمون مختبراتهم بين الخمائل المزهرة،
من هناك يسيطرون على المصوّرين والشحاذين الذين يتجوّلون على مقربة،
محاولين إقامة معبدّ صغير للبؤس
ويبلغون –إذا سنحت الفرصة– حدّ التغلب على ماسح أحذية سوداوي.
تهرب الشرطة المرعوبة من هؤلاء الوحوش
باتجاه وسط المدينة
حيث تندلع حرائق آخر العام الكبيرة،
وحيث يُجبر شجاعٌ ملثّمٌ اثنين من سيدات الأعمال الخيرية
على رفع أيديهما فوق رأسيهما.
شرور العالم الحديث:
السيارةُ والسينما الناطقة،
أشكالُ التمييز العنصري،
إبادةُ ذوي الجلد الأحمر،
ألاعيبُ كبار المصرفيين،
كارثةُ المُسنّين،
التجارة السرية في البيضاوات التي يديرها لوطيّون دوليون،
التباهي بالذّات والنهم،
الطقوسُ الجنائزية،
الأصدقاء الشخصيون لصاحب الفخامة،
التسامي بالفولكلور إلى مرتبة الروح،
إساءة استخدام المخدرات والفلسفة،
ترهُّل من يؤثرهم الحظ،
الاستثارةُ الشبقية الذاتية والقسوة والجنسية،
التسامي بما هو حُلم وبالوعي الباطن على حساب الحس المشترك،
الثقة المبالغ فيها في الأمصال واللقاحات،
تأليه القضيب،
سياسةُ السيقان المفتوحة الدولية برعاية الصحافة الرجعية،
الشغفُ بلا حدودٍ بالسلطة والبذخ،
تجارة الذهب،
الرقصة المشئومة للدولارات،
المضاربةُ والإجهاض،
تدميرُ المعبودين،
التقدمُ المفرط في علم التغذية والسيكولوجيا التربوية،
رذيلة الرقص، والسجارة وألعاب القمار،
قطراتُ الدّم التي عادةً ما نجدها بين ملاءات المتزوجين حديثاً،
جنون البحر،
الخوف من الأماكن المفتوحة ومن الأماكن المغلقة،
تفتيتُ الذرّة،
الدعابة الدامية لنظرية النسبية،
هذيانُ العودة إلى رحِم الأم،
عبادةُ الغرائبي،
حوادثُ الطيران،
المحارق، والتطهيرات الجماعية، واحتجاز جواز السفر،
كل هذا لأنه يروقنا،
لأنه يسبِّب الدّوار،
تفسير الأحلام
وانتشارُ جنون الراديو والتليفزيون.
كما هو واضح، يتكوّن العالمُ الحديث من زهورٍ صناعية
تزرعُ في أجراسٍ زجاجية تشبه الموت،
يشكّله نجوم السينما،
وملاكمون دامون يتصارعون على ضوء القمر،
يتكوّن من رجالٍ –قُبّراتٍ يتحكّمون في الحياة الإقتصادية للدول
من خلال بضع آليات يسهل شرحها؛
وعادةً ما يتشحون بالسواد مثل رُسُلِ الخريف
ويتغذون على جذورٍ وأعشاب برّية.
بينما الحكماء، وقد أكلتهم الجِرذان،
يتعفّنون في أقبية الكاتدرائيات،
وتُطارِد الشرطة الأرواح النبيلة بلا هوادة.
العالم الحديث بالوعةٌ ضخمة:
المطاعم الفاخرة غاصّة بالجثث الهاضمة
وبطيور تطيرُ على ارتفاعٍ منخفض بصورة خطرة.
وليس هذا كل شيء: فالمستشفيات مليئةٌ بالأفاقين،
ناهيك عن وَرَثة الروح الذين يقيمون مستوطناتهم في مؤخرة
من أجريت لهم عملياتٌ مؤخراً.
الصّناعيون الحديثون أحياناً ما يعانون من تأثير الجوّ المسمّم،
فعادةً ما يسقطون بجوار آلات الخياطة صرعة مرضِ الحلم المخيف
الذي يحوّلهم على المدى البعيد إلى أنواعٍ من الملائكة.
ينكرون وجود العالم المادّي
ويتفاخرون بأنهم أبناءٌ بائسون للقبر،
إلّا أن العالم كان دوماً هكذا.
الحقيقة، كالجمال، لا تفنى ولا تستحدث من عدم،
والشعر يكمن في الأشياء وإلّا فإنه مجرد سرابٍ للروح.
أعترف بأن زلزالاً مفهوماً تماماً
يمكنه القضاء –في ثوانٍ معدودة– على مدينة غنيّة بالتقاليد
وأن قصفاً جوّياً دقيقاً
يسقِط الأشجار، والخيول، والعروس والموسيقى.
لكن ما أهمية هذا كلّه
إذا كانت أعظمُ راقصةِ باليه في العالم
تموت فقيرةً ومنبوذة في قرية صغرة بجنوب فرنسا،
بينما يعيدُ الربيعُ إلى الإنسان جزءً من الأزهار المختفية.
أنصحُ بأن نحاول أن نكون سعداءَ
بمصمصة الضّلع الإنساني البائس،
فلنستخلص منه السائل المجدِّد للنشاط،
وكل واحدٍ حسب ميولِه الشخصية.
فلنتشبّث بهذه المِزقة المقدّسة!
ولاهثين ومُرعبين
فلنمتصَ هذه الشفاه التي تصيبنا بالجنون؛
لقد تقرّر المصير.
فلنستنشق هذا العطرَ المثير والمدمَّر
ولنعش يوماً آخ حياةً المُختارين:
ومن إبطيه يستخلصُ الرجل الشمع الضروري ليصوغ وجه معبوديه
ومن فرج المرأةِ القشَ والطين لمعابده.
لكل هذا
أربّي قملة في رباط عنقي
وابتسمُ للحمقى الذين يهبطون من الأشجار.