قصيدة:(أَسْـر) للشاعرة الأمريكية: لويز إيردريك (Louise Erdrich)

ترجمة الشاعر الفلسطيني: يوسف حنّا

قصيدة:(أَسْـر)

كان التيارُ جارفاً وبارداً جداً
خِلتُ بأَني أَنشطرُ لنصفين.
لكنّه سحبني من الطوفان
بأَطرافِ شَعري.
ترعرعتُ وكبرتُ لأتعرّف على مُحيّاه
يمكنني تمييزه من بين الآخرين.
كانت هناك أَوقاتٌ، خفتُ أَن أَفهمَ
لغتَه، لم تكنْ لغةً بشريَّة،
وخَشعْتُ أُصلّي لأَرجو القوة.

كنا ملاحقين من عملاءِ الله
أَو أَنهم أشباحٌ شيطانيَّة، لا أَدري.
كان علينا فقط أَن نواصلَ السيرَ
حشوا بنادقهم بالرصاص
لم أستطع إرضاعَ طفلي وهو يولول
كان يعرضهم للخطر.

كانت له امرأَةٌ
بأَسنانٍ سوداءَ ولامعة
كانت تُطعمُ طفلَها حليبَ البلوط.
أُغلِقتْ الغابةُ، الضوءُ بَعُدَ وخبا.
قلتُ في نفسي أُفضِّل الموتَ جوعاً
على أَن أَتناولَ الطعامَ من يديه
لكنّي لم أَمتْ جوعاً.

في إحدى الليالي
قتلَ غزالةً مع الصغير الذي في داخلها
وقدّمَ لي لآكلَ من لحم الظبي.
كان غضّاً للغاية،
والعظامُ مثلُ سيقانِ الزهور،
التي تابعتُها حيثُ أَخذني.
كان الليل ثقيلاً. لقد قطعَ الحبلَ
الذي ربطني بالشجرة.
بعد ذلك سَخِرتْ الطيور.
الظلالُ فغرتْ فاها هادرةً
والأَشجارُ خفضتْ
رموشَها الحادَّة.
إلّا أنه لم يلاحظْ غضبَ الرَّب
أَضرمَ اللّه النارَ من جذوعٍ شبه مدفونة.
خبأتُ وجهي في ثوبي، خوفاً من أن يحرقنا جميعاً
لكن هذا مرَّ بسلامٍ أَيضاً.

تمَّ إنقاذي، لا أَرى أيَّةَ حقيقةٍ في الأَشياءِ.
زوجي ما زال يدقُّ الإسفينَ الغليظَ
في جسمِ الأَرض، لكنها بقيتْ منغلقةً
في وجهه عاماً بعد عام.
ما زلتُ أُطعمُ طفلي من القمحِ الأَول.
استلقيتُ لأنامَ
على وسادة بماركة هولندية
استلقيتُ لأنامَ
ورأيتُ نفسي في الظلام
كما لو كنتُ خارجَ دائِرتِهم.

ركعوا على جلد الأيّل، بعضهم حملَ العصي
قاد مجموعته المرافقة في الضجيج
لدرجة لم أعد بعدها قادرة على احتمالِ
الفكرةِ عمّا كنتُ في السابق.
اقتطعتُ فرعاً وجرّدته
وأخذتُ أضرب به الأرضَ
متوسلةً إياها أن تنفتحَ
وأن تقبلني
كما كان عليه الحالُ من قبل
وأن تطعمني العسلَ من الصخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
▪قراءة وتحليل للقصيدة
لأُستاذ تاريخ الأَدب: (ماثيو تويتش)
ترجمة: (يوسف حنا)

ظهرت قصيدة إيردريك في البداية في عام 1984، بعد أكثر من 300 عام على نشر رواية رولاندسون في عام 1682 (*). روت من وجهة نظر رولاندسون، مثل روايتها، “أَسر” تؤرخ وقت رولاندسون بصفتها سجينة. المسار الذي تتبعه إيردريك لرولاندسون يعكس تجربة رولاندسون الخاصة من الخوف والفزع الأولي إلى نوع من القبول والاحترام لأولئك الذين أخذوها من لانكستر. رولاندسون، التي ربما كانت تخشى رد فعل عنيف من المجتمع، تقلل من مشاعرها الإيجابية تجاه أولئك الذين أسروها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون هذا التقليل من الأهمية بسبب المداخلات التي قدمها ماثر أو وزراء بيوريتانيون آخرون في نص رولاندسون. (هذا شيء لا يمكنني الإجابة عليه، ولكنه يستحق المناقشة في مرحلة ما).

تستهل إيردريك قصيدتها “أسر” بمقدمة وهي كتابة منسوبة إلى رولاندسون: “لقد أعطاني (خاطفي) قطعة من البسكويت، وضعتها في جيبي، ولم أجرؤ على تناولها، ودفنتها تحت سِجل، خوفًا مني أن يكون قد وضع شيئاً فيها ليجعلني أحبه. ” يجمع هذا الكتاب بين مشهد من الفصل الرابع عشر حيث تتحدث رولاندسون عن الجوع وإخماد هذا الجوع مع فتات الكعكة التي أعطاها الهندي عند أسرها. تصف رولاندسون سكان أمريكا الأصليين وكيفية قتلهم للغزال، وطهيه، وتناوله. تشارك رولاندسون، من خلال هذا، وتبدأ في طمس الخطوط بين حياتها الأولى في لانكستر ووقتها في الأسر.
ومع ذلك، فإن هذا الاقتباس يستدعي التساؤل عما كان سيحدث لو أن ماري رولاندسون قد أكلت البسكويت بالفعل بدلاً من وضعها في جيبها. هل كانت ستحبه (من السكان الأصليين)؟
يبدو أن لويز إيردريك تعتقد ذلك، وهي تتلاعب بالإجابات على هذه الأسئلة بكتابة هذه القصيدة. يشير اختيار الكلمة في قصيدتها إلى تصوير واضح للخوف والذنب والرغبة المتشابكة. في البداية، تشعر راوية القصيدة بالخوف ليس فقط لأنها محاطة بـ “الآخرين” و “غير البشر” ولكن أيضًا لأنها تتفهم تدريجيًا (وربما تبدأ في قبولهم) ولغتهم وثقافتهم. ثم تشعر بالرغبة في عدم الجوع والبقاء على قيد الحياة، مما يجبرها على تناول الطعام “من يديه [من السكان الأصليين]”، وفي الوقت نفسه، “قطع [الحبل] الذي يربطها”. قطع الحبل هذا هو في الواقع استعارة لفصلها عن معتقداتها وإلهها. بالطبع، يغضب الله من هذا الأمر، وتشعر الراوية بالذنب في وجه “غضب الله”. حتى عندما يتم إنقاذها أخيرًا، لا يمكن تجاهل قبولها “المتنامي” للطرق الأصلية والأضرار التي لحقت بعلاقتها بإيمانها.

لا تستطيع الراوية أن تتصالح مع مشاعرها غير المتسقة، لذا فهي تتوسل إلى إلهها، “صخرتها”، أن تعود إليها وأن “تعترف” بها مرة أخرى. لم يؤدِّ هذا الانفصال إلى تعطيل طريقة حياتها وهويتها فحسب، بل أدى أيضًا إلى تدمير الأمن الذي كانت تشعر به. إنها تريد أن تتغذى من “عسل ربها” لأنها “لم تعد قادرة على تحمل” الانفصال عن دينها وعن نفسها وعمَّن كانت هي سابقاً.

بعد كتابة المقدمة، المقطع الأول من القصيدة تصف المجموعة وهي تعبر المجرى وسقوط رولاندسون في المياه الهائجة فيسحبها آسرها (خاطفها) من الماء بشعرها. هنا، تصف أولئك الذين أخذوها أسيرة على أنهم عنيفون ومتوحشون. ومع ذلك، مباشرة بعد أن سحبها ذاك المجهول من الماء، تقول إيردريك وكأنه على لسان رولاندسون، “ترعرعتُ وكبرتُ لأتعرّف على مُحيّاه/ يمكنني تمييزه من بين الآخرين”. في روايتها، بدأت رولاندسون في رسم بورتريهات لخاطفيها كأفراد أيضًا.

خلال الهجوم على لانكستر، تشير رولاندسون إلى المهاجمين بـأوصاف مثل “البؤساء القتلة” و “المخلوقات البربرية” و “الوثنيون الدمويون” و “الكفار”. هذه المعرّفات تجرد الأمريكيين الأصليين من هويتهم، مما تجعلهم جميعًا يظهرون كما لو أنهم دون أي شخصية. في وقت مبكر من الفصل الثالث، بدأت رولاندسون في تقديم شخصية مميزة لخاطفيها. مشيرةً إلى سيّدها، ( Quannopin)، وسيّد ابنها في هذا الفصل. حتى مع هذا الاعتراف، فإنها لا تزال تحتفظ بتعريف شامل تدمغ فيه خاطفيها على أنهم “وحوش الغابة البرية” في الفصل الرابع.

في وقت لاحق، على الرغم من أنها لا تستخدم أسماء محددة، إلا أن رولاندسون تُظهر لطف الأمريكيين الأصليين. على سبيل المثال، في الفصل التاسع، تذكر “Squaw” الذي أعطاها مكانًا للراحة والطعام. فيما بعد، تروي كيف كانت تنام داخل (wigwam-كوخ بيضوي للهنود الحمر)، بينما ينام الآخرون في الخارج تحت المطر. عندما استيقظت، اكتشفت أنها “كانت أفضل حالاً من كثير منهم”. عندما كتبت عن الملك فيليب نفسه، وصفته بأنه عادل وصادق. وتكتب رولاندسون كيف يأتي آسرها، ليأخذها جانبًا ويخبرها أنها ستكون حرة في غضون أسبوعين. ومع ذلك، تخلق هذه الحالات خوفًا داخل رولاندسون، كما تكتب إيردريك في نهاية المقطع الأول للقصيدة، “كانت هناك أَوقاتٌ، خفتُ أَن أَفهمَ/ لغتَه، لم تكنْ لغةً بشريَّة”. يتردد صدى خوف رولاندسون عند دي كريفيكور والمخاوف التي يكتب عنها في رسائل من المزارع الأمريكي جيمس والذي أبعد مع عائلته إلى الحدود، ويتحدث بشكل إيجابي إلى حد ما عن الأمريكيين الأصليين، ثم يعبر عن خوفه من استيعاب أطفاله وزوجته في الثقافة الأمريكية الأصلية.

يبدأ المقطع الثاني من القصيدة بادعاء رولاندسون، “كنا ملاحقين من عملاءِ الله / أَو أَنهم أشباحٌ شيطانيَّة، لا أَدري”. هنا، تتساءل إيردريك، عن المذاهب الدينية التي اعتنقها المسيحيون عندما هاجموا وأهلكوا القبائل الأمريكية الأصلية. هل يتطلع المستعمرون “عملاء الله” إلى الإنقاذ أم أن “الأشباح الشيطانية” تتطلع للتدمير؟ نلاحط هنا أن أيردريك في قصيدتها “أسر” تواجه رولاندسون باستمرار في روحانياتها. بينما تعود رولاندسون بنفسها مرارًا وتكرارًا إلى الله وروحانياتها في مآزقها، حيث تعتبرها جزءً من نموها الروحي، تتساءل إيردريك عما إذا كانت رولاندسون تعتقد أنها حقيقية بالفعل.

إنها تخشى الذهاب إلى البرية، كما فعلت رولاندسون نفسها، في نهاية المقطع الثاني. أما في المقطع الرابع، ترى رولاندسون (كما تسرد إيردريك) عاصفة وأن “غضب الرب” ينزل على خاطفيها. ومع ذلك، لا يلاحظ آسرها أي شيءٍ من هذا. بينما يرى أن “الظلالُ فغرتْ فاها هادرةً / والأَشجارُ خفضتْ رموشَها الحادَّة”. آسر رولاندسون “لم يلاحظ غضب الله” تخفي رولاندسون وجهها في صدرها خوفاً من “غضب الله” أن يدمرها مع الجميع، “لكن هذا مرَّ بسلامٍ أَيضاً.” في قصيدة إيردريك بدلا من الله، العاصفة موجودة فقط كظاهرة طبيعية.
عند إنقاذها من الـ”أسر”، ترى رولاندسون زوجها يحاول باستمرار حرث الأرض دون نجاح. “زوجي ما زال يدقُّ الإسفينَ الغليظَ في جسمِ الأَرض/ لكنها بقيتْ منغلقةً/ في وجهه عاماً بعد عام.”، والذي يمكن اعتباره أيضًا متعلقاً بعلاقة رولاندسون مع زوجها عند عودتها. تعود رولاندسون إلى وسائل الراحة في حياتها السابقة، ولكن عندما تنام، ترى نفسها “خارج دائرتهم” في البرية.

بينما اعتمدت قصيدة إيردريك بأكملها على رواية رولاندسون، فإن المقطع الأخير هو الأكثر أهمية. فهنا، تقلب إيردريك نهاية رواية رولاندسون، وحديثها عن أرقها عند عودتها إلى عائلتها. ومع ذلك، في حين أنها لا تستطيع النوم، فإنها لا تزال تمدح الله لفدائها. تشير رولاندسون إلى مزمور 81 في المقطع النهائي، وتحديدا البيت 16 من المقطع الأخير للمزمور 81:

“لو كان شعبي فقط يصغي لي،
لو تبع إسرائيل طرقي ومسلكي،
لعرفوا مدى سرعتي في إخضاع أعدائهم
وكيف أرفع يدي ضد خصومهم!
أولئك الذين يكرهون الرب سوف يضيق أمامهم،
وعقابهم سيستمر إلى الأبد.
لكني سأطعمك من أجود أنواع القمح.
وبالعسل من الصخرةِ سأرضيك.”

وتندب رولاندسون باستمرار على عصيانها الله في روايتها، وعند خلاصها، تدرك عصيانها وبسبب اعترافها قرر الله أن يخلصها من الأسر.
قصيدة إيردريك، على الرغم من ذلك، تقلب هذا رأساً على عقب. في حين أن رولاندسون في قصيدة إيردريك تقف خارج الدائرة بينما يرقص الأمريكيون الأصليون ويحتفلون. تشعر هنا بأنها شخصية أخرى، وتريد المشاركة. تتوسل إلى الأرض لتنفتح لها وتقبل بها وإطعامها “العسل من الصخر”. بهذه الطريقة، تدعونا إيردريك للإصغاء إلى (Wampanoag-قبائل هندية من سكان أمريكا الأصليين) ولموقفهم، وليس فقط لموقف ورواية رولاندسون. تُظهر أيردريك أنها خلال أسر رولاندسون، جاءت لترى خاطفيها ليس كوثنيين وكفار بل كشعب.
هذا، بالطبع، ليس كل ما يمكن قوله حول هذه القصيدة.. فما هو رأيكم؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كانت ماري (وايت) رولاندسون امرأة أمريكية استعمارية تم القبض عليها أثناء هجوم شنه الأمريكيون الأصليون خلال حرب الملك فيليب وبقيت في الأسر لمدة 11 أسبوعًا و 5 أيام. بعد إطلاق سراحها بفدية، كتبت رواية عن أسر وترميم السيدة ماري رولاندسون، والمعروفة أيضًا باسم “سيادة الله وخيراته”. إنه نوع من الأعمال الأدبيَّة لروايات الأسر. تعتبر واحدة من أوائل الكتب الأمريكية الأكثر مبيعًا، حيث ظهر منها أربع إصدارات في عام 1682 عندما تم نشرها لأول مرة.

………………………………………
(*) اللوحة للفنان: جاك بادلي

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *