أنا انسان آلي
ترجمة : حسين نهابة
عن دار نشر خطوط صدر في العاصمة الأردنية عمان رواية أنا انسان آلي من تأليف اسحق عظيموف وقد ترجمها عن الاسبانية الشاعر العراقي حسين نهابة.
عظيموف كيميائي ومؤلف امريكي من اصل روسي.وُلد في 2/1/1920 وتُوفي في 6/4/1992 يُعد من أكثر الأدباء غزارة في الكتابة، إذ اثرى الثقافة العالمية بأكثر من 500 كتاب. اشتهر بكتاباته في روايات الخيال العلمي، حيث لاقت رواياته نجاحاً وانتشاراَ كبيرين.
من لوائح الانسان الآلي الثلاث 1:. على الانسان الآلي ان لا يتسبب بأي اذى للكائن البشري، او بسبب تقاعسه، ان يسمح للكائن البشري ان يُصاب بوجع. 2. على الانسان الآلي ان يُطيع أوامر الكائن البشري، عدا التي تتعارض مع اللائحة الأولى. 3. على الانسان الآلي ان يحافظ على استقلاله الذاتي، على ان لا يتعارض ذلك مع اللائحتين الأولى والثانية. النظام الداخلي للإنسان الآلي طبعة 56، عام 2058
من مقدمة الكتاب:
راجعت ملاحظاتي، فلم ترق لي. أمضيتُ ثلاثة ايام في الولايات المتحدة للبشر الآليين، وليتني قضيتها في البيت مع دائرة المعارف. وُلدت سوزان كالفين سنة 1982، وعليه لابد ان يكون عمرها الآن خمسة وسبعون عاماً. هذا ما يعرفه العالم بأجمعه. وبتقريب اكثر فأن “الولايات المتحدة للبشر الآليين، ومؤسسة الإنسان الميكانيكي” تأسست منذ ما يقارب خمسون وسبعون عاماً ايضاً، وهو عام ولادة دكتورة كالفين الذي ارسى فيه لورنس روبرستون، قواعد ما ستكون اغرب واقوى صناعة في تاريخ البشر. حسناً، هذا ما يعرفه الجميع ايضاً. في العشرين من عمرها، اصبحت سوزان كالفين عضوة فاعلة في دائرة الابحاث النفسية الرياضية، والتي احضر امامها دكتور الفريد لانينغ التابع للولايات المتحدة للإنسان الآلي، اول انسان آلي ناطق. كان كبير الحجم، خشن وقبيح، مخصص لمشاريع المناجم العائدة لشركة مركوريو. لم تعلق سوزان بشيء في تلك المناسبة، ولم تشارك في الجدل العاطفي الذي دار آنذاك. كانت فتاة باردة، صادقة وغير متلونة، تناضل وسط عالم مليء بالأقنعة عصي على الادراك. لكنها بينما كانت تراقب وتصغي، شعرت بتوتر وحماس باردين. تخرجت من جامعة كولومبيا عام 2003 وتخصصت في علم الأنترنت. كل الذي قام في النصف الثاني من القرن العشرين فيما يخص “مكائن الحاسبات”، كان قد تم الغاؤه من روبنسون وادمغته البوزيتونية. اميال من القابلوات والخلايا المصورة، كانت قد أُدخلت الى بلاتين – ايريديوم الكرة الاسفنجية التي بحجم المخ البشري تقريباً. تعلمت حسابات البارومترية الضرورية لتقييم المتغيرات المحتملة لـ “الدماغ البوزيتوني” وبناء “عقول” فوق الورقة، بطريقة تسمح لها باستجابة ذاتية تقريباً لمحفزات معينة. عام 2008 حصلت على شهادة الدكتوراه في “الفلسفة” وانتسبت الى الولايات المتحدة للبشر الآليين كـ “مُعالِجة نفسية” واصبحت من اوائل المتخصصين بهذا العلم الحديث. كان لورنس روبرستون رئيس المؤسسة، والفريد لانينغ، مديراً للأبحاث. وخلال خمسة عشر عاماً شهدت التصاعد الايجابي للتقدم البشري بوتيرة مُثيرة للدهشة. وحين تقاعدت، اصبحت أبواب مكتبها مشرعة امام القادم الجديد. هذا ما عرفته ببساطة. لديها الآن قائمة طويلة من المؤلفات، والمام كبير بالتفاصيل التاريخية للترقيات، وبكلمة أخرى، تمتلك ذاكرة قوية لـ “حياتها” المهنية بالتفصيل. لكن هذا كله لم يكن ما اريد. كنت بحاجة الى المزيد لمقالاتي التي اكتبها للصحافة الكونية. احتاج اكثر. وبادرت: – دكتورة كالفين –خاطبتها بلغة مؤدبة ما استطعت الى ذلك سبيلا– استناداً الى الرأي العام، فانك والولايات المتحدة للبشر الآليين متسايران على قدم وساق. هل سيكون لتقاعدك نهاية لعهد… – هل تريد وجهة نظر المصلحة العامة للبشر؟ -قالت دون بسمة. اعتقد ان شفتيها لم ترسمان بسمة مطلقاً، لكن عينيها كانتا ثاقبتين يخلوان من العداء. شعرت ان نظرتها تخترقني وتخرج من الجانب الآخر، وادركت بانني امامها مثل ورقة شفافة غير مستعملة. – بالضبط –قلت. – المصلحة البشرية… للإنسان الآلي؟ ان هذا لتناقض. – كلا يا دكتورة. انا اقصد فيما يخصك. – لقد اطلقوا عليّ تسمية “انسان آلي” ايضاً. مؤكد انهم قالوا لك باني لستُ بشراً. لقد قيل لي هذا فعلاً، لكني لم اشأ ان اصرح به امامها. نهضتْ من الكرسي. لم تكن طويلة، كانت تبدو هشة. تبعتها حتى النافذة واطللنا منها معاً. كانت مكاتب وورش الولايات المتحدة للبشر الآليين، تشكل مدينة صغيرة، رحبة ومُنظّمة بصوة جيدة. كان كل شيء مُسطحاً مثل صورة حية. – حين اتيتُ هنا للمرة الاولى –قالت– سكنتُ في غرفة صغيرة هناك على اليمين حيث اصبحتْ الآن مركزاً لرجال المطافئ. لقد هُدمت قبل ان تُولد انت. تشاركتُ الغرفة مع ثلاثة اشخاص. كان لدي نصف طاولة. وبنينا بشرنا الآلي في مكتب واحد… ثلاثة في الاسبوع الواحد. تصور. – خمسون عاماً – تجرأت – زمن طويل. – ليس عندما تنظر الى الخلف، وتتساءل كيف مضى العمر بهذه السرعة. عادت الى طاولتها وجلست. لم تكن بحاجة الى اي تعبير على ملامحها، لتبدو حزينة. – ما عمركَ؟ -ارادت ان تعرف. – 32 عاماً –اجبت. – اذن لا تستطيع ان تتذكر الازمنة التي لم يكن فيها انسان آلي. كان على البشرية ان تواجه الكون لوحدها، دون اصدقاء. وصار لديها الآن كائنات ذات ولاء مُطلق تمد لها يد العون، كائنات اقوى منها، واكثر نفعاً ووفاءً. هل فكرت بهذا كله، انطلاقاً من هذا المنحى؟ – اخشى ان لا. هل يمكنني تسجيل حديثك؟ – نعم. الانسان الآلي بالنسبة اليك، مجرد آلة. ميكانيك ومعدن، طاقة كهربائية واستجابة. عقل وخوف! عقل وحديد! عمل انساني!. ويمكن ان يُفكك من قبل البشر عند الضرورة. لكنك لم تعمل معهم، ولذلك لا تعرفهم. انهم انظف واكثر ثقافة منا. – آمل ان نعرف شيئاً يمكنك ان تقصيه علينا، ومعرفة رأيك بالإنسان الآلي. الوكالة الفضائية الكونية احتوت نظام الطاقة الشمسية بأكمله. ثلاثة بلايين من القرّاء، دكتورة كالفين، يودون ان يعرفوا ما يمكن ان تخبرينا به عن الإنسان الآلي.