مرثية لربة منزل

مرثية لربة منزل

أنا رَبّة مَنْزِل

تَتوقُ لـ “شكرًا”

شُكراً للطَبخَة .. شُكراً للكَعْكَة

شُكراً للقُبْلَة .. شُكراً للضَمّة

شُكراً للعُمرِ المُنسَل

من بين الإبرة .. وخِيطان الرُقعة

■

شُكراً للكَي .. شُكراً للغَسْلَة

شُكراً للحَمْل .. شُكراً للخِلفة

شكراً للأُذُن المحتلة

بروايات تعسة .. مُختلقة

■

شُكراً للبَطنِ المَنثور .. شُكراً للظُفرِ المَكسور

شُكراً للوَقتِ المَهدور.. شُكراً للحُلمِ المَبتور

شُكراً للبَيتِ المَعمور.. شُكراً للصَبرِ على الجور

شُكراً للأَيدي البَيضاء .. نَحَتتها اللَسْعَة

■

شُكراً لتَلويحَة الأكُفِ المُبتَسِمة

مِن شُرفَة الصَباحِ عِندَ الذِهَابِ .. للمَدرسة

..

شُكراً لانتظارٍ طال في دهَاليزِ المَسَاء

بعينٍ ثَملة .. مُنَكسة

..

شُكراً للزَورَق السَابح

في العَصفِ .. في الغَسَق

في الصَفوِ .. في الشَفَق

في جُنح الليلِ الجَامح

رابح زورَقُك رابح

لا يُخشى غرقًا

زَورق مَنحوت مِن شَجر الجَنة

■

أنا رَبّة مَنْزِل

أظافر بلا طِلاء

كُفوف تَتَسول هِجاء

خِضابٌ كماءِ القرى

لَيتهُ كنَبيذ الإغواء

أيوبية .. بين الوَري

ناعسةٌ .. مَبتورةُ الكِبرياء

رَمادية لياليّ .. بلا مَجمَرة شَمس

ولا دُخان .. من هَوى الأضواء

وأنا عطر “لاليك” .. بلا مُستهام

■

أنا رَبّةُ مَنْزِل

عقوبٌة بلا إِثم

كُنّيةٌ بلا اسم

هَجرتُ داري لعُقبى بَيت شِعر

ونحَتُ اسمي بمُعَلقٍة

برَسمٍ

بوَشمٍ

بتِرجاع يَمين على ثَغرٍ

أن تاللهِ .. أنت أدم بلا عَزم

وأنا عَبلةٌ .. بلا شدّاد

■

أنا رَبّةُ مَنْزِل

عَزيزةُ دَارِ ذُلٍ غَضُوب

فَجري مُعتَم بِمَطبٍخٍ كَروب

نَهاري مُحدِق بِعَين موقدٍ هَبوب

ساكنٌ ليلي بمورفين

تَغريدات صَغيري الطَروب

انام على جُثةِ حُلمي ملتحفةً بأكفانِ

اهرب من أَرضي إلى بَحريِ

فإذا باليَم حِيتانِ

لكن لن أحيا .. رُتبة بلا نَجمة

ولن أرحل .. بَطلة بلا نيشان

■

أنا رَبّةُ مَنزِل

كَنزٌ .. بلا سِياج

تلاسنٌ .. أبكْمٌ أُجَاج

نُورٌ .. يَستفِز الديّاجي

مُحيطٌ ساكنٌ

قَاعهُ هياج

يَضغط بَعضي على بَعضي

لأُرفع بِضَمتِك،

يَضغط بَعضي على بَعضي

لأكسَر بِقَبضَتِك

يَضغط بَعضي على بَعضي

لأسكُن بغَربَتِك،

يَضغط بَعضي على بَعضي

لاُفتَح لشَهوَتِك

فيما تستيقظ صبحاً، ظهراً ،أوعصراَ

للتثائب ضجر وضجيج واحتجاج

■

أنا رَبّةُ مَنْزِل

بونٌ بلا فِراق

عِناقٌ بلا اشتياق

وِثاقٌ بمِيثاق

وأسرٌ ما منه عِتَاق

طالعتك مِن شُرفَة زِنْزَانتي أَزرق أَزرق

يَهطُل من ظُلل غَمَامِك غَيثٌ وهتاّن

حَدّقت إليّ كَسُمٍ .. بلا تِريَاق

وأشحتني .. كهَاموش الرُعيان

ثم سترثيني بَعدَ فوات الحَياة

ثم ستبكيني بعد فوات الآوان

ولأبشِرَنّكَ بصيفٍ .. بلا شُطآن

■

أنا رَبَة مَنْزِل

تعايشٌ .. بلا انسجام

ملابس .. بلا هِندام

قَيلولٌةٌ .. بلا رَوقان

عَدَالةٌ .. بلا مِيزان

ومُتْرَف أنت، لا قَذى في مِعطَفك

لا عَرَقٌ في يَاقتك

لا قَطْعٌ في عُروَتك

تُقَايضُ على الحَياةِ، بهواء الحرية

فيأتيكَ رَبيعٌ .. بلا أقحوَان

■

أنا رَبّةُ مَنزِل

مَكانةٌ صُوريّة .. تَنقُصُهَا الحَيثيّة

جَماٌل خَام .. مَبتور الجَاذبيّة

عِلاقةُ مَضمونة .. مقطوعة الحَميميّة

أنى يكون لي احتمال

وقد بَلَغْت من العَطاِء عِتيًا؟

■

عَظِّم البَطشَ .. فكأس الذُلِّ سَلوانا

عَظِّم البطشَ .. فحجر القبر مآوانا

عَظِّم البَطشَ .. ثم اتلُ سورة لقمان

ولأصبِرَنّ حتى .. يمَلَنِي المَلَلُ العَصيّ

ولأسمَعَنّ صَدى .. كَفّ رَبَكَ القوي

سَاعة تَطن على .. جبين مَولانا

ومهما تسابقنا ومهما تبعثرنا .. سيان

فسيجتازنا العُمر هرولة .. كعدّاءٍ زنجي

وسيجمع الثرى الشتيتين رَمَادًا .. يَوم موتنا

■

أنا رَبَّة مَنزِل

استقبالٌ.. بلا تِرحَاب

فَلانتاين .. بلا أحبَاب

عفةٌ.. رهن حِجَاب

فَاتُورة .. بلا حِسَاب

تَسامُح .. بلا عِتاَب

موهبةٌ .. بلا عَرّاب

سكونٌ يَكسِر الإعرَاب

وقد تزوجني صَغيرة

فأُتيِت الهَمَّ صَبيّة

وجبارًا مِن لدنه

وكان صعلوكاً عَصياً

وأنا لمسنا الشقاء

فوجدناه حرساَ منيعاً للقسوة

وأنا لا ندري، أقهرٌ أُريدَ بالأبناء

أم أراد لهم من دارهم هرباَ؟

وأنا كنا نقعد منه مقاعد للسَمْع

ونضحك لقوله أنه .. شَمعة محتَرِقَة

■

أنا رَبّةُ َمنْزِل

أنا قُبلةٌ بلا أهٍ، بلا أنّة

بلا شَهوة

جِنسٌ بلا قناديل تتأرجح

مرتَعشة

شِفاهٌ بلا جلنار، بلا ياقوت

بلا حُمرة

سُلطانة بلا هَيلمان، بلا جَبروت

بلا مَحبَرة السُلطة

وأنا آذار .. بلا بَيلسان

■

أنا رَبَّة مَنْزِل ..

بحاجةٍ إلى إعتذار

إعتذار .. عن حرٌبٍ بلا غَنيمة

عن ضيفٍ تساقط بلا عَزيمة

اعتذار لَمجدلية بلا جَريمة

اعتذار عن حِصتكم من لَحمٍ

و عن حصتي من رَقبة البهيمة

■

اعتذار عن ” الو” بلا لَهفة

عن حِرماني الهَفوة

عن يقَظٍة اعتازت لغَفوة

عن هُدنة غَلت بجَفوة

اعتذار عن تَسيد بلا حَسنات

عن وَجعْ بلا مُسكِّنات

عن غَاز مَعْقول

يَهفو لانطلاقة .. بممرَات السَمَاوات

■

اعتذار عن نهارٍ .. مشنوق الأمل

عن عذاباتٍ .. جدولها الألم

عن جِهَادٍ .. لم يُعَنْوَن عَمل

اعتذار عن حُزْن الِصفْصَاف قبل التشارين

اعتذار عن تَموز بلا شاطئ بلا مانجو، بلا تين

عذراً فمن عاش خَريفاً

كسواه ممن مَات دهورًا

عذراً فجَسد الخوف شَبحٌ

يختبئ طَيّ الصدُور

■

أنا رَبّةُ مَنْزِل

مَسيرٌ خَلفيّ

بلا قِبلّة

صعودٌ وهميّ

بلا قِمّة

اهتماماتٌ –نادرُها- جِديّ

بلا هِمّة

مصيٌر رَماديّ

بلا .. إمّا وإمّا

وأنا شتاءٌ .. بلا مِدفأة ولا أَمْطَار

■

أنا ربة منزل

أنا الزَورَق السَابح

في العَصفِ .. في الغَسَق

في الصَفوِ .. في الشَفَق

في جُنح الليلِ الجَامح

رابح زورَقُك رابح

لا يُخشى غرقًا

زَورق مَنحوت مِن شَجر الجَنة.

(*) اللوحة للفنانة الفرنسية الأمريكية: لويز بورجوا
(*) عنوان العمل: ربة المنزل