مارينا ابراموفيتش وهياكل جياكوميتي
رؤيا سعد
“إننا نندهش بإثارة أمام كل تمثال يقدمه جاكيوميتي، ليوقظ فينا شعورا بدائيًا عنيفًا، ليس له شكل واضح مفهوم ، لكننا نحب الاستسلام إليه ، لذا فإننا نقترب من تماثيله لا لنرى تفاصيلها أو نفهمها، بل لنجد فيها ملجأ مستقرًا لهذا الشيء المبهم العنيف.”
سارتر / البحث عن المُطلق
أمضى جياكوميتي في محترفه الباريسي النائي ما يقارب اكثر من ٤٠ عام . يعيش ويعمل في استديو يملأه الأسمنت الابيض وكما وصفه جان جينية ( بمستودع الحليب ). ليمنحنا شكلا مختصرا لهشاشة الوجود من خلال تلك التماثيل المشوهة المتداعين البنية المنفذة من قبله وكأنها الأشباح ، لكنها تحمل ملامح جياكوميتي نفسه، هو ينحت ذاته ! هذا الفنان ينتمي الى إعماله والعكس صحيح ، يعكس لنا من خلالها حالة الشعور بالشتات امام ازماته النفسية والوجودية خاصة عندما كان يبيع ملابسه ومقتنياته من اجل عدم الشعور بالعوز حتى انه وصف حاله عندما انتهى من تنفيذ منحوتته الشهيرة ( الكلب 1951 ) انه أنا، رأيت نفسي ذات يوم أتسكع في شوارع باريس ككلب متهالك هائم
هذا التداعي الهم فنانة الاداء الصربية ( مارينا أبراموفيتش (مواليد 1946) بلغراد في يوغوسلافيا السابقة . و لطالما شعرت ان هناك. وثاق قوي يربطها بروح تلك التماثيل المتداعية الهشة التي يجسدها جياكوميتي والتي تصفه على حد قولها حيث تصف تجاربها الادائية فتقول “بمجرد أن تدخل نفسك في الأداء، يمكنك القيام بأشياء مع جسدك لا تفعلها في وضع طبيعي” ثم تذكر علاقة ذالك العمل الادائي بالارتباط الملفت بين طاقاتها الجسدية التي تحاور رؤاها الفكرية لجاكيوميتي فتصفه
“إنه مثل نيزك ينبثق من مجرة أخرى حيث يتم تكثيف كل المادة الموجودة بداخلها”. نفذت هذه الفنانة تمثلات وانعكاسات تفاعلية مع تلك المنحوتات بعمل أدائي تتلقى فيه طاقة التماثيل المتجاذبة بكيميائية ذرات الجسد لتظهر في فيلم وهي تتفاعل مع منحوتات جياكوميتي الشهيرة.
دائما مايكون تلقي الإلهام بالنسبة لها من خلال الطبيعة ، وليس من النظر إلى أعمال الفنانين الآخرين متبعة فلسفة الفينج شوي أو الفنغ شوي ( Feng Shui) تلك الفلسفة الصينية اساسها يرتكز على فن التناغم مع الفضاء المحيط وتدفقات الطاقة من خلال البيئة والتصالح مع النفس ومع الطبيعة المحيطة بالإنسان وبذلك يستطيع التعايش بشكل إيجابي دون توتر حيث و الطاقة هنا هي المتولدة من الموجودات والعوامل المحيطة بالإنسان والتي تؤثر على حياة الإنسان وصحته ومزاجه وعلاقاته بالآخرين، ولكنها تتعامل مع منحوتات ، ألبرتو جياكوميتي باستثناء تام ، تلك المنحوتات التي تمثلها “روح المادة”. على الرغم من الكتل البرونزية لمنحوتات جياكوميتي الثقيلة ، الا انها تتعامل معها كمكون مخلوق طبيعي ، رغم انها تصفها ( أبراموفيتش ) بأنها غير جوهرية ، او ملموسة هزيلة منزوعة الخلايا “اختفاء اللحم”. إنها تربط أعمالها بعمله كفنانة أداء من حيث روح الطاقة المسمونة في تماثيلة فتقول : “ان الطاقة شيء لا يمكنك لمسه … بالنسبة لي هذا النوع من الطاقة يخرج من تلك التماثيل بلا حاجز ” ، وتردف ايضا أبراموفيتش. سبب آخر لاكتشاف تلك المنحوتات مثل “الرجل الماشي ” والكلب والمرأة الواقفة هي منحوتات هزيلة هشة نعم لكنها ذات صلة بالطاقة المنبعثة منها تلك الطاقة ” قوية للغاية ” متجددة وبشكل مستمر لتواكب اي حركة فنية تأتي وتذهب”.، ان معظم اعمال هذه الفنانة هي اعمال تعنى بحدود الجسد، وإمكانيات العقل.والفكر الإنساني ، فمنذ ان بدأت ماريا عملها كفنان أداء في أوائل السبعينيات وليومنا هذا ، والتي تعتبر واحدة من أهم الفنانين في هذا المجال.
أعمال الفنان السويسري ألبرتو جياكوميتي (1901-1966) الموضحة في الفيديو هي: Venice Woman VIII (1956) و
“Standing Woman IV” (1960) و ”
Walking Man” (1960) بالإضافة إلى مجموعة مختارة من التماثيل الصغيرة
كل ذلك كان من مجموعة متحف لويزيانا للفن الحديث.
أجرى كريستيان لوند مقابلة مع مارينا أبراموفيتش في متحف لويزيانا للفن الحديث ، الدنمارك ، في مارس 2017.
التصوير كان بعدسة الفنان : ماتياس نيهولم ، سيمون وايهي
الإخراج : كلاوس المير
إنتاج: كريستيان لوند