نَص الصورة || لونُ الموت
عبدالهادي سعدون
لمن تتضرعين أيتها المكللة بالسواد؟ للجسد المسجى وقد راح إلى عالمه الآخر، أم إلى الأحمر الذي يحيطك من كل الجهات. ما ظننته أسوداً وحالكاً ودامساً كليل بلا وجهة ولا دليل، يتبعك في خطواتك الحافية، يبرق على الأسفلت (تحت الشمس نفسها منذ قرون وماتزال) وفوق الرداء المغبر وعلى السدية المتجددة كل يوم.
دائماً ما تقعين مثلي بمعضلة شبكية العينين. لا تتوهمي بالتسميات مثلي فالموت أحمر، لونه أحمر وخيوطه التي تشبكنا حمراء لا غير، وكلنا حوله سواد في سواد. اللون الأخضر وحده ما ينقصك في الصورة كي يكتمل بناء البلد في دعايته المخّرقة. لا أخضر بعد اليوم ولا صبغة بيضاء لتلوين الهم الأبدي. ليس لك غير السواد المخيم على الأيام المجحفة، وأحمرك ـ نشيدك ايتها العراقية في عويلك الذي يمتد من سومر حتى خرابات آخر المدن المقدسة. لا مدن مقدسة لك بعد الآن ولا بيوتاً آمنة ولا مساحات ابتهال تكفيك لذرف الدموع على أرواحنا المسلوبة، لم يبق لك غير الاتكاء بكل ثقل الروح مخافة انحدار الدمعة الأخيرة على فراغ اللقطة المبرمجة بفعل ضغطة زر لعدسة كاميرا وهي تسيطر على مشهد لوحة مكررة، لوحة لا تحتاج سوى إطار بحجم لوعتك كي تكتمل صنعتها.
لا شكل لك غير سواد عباءتك، يداك محنطتان، وقدماك حافيتان مثل حظك وأيام لوعتك، بينما عويلك يتقاطر كتقاطر الدم من جثة وليدك على السدية بتناغم يرافق نشيجك ويمتزج معه في خيط يتطاول حتى بركة الدم الساخن كممثل رئيسي يعلن عن نفسه في كل رؤية. ثقب دائري لا تخطئه عين، لطخة الألم وقسوة فرشاته على رصيف حياتنا.
صورتنا الجلية تتوسط بقعة الدم، دائرية مثل الكرة، ومتسارعة مثلها، لا تتحمل خطونا ولا أحلامنا ولا رقابنا. تحصدنا في كل دورة جديدة لها ولا تبقي لنا غير ذلك الهدف الصارخ بعذاباتنا، دليلنا الوحيد على مرورنا العابر بين ثناياها.
لا أمل لك بالتضرع بعد أيتها المنكوبة؟ فالآلهة ما عادت تستقبل آهاتنا ولا شكوانا ولا دموعنا. لا آلهة لنا بعد اليوم.
شاعر وروائي عراقي مقيم في مدريد