قصيدة “الساحرةُ البيضاء” للشاعر الأمريكيّ: جيمس ويلدون جونسون James Weldon Johnson (1871-1938)

ترجمة وقراءة الشاعر الفلسطيني: يوسف حنا

آه يا أخوتي ، حاذروا! حاذروا!

 

الليلةَ ستنطلقُ الساحرةُ البيضاءُ العظيمة

لا تثقوا بقوتِكم ولا ببراعتِكم

سلامتُكم الوحيدةُ تكمنُ في الطيران؛

لأَن في نظراتِها هناك مصيدة،

ووراءَ ابتسامتِها هناك مِحنة.

أَما رأَيتم الساحرةَ البيضاءَ العظيمة؟

إذن، يا أخوتي الصغار، في الواقع

تبدون مثل أَطفالِ الحضانةِ

في بحثِكم عن عجوز شمطاءَ بأَسنانٍ مُعوَجّة؛

لكن لا، ليس كذلك؛ تظهرُ الساحرةُ

بكلِّ سحرِ الشبابِ المُتوهِّج.

شفتاها حمراوان مثلُ قرنفلة

وجهُها بصفاءِ الزنابق للتوّ مولودة

عيناها مثل مياهِ المحيطِ، زرقاء،

تتحركُ برشاقةٍ ماكرةٍ وبخفّةِ الهواء،

وكلُّ شيءٍ عن رأسها، يطفو

مجدُ شَعرِها الذهبيّ بكبرياء.

بالرغم من ظهورها دوماً بهذا الشكل

بمظهرِ الشبابِ وبمزاجٍ مَرِح،

قرونٌ من السنين لا تُحصى مُلكُها،

الكواكبُ الناشئَةُ شَهِدتْ وِلادتَها؛

هي طفلُ الحياةِ النابضةِ،

الأُختُ التوأَمُ للأَرضِ الجَشِعَة.

ومن وراءِ تلك الشفاهِ المُبتسمةِ،

وفي داخلِ تلك العينين الضاحكةِ،

وتحتَ مداعبةِ يديها الناعمةِ،

وصوتُ خرخرةِ تنهُّداتِها،

ظِلُّ النمرِ المُتربصِ،

وتكمُنُ روحُ مصّاصِ الدماء.

لأنّي رأَيتُ الساحرةَ البيضاءَ العظيمةَ،

وقادتني إِلى مخبأها،

وقد قبَّلْتُ شفتيها الحمراءَ المُحمرَّة

ووجهَها القاسي الأَبيضَ الصافي؛

لفَّتْ ذراعيها حولي

وقيدتْني بشعرِها الأَصفر.

شعرتُ بتلك الشفاهِ الحارقةِ تلفحُني

باتَ جسدي مثل الجمرِ الحيّ؛

مُطيعاً لبأْسِ تلك العيون وجبروتها

كما تنجذبُ نحوَ القطبِ البوصلة

دون اهتمامٍ رغم أَني شعرتُ

بانحسار القوةِ من روحي.

أوه! لقد شاهدتْ أَطرافَكَ الشابةَ القوية،

وسمعتْ ضحكاتِك المتهدجةَ العالية،

وبحثتْ في أَصواتِك

عن صدى يومٍ بعيدٍ،

يومَ كانَ الإِنسانُ أَقربَ إلى الأَرض،

وَوَسَمَتْكَ لتكونَ فريستَها.

إنها تشعرُ بقوةِ “أنتياس”(1) القديمة

فيكَ، الإيقاع الديناميكي العظيم

للشغفِ والعواطفِ البدائيَّة

وترى فيكَ الملاذَ الأَخيرَ المحاصرَ

بالحبِّ دون شفقة، الشرسِ، المُفعمِ بالحيويّة،

الحب المُنتشِ بالأَلم، الحلو القاسي.

آه، يا أخوتي، احذروا! احذروا!

الليلةَ ستنطلقُ الساحرةُ البيضاءُ العظيمة

آه، يا أخوتي الصغار، كونوا على حذر!

لا تنظروا إلى جمالها البرّاق؛

لأَن في نظراتِها هناك مصيدة،

ومن وراءِ ابتسامتِها هناك مِحنة.

(1)أنتياس: شخصية أسطوريّة من الميثولوجيا اليونانية، وهو العملاق ابن الإله بوسيدون من زوجته جايا.

قراءة لقصيدة “الساحرة البيضاء”

قد تبدو للوهلة الأولى أن قصيدة جيمس ويلدون جونسون “الساحرة البيضاء” (1915) تدور حول تجربة حب شخصية غير سعيدة لمؤلف وصف من خلال صورة لساحرة خارقة ومغرية، لها قوة سحرية على الرجال. ومع ذلك، فإن القصيدة هي أكثر بكثير من مجرد اعتراف شعري لرجل أمريكي من أصل أفريقي في علاقته الممنوعة مع امرأة بيضاء.

الموضوع الرئيسي للقصيدة هو في الواقع معاناة الأمريكيين من أصل أفريقي من النظام العنصري في المجتمع، أوائل القرن العشرين، والعلاقات بين الأعراق.

يُحذر المؤلف “إخوته” السود من أن النساء البيض يهددن الذكورة السوداء وقد يؤدي بهم إلى سوء الحظ أو حتى الموت: “يا أخوتي الصغار، احذروا! لا تنظروا الى جمالها المشرق. لأنه “في نظراتها هناك مصيدة، ووراء ابتسامتها هناك مِحنة”. وصفَ جونسون المرأة البيضاء بأنها مخلوقة جذابة جنسيًا ومغرية، وشدد على طبيعتها الحيوانية الداخلية: “ظِلُّ النمر يتربص، روح مصاص الدماء تكمن”. ليس هناك ما يشير إلى أن المرأة في القصيدة لديها أي مشاعر عاطفية تجاه “ضحاياها”، مثل الحب والمودة. على العكس من ذلك، توصف بأنها مفترسة لا تهتم إلا بمتعتها اللحظية.

يمكن النظر إلى قصيدة “الساحرة البيضاء” على أنها دعوة للأمريكيين من أصل أفريقي للاعتزاز بهويتهم الوطنية وثقافتهم وتقاليدهم، وللحفاظ على تراثهم الفريد. إنه تحذير من خطر محتمل أن يصبحوا عبيداً، على المستوى المادي والروحي، بمجرد أن يبدأ المرء تقليد الناس في المجتمع الأبيض. يذكر المؤلف عمداً ثلاثة ألوان في مظهر الساحرة – الأحمر، الأبيض والأزرق، ويخلق بهذا توازياً مع العلم الوطني الأمريكي كرمز للأمة الأمريكية. وهكذا، يصف المجتمع الأمريكي بأنه مصاص دماء، يتوق إلى التضحية – الاستغلال الثقافي والاقتصادي للأمريكيين من أصل أفريقي.

بشكل عام، على الرغم من المزاج المتشائم الواضح، تحتفل القصيدة بتميُّز السود وفخر المؤلف بعرقِه الأَسود.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *