عشرُ قصائد للشاعر الفرنسيّ: مي سيزير Aimé Césaire
ترجمة: نجيب مبارك
1▪شمسٌ وماء
مياهي لا تَسمَع
مياهي تُغنّي مثل سِرّ
مياهي لا تغنّي
مياهي تفرح مثل سرّ
مياهي تعمل
وعبر القصب تبتهج
حتّى بحليبِ الضّحك
مياهي طفلٌ صغير
مياهي عملاقٌ يضمّكَ إلى صدره، أسدٌ
أيّها النّبيذ
الهائل والشاسع
بِرَيْحَانِ نظرتكَ المتواطئة والباذخة.
***
2▪حنين ليليّ
أيّتها المتسكّعةُ
بخطواتِ نَدبةٍ صغيرة لم تلتئم بعد
بوقفاتِ عصفورٍ صغيرة
عصفورٍ قلقٍ على ظهر الدرباني
أنتِ ليلٌ جافّ ومتكسّر
بانزلاقاتِ مركبٍ صغيرة
بهزّاتِ زورقٍ صغيرة
تحت جَرِّيَ الأسودِ
بخطواتِ قطرةِ حليبٍ صغيرة
أنتِ حقيبةُ لصٍّ في قبو ارتداد الأمواج
لصُّ الطفلِ
بمصباحِ مستنقعٍ صغير
هكذا كلَّ ليلة، كلّ ليلة
على ضفاف أسيني، على صفاف أسيني
التيّار يجرف الخُلاصة
دائماً
بعنفٍ شديد.
***
3▪أغنية بلوز عن المطر
هطولُ المطر
عازفُ الموسيقى الجميل
عند سفح شجرةٍ عارية
بين التناغمات المفقودة
قريباً من ذكرياتنا المنسيّة
بين أيدينا المهزومة
وشعوبِ قوّةٍ غريبة
تركنا عيوننا معلَّقةً
ومنذ الولادة
نفكُّ قيودَ الألم
ونبكي.
***
4▪أنياب
ليست بودرة الصّباغة
أو شجرة المرّ
ليست رائحةً متأمِّلة أو ابتهاجاً
لكنّها زهرةُ الدم على زهرة الجلد
خريطةُ الدم على خريطة الجلد
بسرعةٍ وبعرَقٍ على الجلد
ليست شجرةً مقطوعة بسيفٍ أبيض
لكنّها دم يصعد من شجرة الجسد
عبر شقوق وجرائم
ولا شيء يُعاد خلقُه
في الوقت المناسب على طول الأحجار
في الوقت المناسب على طول عِظام
ثِقل النحاس وحديدِ القلوب وسُموم القوافل
في عضّةِ صفٍّ
من الأنياب الفاترة.
***
5▪لا يقبل القسمة
ضدّ كلّ ما يزن وزنَ الجذام
ضد لعنة الشرّ
سلاحنا لا يمكن أن يكون
سوى كومة مشتعلة في الظهيرة
حتّى الموت
في أيّ منطقة
ما يزال بؤبؤ الجريمة سميكاً
التّهريب
أنتم تحملون الإلهَ بشكلٍ خاطئ
وهو يهرب منكم دائماً
إلهي، دخانكَ جوعي
وعيدُك حرّيتي.
***
6▪بياضٌ لملءِ خريطةِ اللّقاح المسافر
لم يكن هناك في الصحراء
سوى قطرة ماءٍ واحدة تحلم بصوتٍ خفيض،
لم يكن هناك في الصحراء
سوى بذرةٍ طائرة تحلم بصوتٍ عال،
وهكذا كان
صدأُ الأسلحة، صدعُ الأحجار، كتلةٌ من الظلمات
صحراءُ، يا صحراء، أقبلُ منك هذا التحدّي
هذا البياضَ لملءِ خريطةِ اللّقاح المسافر.
***
7▪العجَلة
العجلة هي الاختراع البشري الأجمل والوحيد
هناك شمسٌ تدور
وهناك أرضٌ تدور
وهناك وجهك الذي يدور حول مِرْوَد عنقك
عندما تبكين
لكنّ دقائقكِ لن تدفعك للدّوران حول بَكرة الحياة
فالدّم ملفوفٌ
وفنّ المعاناة مشحوذٌ بسكاكين الشتاء
مثل جذوع شجرة
والظّبيةُ ثمِلةٌ لأنّها لم تشرب
وقد وضعني على الحافة اللّامتوقعة
لوجهكِ الأشبهِ بمَركبٍ محطَّم
وجهكِ
مثل قريةٍ نائمة في قاعِ بحيرة
تولدُ من جديد في يومِ العشب
وعامِ البَذرة.
***
8▪في الحقيقة…
الحجر الّذي ينهار على التلال
والصحراء الّتي تمزج القمح بالنهار
والنّهار الذي يتهجّى بالعصافير
المحكومَ عليه والعبدَ والرّهان
والقوامَ المزدهر والمتناغم
واللّيل المخصَّب ونهاية الجوع
هو بصقٌ على الوجه
وهذه الحكاية الّتي أخطو فيها بشكلٍ أفضل
خلال النهار
اللّيلُ المشتعل واللّيل مطلقُ السّراح والحلمُ القسريّ
والنّار الّتي أصلُها ماءً تمنحنا
الأفقَ الفظيعَ من جديد
وطبعاً، سيفتح البابَ طفلٌ ما…
***
9▪طبلة إفريقية I
حتى نهرِ دماء الأرض
حتى دماءِ الشّمس المكسورة
حتى دماء المسامير المئة للشمس
حتى دماء الرّماد والملح والدّم
الحبُّ حتّى الدماءِ المحروقةِ
لطائر النّار
يا طيور البَلَشون، يا صقور
اصعدِي واحترقي.
***
10▪طيور
هكذا يذهب المنفى إلى مِذودِ الأجرام السماوية
حاملاً معه حبوباً خرقاءَ للطّيور المولودة من الزّمن
طيورٌ لا تنام أبداً، أبداً
في المساحات الخِصبة للطفولةِ المضطربة.
…………………………………
(*)إيمي سيزير (Aimé Césaire) شاعر وكاتب وسياسي فرنسي من جزيرة المارتينيك. ولد يوم 26 يونيو 1913 في “باس بوانت” وتوفي يوم 17 أبريل 2008 في “فور دو فرانس”. يعتبر أحد أبرز وجوه تيار “الزنوجة” الأدبيّ في الشعر الفرنكوفوني ورمزاً من رموز الحركة المناهضة للاستعمار.