تجليات الظل بعدسة أندرياس هيومان

رؤيا سعد

أول شيء وجدته هو أن ما تنسخه الصورة الفوتوغرافية إلى ما لا نهاية لم يحدث سوى مرة واحدة: إنها تكرر ميكانيكيا ما لا يمكن أن يتكرر وجوديا، في الصورة لا يعبر الحدث مطلقا نحو شيء آخر: تعيد الصورة دائما الجزء الذي أحتاجه للكل الذي أراه، الصورة هي الخاص المطلق، والعرض الأسمى، باهتة وبشكل ما ساذجة، كما لا توجد صورة دون شيء ما أو شخص ما”. وتجر هذه الحتمية الأخيرة إلى الفوضى العارمة للأشياء، كما تدعو إلى التساؤل مجددا “لماذا نصور هذا الموضوع في تلك اللحظة، دون غيرها؟”

رولان بارت الغرفة المضيئة .
كان المصور أندرياس هيومان (1946-2017) وهو رسّام في الأصل وممن يراهنون على التقاط اللحظة الحاسمة و يراهن على لعبة صعبة الا وهي التباين الضوئي وبين المنظور ونقاط التلاشي ، ولد هيومان في ميونيخ وترعرع في سويسرا وقام بالعمل وهو صغير حيث لم يكمل تعليمه الابتدائي لكنه بدا في تدريب ذاته لدراسة صناعة الكتل والتشكيل استمر لمدة أربع سنوات في تلك التدريبات مما منحه فرصة لمعرفة قيمة اللون مما انعكس على اعماله المبكرة بالنضج والتميز و على الرغم من أنه كان يرغب دائمًا في الرسم وكان لديه طموح للذهاب إلى فلورنسا للدراسة ، لكن انجذابه للتصوير الفوتوغرافي كان الأقرب في استغلاله لخياله منذ البدء وقاده ذلك إلى لندن وأيضا عبر فترات قصيرة في باريس ونيويورك قضاها في التقاط لحظاته المميزة تاثر كثيرا بتجارب المصورين المخضرمين أمثال ألفريد ستيغليتز وأفيدون وأندريه كيرتيز وويستون وإدوارد ستيتشن وهنري كارتييه بريسون

عند وصوله إلى لندن ، بدأ في تصوير تقارير لبعض مجلات الأزياء
مثل Stern و Vogue و Twen و Harper’s Magazine وغيرها الكثير. عندها لفت انتباه بعض شركات الإعلان والتي اولته بالقيام بصناعة الإعلانات ومنذ ذلك الحين عمل على أكثر من ١١٢ حملة إعلانية ، محلية ودولية. اكتشف في الإعلان امكانياته وطاقاته الكامنة في التصوير ، وساعد ذلك في جعل اسمه واحد من اكثر المصورين إنتاجًا ونجاحًا في هذه الصناعة – وقد فاز من خلال أسلوبه الفني على أكثر من مائة جائزة. تعتمد اعماله الفوتوغرافية البعيدة عن الاعلانات والازياء على الصورة المنظورية ونقطة التلاشي فبها يعتمد على التباين الاحادي لإبراز الضوء والظل تلك اللعبة التي راهن عليها كثيرا من خلال استغلال الظل في الفراغ واحيانا لا يتقيد بالأبعاد المرئية أو بالمنظور
كل التقاطة له تعتبر عمل فني فريد ، ليؤكد بذلك على استغلاله للخبرة في الجانب الفني للتصوير الفوتوغرافي. تم التعامل مع النتائج النهائية بشكل لافت ، وقد كشفت عن شعور حساس للوسط. ولكن ، كما قال هيومان خلال مقابلة في “تقنيات ماسترز” (سلسلة تلفزيونية فضائية عالمية ، برعاية كوداك )
الصورة السيئة ستكون دائمًا صورة سيئة ، ولا توجد تقنية ستطورها أو تجملها. فليس الأسلوب أو التقنية هي من تصنع الصورة. بل الفكرة وطرق التجربة في الحياة ، فحواسنا السبعة ، هي من تترجمها إلى صورة. التقنية ليست سوى أداة لتعزيز الفكر “. تم وصف أندرياس هيومان بأنه “واحد من أعظم المصورين الطبيعيين في عصرنا وبالتأكيد أحد أكثر المؤثرين”. إنه معروف بالفعل في صناعة الإعلان من خلال آلاف الحملات التي تتراوح من صور أريستوك المثيرة ؛ والتي اعتمد في جميع التقاطاته على ترتيب عناصرالصورة التي اضحى فيها تأثير مهم وفعال على المتلقي. والذي حقق فيها إبداعاته في التوازن و الالوان والاضاءة مع توزيعه الدقيق لعناصر الأشياء والموجودات والأشخاص داخل اطر الصورة الواحدة والتركيز على تركيب العناصر البصرية بطريقة لافته بلاشك ان الفنان عليه ان يحرص في نيل ذات طابع مختلف ومنظور ابداعي في نتاجاته وذلك باعتماده على وضعية الزوايا للكاميرا حين التقاطها مع الاعتناء في اظهار التباين في الضوء لاضافة ابعاد لتلك اللقطات من خلال الاختلاف بين مناطق الضوء الشاحب ومناطق العتمة باقصى درجاتها في العمل الواحد. والتعامل مع هذا العنصر بمهارة ساعده في الحصول على عمق افضل او على صورة بجودة ثلاثية الابعاد وهذه واحدة من اكبر التحديات امام المصور.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *