الرواية والسينما ..هل ستنقلب المعادلة
أشواق جواد
ان في الصحافة أو في الأحاديث التي تعقب مشاهدة فيلم مقتبس من عمل روائي ،ثمة من ينتقد المخرج على تحريفه لجوهر الرواية،أو مضمونها أو سياق أحداثها،وهو نقد ينطلق من تصور لمفهوم الاقتباس يلزمه بالتطابق، في حين أن الهدف الأساس من الاقتباس، ان في العلاقة بين السينما والرواية أو بين شكلين فنيين آخرين هو خلق عمل جمالي مستقل عبر تحوير أو تغيير أو اعادة صوغ العمل الملهم.
نعلم جميعا ان لكل من الرواية والفيلم اسلوبهما الخاص بهما والاقتباس في جوهره هو الاستلهام وليس الترجمة، ففيما يعتمد النص الأدبي على الكلمات لنقل المعلومات والأفكار والانطباعات والمشاعر، تسلك السينما أسلوبا مختلفا يعتمد حركة الكاميرا وتوجيه الممثلين وزاوية النظر والمونتاج، في موازاة محور القصة أو الحكاية المعاد تخيلها والمقتبسة من النص الأدبي .
يستطيع الراوي أن يدخل مباشرة في حياة شخوص عمله، بل أنه يفد الى أذهانهم ويمنحنا إمكانية التعرف إلى مواقفه من أفكارهم ومشاعرهم، عبر هذه التقنية يمكننا أن نميّز الشخصيات السلبية من الايجابية، فيما تعجز السينما عن الولوج إلى أعماق الشخصيات..يصعب أن نتحقق من سلوك وأقوال شخوص الفيلم،من هنا يمكننا ان نثق بالراوي في العمل الأدبي ،أما السينما فيصعب عليها غور أعماق الشخوص..هذا في منظور المقارنة بين النص الأدبي والسينما، ولكن العلاقة ستزداد تعقيدا مع الاقتباس، فثمة من النقاد من رأى ان السينما تعطّل المخيال الذي يفعّله النص، وثمة القائلون بأن السينما قادرة
عبر المواهب الكبرى بخلق مشاهد تثري المخيال باستلهام وصف عابر في رواية ما، وفي هذا النقطة يبرز التحدي جليا،ليس في منافسة السينما على خلق معادل سردي للأدب،بل في خلق أفق بكر للمرئي يثري المخيلة بما لم يتوصل اليه السرد.
في المعادلة ذاتها تحضر الاسبقية التاريخية للنص الأدبي، أسبقية طرحت اسئلة جارحة ومحرجة على استقلالية الفن السابع ، اشكالية يعتقد بعض النقاد أنها ستفقد صدقيتها،ان رسخت السينما قدرتها على خلق أفلام متعددة التأويل،لايتم قراءتها عبر النقد الكلاسيكي وانما عبر جنس أدبي جديد يقدم قراءات للفضاء الرصاصي في الفيلم واجابات لم تحسم ذات صلة بمواقف ودوافع شخوص الفيلم، نستشهد هنا بأفلام ثلاثة شجرة الحياة للأميركي تيرينس مالك وحب للمخرج النمساوي مايكل هانيكيه وفيلم
“انفصال نادر عن سيمين” للايراني أصغر فرهادي،أفلام تنشّط المخيلة ان باسئلة ميتافيزيقية أو اسئلة ذات صلة بدوافع السلوك الانساني تجاه الآخر،وهي بذلك تضاهي روائع السرد الادبي.
ان تأثير السينما على الرواية لايندرج في الافتراض المحض ،يكفي أن نراجع الفصل المعنون “في الدفاع عن السينما المختلطة” من كتاب “ماهي السينما؟” للناقد الفرنسي الشهير آندريه بازن (1918-1958) لنتأكد من التأثير الكبير الذي تركته السينما على الرواية الأميركية في النصف الأول من القرن العشرين، واذا كانت أدلة بازن تعود الى السينما في العقود الخمس الأولى من حياتها،فلاشك في أن تجاوزها خمسة عقود أخرى حافلة بالتطورات الصناعية والتقنية العظمى يجعلها مؤهلة أكثر لإلهام أبائها الشرعيين من رواية ومسرح وفنون أخرى.