مرايا سعيد الباز
مرايا سعيد الباز
هناك أفلام كثيرة شكّلت و عينا السينمائي تفاوتت بحسب مدى ارتباطنا بهذا الفنّ… في البداية لفت نظري شارلي شابلن خاصة فيلم le kid و أبعدت عن نفسي الصورة الشائعة عنه كوميديا ذي مقالب مثيرة للضحك انطلاقا من اكتشافي للرسالة الإنسانية العميقة لهذا الفيلم. التشويق المبهر لهيتشكوك الذي يحبس الأنفاس، ثمّ كان لي الحظ في المرحلة الثانوية في الولوج إلى نادي سينمائي ” نادي 2000 ” هنا في أكادير و بنصيحة من منشطه الشهير ” محمد بزيكا ” الذي أشار على والدي بحكم الصداقة التي تجمعهما بالسماح لي بذلك في سنّ مبكّرة. لاأستطيع أن أصف كم كان ذلك مهيبا بالنسبة لي أن أقف بباب سينما ريالطو فتى غضّا أساعد في تنظيم دخول رواد النادي و تسليمهم البطاقة التقنية للفيلم، و بعد العرض أتابع المناقشة، وكنت أزداد يوما بعد يوم فهما للسينما، و مفرداتها المركّبة. إنّها اللغة السينمائية المختلفة عن اللغة المعتادة، و لقراءة الفيلم ينبغي ضبط هذه المفردات و الإلمام بها. من المهم التذكير بأن الأندية السينمائية كانت تعتمد على الأفلام الممنوحة من سفارات البلدان الشرقية الإشتراكية أيامها ” اتحاد السوفياتي، بولونيا، ألمانيا الشرقية…” و هي تجارب سينمائية مؤسسة للفنّ السينمائي و لها فرادتها على مستوى الابداع السينمائي رغم طبعها الدعائي أحيانا. و الأهمّ في ذلك، هو الأسابيع السينمائية مثل أسبوع الفيلم الأمريكي اللاتيني أو ما يسمّى ” سينما نوفو ” في البرازيل و الكسيك و الشيلي. لقد كان ذلك بالنسبة لي مقدمة مناسبة للتعرّف على الأدب و الرواية الأمريكية اللاتينية. و فضلا عن الأسابيع السينمائية كان هوسنا أيّامها السينما الفرنسية الجديدة بجرأتها الفنية و ثورتها على القوالب اجاهزة و الكلاسيكية في الفنّ السينمائية و ارتباطها الوثيق بالأدب. إذا كان لي أن أحدّد فيلما بعينه أوفيلمين فسيكون إمّا فيلم ” المكتري ” لبولانسكي، أو فيلم قصير في الثلاثينات لم أعد أذكر لخيبتي مخرجه تحت عنوان ” المعطف ” ينتمي للسينما الطليعية الألمانية الذي سيعود المخرج الألماني الكبير فاسبندر إلى الاستلهام منها.
***
نصوصي الشعرية مشهدية أي هي في الغالب صور مرئية لكنها تتصاعد لتبلغ حدّا تجريديا. إنّه نفس الإيقاع السينمائي تقريبا…. مثل نص ” الجلوس إلى فوكوياما ” الذي تحضر فيه صورة البطل العائد إلى البيت بكيس برتقال و قميص ممزق الأزرار.. إنّها الصورة الصادمة في فيلم ” المعطف ” … و هناك مقاطع في الكثير من نصوصي قد تستحضر بعي أو بدون وعي مشاهد سينمائية مؤثرة… زيادة على تقنية التقطيع السينمائية، و توظيف الحركة… و هو تجاور إيجابي بين السينما و الشعر، ففي السينما الكثير من الشعر.
***
كانت القاعات السينمائية تشكّل مركزا مهما في المجال الحضري، وهي في الغالب بنايات تتميّز بمعمارها الفريد. لذلك كانت تمثّل قمّة الإغراء قبل الدخول إلى عوالمها السحرية. التحولّات الحالية جعلت هذه القاعات عرضة للنسيان و الإهمال، و بعضها الآن في وضع كارثي و مخجل يخدش ذاكرتنا الفنية و الثقافية، بعضها عبارة عن مزابل أو مطرح نفايات أو يأوي إليها المشردون. هذا حال سينما السلام بأكادير، تحفة معمارية فريدة تكالبت عليها أطماع المضاربين العقاريين من أجل تحويلها إلى مركبات من العمارات، و قد كانت فيما مضى من رموز المدينة، بل إنّها صمدت أمام الزلزال سنة1960 ، لكنّها الآن عاجزة عن حماية نفسها و مواجهة أطماع المتنفذين العقاريين الذين يسعون إلى هدمها و محو واحدة من معالم المدينة قبل الزلزال على قلّتها…إنّ لهذه القاعة السينمائية فضل في إنقاذ روادها ليلة الزلزال، هؤلاء الساهرين في ليلة فبرارية رمضانية يتابعون الفيلم في بدايته جعلتهم ضربة الزلزال العنيفة و انقطاع التيار الكهربائي يكتشفون حجم الدمار و أنّ المدينة قد تهدمت فوق رؤوس ساكنتها، و أنّ الجسم الإسمنتي للقاعة السينمائية الدائري، كما لو كان يحضنهم مثل أمّ رؤوم قد وقاهم من الزلزال وويلاته الفظيعة. كان على الأقلّ ردّ الاعتبار لسينما السلام على موقفها الإنساني النبيل. الأندية السينمائية و الإشعاع الثقافي: عرف المغرب ثقافيا تجربة النوادي السينيمائية التي كانت مدرسة فنّية بامتياز أسهمت في خلق العديد من السينيمائيين النقاد و المثقفين عموما، لقد ارتبطت هذه الأندية باليسار، لذلك تعرّضت بدورها إلى صراعات كانت في غالبيتها صراعات سياسية، و بتراجع اليسار انحسر دورها و أصبح في شبه المعدوم الآن. الأهمّ ما فيها أنّها قد خلقت وعيا سينمائيا لدى قطاع هام من جيل الشباب، قد يفسر ما تعيشه السينما المغربية حاليا من حركية ملحوظة. كنت منخرطا في النادي السينمائي 2000 سنوات الثمانينات بأكادير قبل أن تكون هنا جامعة أو مراكزللتنشيط الثقافي، في سنوات التسعينات ولد نادي المشهد السينمائي الذي ابتكر وسائل جديدة في العمل واكب فيها الأفلام التي كانت علامة لهذه المرحلة باستضافة المخرجين من أجل تقديم أعمالهم ” سعد الشرايبي، حسن بنجلون و غيرهم ” كنت مكلّفا باللجنة الثقافية، إعداد البطاقات التقنية، التقديم و مناقشة العروض… من المؤكد أنّ الكثيرين ما زالوا يذكرون هذه التجربة التي قامت على تضحيات أصدقاء مشاركين أذكر من بينهم حصرا: الصديق عمر حلّي، و عبد الرحمان شكير رحمه الله، و سعيد مطيع……….
شاعر مغربي *