البُوتْ، الثورة في مسرحية

للكاتب السوداني: عادل سعد يوسف

“البُوتْ”

الثورة في مسرحية

عنفوان فؤاد

عنْ مَرْكَزِ عَايدَابي لفنون المَسْرحِ -السودان، صدر مؤخرًا للقاصّ والشاعر، الروائي والكاتب المسرحي عادل سعد مجموعة مسرحية بعنوان: “البُوتْ”، تضمّ هذه المجموعة ثلاث مسرحيات سياسية، (حِكَايَةُ يوْمٍ مِنْ أعْوامِ الظَّلامِ)، (الغُرَابُ)، (البُوت). النصوص الثلاثة وليدة أفكار سياسية ناتجة عن هاجس ظلّ يردّده المسرح السوداني عبر تاريخه الممتدّ في القدم.

تعتبر مجموعته المسرحية، (البُوتْ) ومَسْرحِيَّاتٌ أخْرَى، كِتَابه الثَّاني عَشرَ. في هذه المجموعة المسرحية يحاول الكاتب “عادل سعد يوسف محمد” مقاربة مواقف مختلفة لكنها تصبّ في خانة المسرح السياسي الملتزم بإرادة التغيير لدى الشعوب ومقاومتها للسلطة السياسية.

تضم المجموعة ثلاث مسرحيات:

▪︎مسرحية (حكاية يوم من أعوام الظلام)، مسرحية اجتماعية سياسية من فصل واحد، تدور أحداثها الدرامية في مكان واحد، هو ورشة الحداد (اسمث)، الذي يجسِّد واقع الطبقة العاملة المكافحة من أجل حياة كريمة باحثة عن وطن مصادر، وهو على درجة عالية من الثقافة يناهض النظام الشمولي ويدعو لمحاربته بكافة السبل، ويقدم دعوات تحريضية سرّية تُبث للعلن، فاضحاً فيها سياساته و مستهدفاً سقوطه.
تقدّم المسرحية خلال الحوار الدرامي بين الشخصيتين حكايات كثيرة عن الاعتقالات والتعذيب والقتل، ثم سرعان ما يتغير الفعل الدرامي ويكشف عن حياة الجوعى والمتسولين، والمتشردين الذين يملأون شوارع المدينة وهم إحدى الفئات الاجتماعية المهمشة التي يهتم بها (اسمث) في مسيرته النضالية. ينساب الحوار بين الشخصيتين داخل الورشة ويدلي (كالوا) بإفادات لصديقه عن رغد العيش وهناء الحاشية و التابعين للنظام، حتى يغير أفكار صاحبه، وفيما يظل هو عينًا مراقبة للنظام. يرفض (اسمث) هذا الإغراء لأنه هدفه كما يقول: نحن لا نقرأ لنفهم العالم فحسب، وإنما لامتلاك وجهات نظر لتغييره.

▪︎المسرحية الثانية، هي مسرحية (الغراب) تطرح أفكارًا سياسية بمستوى رمزي، جاءت في خمس لوحات تتحاور فيها الشخصيات مع الغراب حوارًا واقعيًا اجتماعيًّا وسياسيًّا.
ارتكزت عناصر البناء الدرامي في المسرحية على توجيه النقد للسلطة الباطشة، تجزّأت مكوّناتها داخل متن المسرحية إلى فئتين، فئة لشخصيات كفيفة ترمز للسلطة والتي لا تتمتع ببصيرة لحلِّ المعضلات الحياتية، أو هي غافلة عن واقع الإنسان، وفئة كفيفة أخرى تدرك ما يحيط بها من مشاكل في ذات الوقت تكون قادرة على توجيه النقد وإرشاد السلطة الحاكمة. أما مدلول الغراب فهو مكمّل للفئة الكفيفة المبصرة وداعماً لرؤيتها في نقد السلطة، والسعي لحلول جذرية تخرج أوهام النخب السياسية إلى برِّ الأمان.

▪︎المسرحية الثالثة، هي مسرحية (البوت)، وهي مسرحية سياسية من أربعة مشاهد تتغير أحداثها حسب ما تقتضيها مراحل التاريخ السيا سي.
يبتكر الكاتب أسلوباً درامياً مخالفاً لأسلوب المسرحيتين السابقتين؛ فنجده في البوتْ يوظّف تقنية البرامج الإذاعية في تقديم عرض تاريخي و توثيقي للانقلابات العسكرية في السودان بدءاً من انقلاب إسماعيل كبيدة عام 1957م حتى انقلاب البرهان 25 أكتوبر 2022م.
تقدّم المسرحية بانوراما عامة للانقلابات العسكرية في السودان وإعاقتها لبناء الدولة الوطنية، وتكشف مآربها وعبثيتها وفسادها وممارساتها الوحشية تجاه شعبها. تمتدّ المشاهد الدموية في عرض المزيد من الانتهاكات لحقوق الشعب السوداني بالوقوق على مجزرة القيادة العامة.

نال الكاتب المسرحي عادل سعد يوسف:
– الجائزة الثانية للتأليف المسرحي في مهرجان المسرح التجريبي بالخرطوم 1996م.
– جائزة تأليف النص المسرحي مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي عن مسرحية الفاجعة. 2020م.

مقطع من (حِكَايَةُ يَوْمٍ مِنْ أعْوَامِ الظَّلامِ)
كُومِيدْيَا سَوْدَاءُ مِنْ فَصْلٍ وَاحِدٍ

الحَدَّادُ: أنْتَ تَعْرِفنِي أحِبُّ الثَّرْثَرَةَ مَعَ الأصْدِقَاءِ.
كَالْوَا: أعْرِفُ ذَلِكَ.
الحَدَّادُ: بِالأمْسِ عِنْدَمَا الْتَقَيْتُهَا بِالْقُرْبِ مِنْ بَائِعِ الْخُضَارِ.. مَازَحَتْنِي قائِلَةً: أيُّهَا العَزِيزُ اسْمِثْ لَقَدْ أصْبَحْتَ بَائِسًا كَـ….هَا هَا .. (يَضْحَكُ).. ثُمَّ قَالَتْ لِي لأنَّنَا صَدِيقَانِ قَدِيمَانِ ،كَمَا تَعْرِفُ يَا صَدِيقِي كَالْوَا- قَالَتْ: ثمَّةَ مَنْ يَطْرُقُ بَابَ مَنْزِلِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ وَيَقِفُ مُتَوَسِّلًا كَيْ تَفْتَحَ لَهُ.
كَالْوَا: أمُتَأكِدٌ مِنْ ذَلِكَ؟
الحَدَّادُ: نَعَمْ، مِثْلَ هَذَا الكِيرِ الَّذِي صَنَعَهُ جَدِّي مِنْ جِلْدِ خِنْزِيرٍ بَرِّيٍّ.
كَالْوَا: ألَمْ تَقُلْ لَكَ اسْمَهُ (مُرْتَبِكًا).
الحَدَّادُ: لَسْتُ مُتَأكِدًا.
كَالْوَا: الحَمْدُ للهِ (بِصَوْتِ خَافِتٍ).. أيْنَ الْحِكَايةُ؟.
الحَدَّادُ: النَّاسُ هُنَا يَعْرِفُونَ كُلَّ شَيءٍ، خَاصَّةً مَا يَجْرِي فِي القَصْرِ، وَفِي أمَاكِنَ سِرِّيَّةٍ أخْرَى، يَعْرِفُونَ البَبَغَاوَاتِ آكِلَةً المَوْزِ.
كَالْوَا: هَذَا لا يُهِمُّنِي الآنَ، مَا يُهِمُّنِي يَا صَدِيقِي مَاذَا قَالَتْ أنْجِلِينَا؟.
الحَدَّادُ: آهَا.. أنْجِلِينَا صَاحِبَةُ المُؤَخِّرَةِ الْعَظِيمَةِ.. قَالَتْ: كَانَ هَذَا الرُّجُلُ يَخْلَعُ كُلَّ مَلابِسِهِ وَيَقِفُ عَارِيًا وَ… ، هَا هَا (يَضْحَكُ ضحَكَةً صَاخِبَةً- مُرْفَقَةً بِإئمَاءَاتٍ) ثُمَّ يَجْلِسُ أمَامَ الْبَابِ وَيَبْكِي.. يَبْكِي مِثْلَ طِفْلٍ مُنِعَ قِطْعَةً حَلْوَى.
كَالْوَا: أمُتَأكِدٌ مِنْ أنَّهَا لَمْ تَقُلْ لَكَ اسْمَهُ (مُتَوَدِّدًا)؟.
الحَدَّادُ: تفَضَّلْ.(يَمُدَّ لَهُ كَأسًا).
كَالْوَا: (يُمْسِكُ مِنْهُ الكَأسَ ويَتَجَرَّعُهَا دَفْعَةً واحِدَةً). حَاوِلْ أنْ تَتَذَكَّرَ أيُّهَا السِّكِيرُ(متودِّدًا).
الحَدَّادُ: مَنْ؟ ( صَمْتٌ .. يَتَفَرَّسُ فِي وَجْهِ كَالْوَا) ..أنْجِلِينَا صَاحِبَةُ المُؤَخِّرَةِ العَظِيمَةِ مِثْلَ كَرِشِ الجِنَرَالِ أوتْسِي.. لا أتَذَكَّرُ. (مُلَوِّحًا بِيَدَيْهِ).
كَالْوَا: عَظِيمٌ (يَشْعُرُ بالارْتِيَاحِ).
الحَدَّادُ: صَدِّقْنِي لا يُمْكِنُنِي لوْمَهَا، هِيَ امْرَأةٌ وَحِيدَةٌ، وَأنْتَ تَعْرِفُ أنَّ زَوْجَهَا المَرْحُومَ كَاتَالْوَا .. الطَّبِيبُ كَاتَالْوَا قَدْ قُتِلَ، وَجَدُوه مَشْنُوقًا عَلَى شَجَرِةِ المَاهُوقَنِي الْكَبِيرَةِ.
كَالْوَا: (يَحِسُّ بِتَوَرُّطِه لِلْمَرَّةِ الثَّانيّةِ).. عَلَيْكَ تَأجِيلُ الحِكَايَةَ .. أنَا فِي عَجَلَةٍ مِنْ أمْرِي.
الحَدَّادُ: آهَا.. اسْمَعْ تَقُولُ جدَّتِي إذَا بُدِئَتْ الحِكَايَةُ فَعَلَيْكَ بِالاسْتِمَاعِ .. جَدَّتِي السُّلْحُفَاةُ الحَكِيمَةُ ..تَعْرِفُهَا إنَّهَا بَرْمِيلٌ مِنْ الأمْثَالِ الْقَدِيمَةِ.. المَثَلُ يَا صدِيقِي هُوَ ثَمَرَةُ اللُّغَةِ الشَّعْبِيَّةِ.. خُذْ هَذَا المَثَلَ «القِرْدُ الَّذِي لا يَنْظُرُ إِلَى مُؤَخِّرَتِهِ يَسْخَرُ مِنَ القِرَدَةِ الآخَرِينَ».
كَالْوَا: سَأسْمَعُهَا فِي المَرَةِ القَادِمَةِ أيُّهَا السِّكِيرُ الوَقِحُ.

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *