مولانا جلال الدين.. بلخي أم رومي؟

ترجمة وإعداد: رشيد وحتي | المغرب

مولانا جلال الدين.. بلخي أم رومي؟
 
عَلَم من أهم أعلام الشعر العرفاني، فارسي اللسان، خرساني المنشأ، أناضولي المُقَام. إنه مولانا جلال الدين المعروف – عسفاً – بالرومي. فهل كان مولانا رومياً أم بلخياً؟
ما زالَ تسارع الأحداث في أفغانستان يلقي بظِلاله وتفاعلاته على كامِل الساحة الدولية؛ وبالانزياح قليلاً عن مسار السياسة والراهِن المحض، تحاول هذه الورقة التعريف بِعَلَمٍ من أهم — إِنْ لم يكن الأهم — أعلام الشعر العرفاني الفارسي اللسان، الخرساني المنشأ، الأناضولي المُقَام؛ والذي إن شئنا نسبته إلى الجغرافيا الحالية، لَما كانَ إلا أفغانياً: مولانا جلال الدين البلخي، المعروف أيضاً — وَعَسَفاً — بالرومي.
 
ولهذه الغاية، ربطاً للحقبةِ حيث عاش بالتاريخ والجغرافيا المعاصرَين، كان لزاماً علينا الاستطالة قليلاً بتعريفِ بلدانٍ وأعلامٍ كانت وما زالت تتردّد اليومَ في الإعلام؛ لم يتغيّر الزمانُ كثيراً، استعادَ فيه خرابُ الأميركان — مِنْ مكرِ التاريخ — خرابَ المغولِ، بتكنولوجيا أشد فتكاً وحسابات أكثر قذارةً. ربما كانت وحدة مصير الشرق أوضحَ بعودتنا إلى هذا التَّصَادِي بين ماضي وحاضر المنطقة.
 
مواضعات تخص هذه الورقة البحثية
• كل التواريخ وفقَ التقويم الميلادي.
 
• أسماء النسبة الفارسية غير معرَّفة: بلخي، بالفارسية؛ البلخي، بالعربية.
 
نقول: خُرَاسَانُ وَخُرَسَانُ.
 
• كل النصوص العجمية نقلنَاها، في ترجمة شخصية، تُنشَرُ لأول مرة ها هنا، عن الفرنسية.
 
• نعطي للصفات الْمِلِّيَّةِ، والمذهبية والعِرقية، هنا، دلالاتِها الثقافية، بعيداً عن إذكاء أية نزعة أو مشايعة/معاداة أي كيان أو طائفة.
 
• تقييمي الشخصي للترجمات التي أذكُرها في هذه الورقة، يقع تحت مسؤوليتي لوحدي، من دون موقع الميادين.
 
• مكانَ الاصطلاح العربي “تصوّف”، يفضِّل العالَم الناطق بالفارسية اصطلاح “عرفان”، لتمييزه كرؤية فلسفية لاهوتية وكرياضة روحية عن الدَّروشة والطرق الصوفية التي اختزلت فكراً ثاقباً ومتفرداً في الرهبنة، والتزهد والسماع الراقص.
 
• نَحَتْنَا في العربية كلمةَ “وَرْدِسْتَان”، مقابِل لكلمة “ڴُلِسْتَانَ” الفارسية، التي تعني: بستانَ الورد؛ فقد وجدنا أن ابتكارنا أكثرُ سلاسةً وأسهل دخولاً على التراكيب والجُمل لمُكَوِّنِهِ البسيط شكلاً، مقابلَ صعوبة اللعب بعبارة مُرَكَّبَة من كلمتين كبستان/حديقة/مَشْتَل الورد.
 
ما خراسان؟
كَثُرَ الحديث، هذه الأيام، عن تنظيم خراسان، كفرع للقاعدة، فما خراسان كرقعة جغرافية؟ وما صلتُها بمولانا؟
تشمل خراسان التاريخية: شمال غرب أفغانستان، جنوبَيْ تركمانستان وأوزبكستان، جُلَّ طادجكستان، إضافة إلى مقاطعة خرسان الحالية في إيران. ومن حواضرها الثقافية (العرفانية) الشهيرة: هيرات، نيشابور، أصفهان، همَدان، طوس (المعروفة حالياً باسم: مشهد)، مَرْو، سمرقند، بخارى، ترمذ وبلخ.
 
يُعَرِّف ياقوت الحموي خراسان في “معجم البلدان”، كما يلي: “خراسان بلاد واسعة أول حدودها مما يلي العراق آزَاذْوَارُ قصبة جوين وبيهق وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان، وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها وتشتمل على أمّهات من البلاد منها نيسابور وهراة ومرو وهي كانت قصبتها وبلخ وطالقان ونسا وأبيورد وسرخس وما يتخلّل ذلك من المدن التي من دون نهر جيحون ومن الناس من يدخل أعمال خوارزم فيها ويعد ما وراء النهر منها وليس الأمر كذلك [..] وقد اختلف في تسميتها بذلك [..] وقيل خراسم للشمس بالفارسية الدرية وأسان كأنه أصل الشيء ومكانه وقيل معناه كل سهل لأن معنى خر كل وأسان سهل [..] فأما العلم فهم فرسانه وساداته وأعيانه ومن أين لغيرهم مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومثل مسلم بن الحجّاج القشيري وأبي عيسى الترمذي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وأبي حامد الغزالي والجويني إمام الحرمين والحاكم أبي عبد الله النيسابوري وغيرهم من أهل الحديث والفقه، ومثل الأزهري والجوهري وعبد الله بن المبارك وكان يعد من أجواد الزهّاد والأدباء والفارابي صاحب ديوان الأدب والهروي وعبد القاهر الجرجاني وأبي القاسم الزمخشري هؤلاء من أهل الأدب والنظم والنثر الذين يفوت حصرهم ويعجز البليغ عن عدّهم وممن ينسب إلى خراسان عطاء الخراساني وهو عطاء بن أبي مسلم وإسم أبي مسلم ميسرة، ويقال عبد الله بن أيوب أبو ذؤيب، ويقال أبو عثمان ويقال أبو محمد ويقال أبو صالح من أهل سمرقند، ويقال من أهل بلخ مولى المهلب بن أبي صفرة الأزدي سكن الشام وروى عن إبن عمر وإبن عباس وعبد الله بن مسعود وكعب بن عجرة ومعاذ بن جبل مرسلاً، وروى عن أنس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأبي مسلم الخولاني وعكرمة مولى إبن عباس وأبي إدريس الخولاني ونافع مولى إبن عمر وعروة بن الزبير وسعيد العقبري والزهري ونعيم بن سلامة الفلسطيني وعطاء بن أبي رباح وأبي نصرة المنذر بن مالك العبدي وجماعة يطول ذكرهم، روى عنه إبنه عثمان والضحّاك بن مزاحم الهلالي وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر والأوزاعي ومالك بن أنس ومعمر وشعبة وحماد بن سلمة وسفيان الثوري والوضين، وكثير غير هؤلاء وقال إبنه عثمان ولد أبي سنة خمسين من التاريخ قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما مات العبادلة عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص، صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي فصار فقيه أهل مكة عطاء بن أبي رباح وفقيه أهل اليمن طاووس وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير وفقيه أهل البصرة الحسن البصري وفقيه أهل الكوفة النخعي وفقيه أهل الشام مكحول وفقيه أهل خراسان عطاء الخراساني، إلا المدينة فإن الله تعالى خصّها بقرشي فكان فقيه أهل المدينة غير مدافع سعيد بن المسيب، وقال أحمد بن حنبل عطاء الخراساني ثقة وقال يعقوب بن شيبة عطاء الخراساني مشهور له فضل وعلم معروف بالفتوى والجهاد، روى عنه مالك بن أنس وكان مالك ممن ينتقي الرجال وإبن جريج وحماد بن سلمة والمشيخة وهو ثقة ثبت”.
 
ملحوظة أولى: ينبغي إقامة الفرق بين خراسان، الأوسع كرقعة جغرافية، وما أسماه العرب القدامى “ما وراء النهر”، والمقصود به نهر جيحون (أنظر الخريطة).
 
ملحوظة ثانية: أقامت في خراسان الكبرى قبائل عربية مهاجِرة كثيرة، مما لا زال يعطي المنطقة، حتى الآن، تنوعاً ديموغرافياً، إثنياً وعقائدياً، غنياً؛ ظهرت معالِمه الكبرى في الأدب العرفاني الخرساني الذي تأثر بكل روحانيات الشرق (بوذية، زرادشتية، مانوية، بابكية/خرمية، نصرانية، بوذية، هندوسية، إسلام). وللعلَّامة الفقيد هادي العلوي كتاب رائد، بعنوان: “مدارات صوفية، تراث الثورة المشاعية في الشرق”، يربط فيه، بشكل بديع، بين التصوّف الإسلامي وروحانيات الشرق الأقصى، مع التركيز خصوصاً على فلسفة التَّاو (1).
 
بَلْخُ، حاضرة عرفانية، خُرسانية أفغانية
  
يُعَرِّفُ ياقوت الحموي، في “معجم البلدان” بَلْخَ كما يلي: “مدينة مشهورة بخراسان [..] من أَجَلِّ مدن خراسان وأذكرها وأكثرها خيراً وأوسعها غلّة [..] وينسب إليها خلق كثير، منهم: محمد بن علي بن طرخان بن عبد الله بن جيّاش أبو بكر، ويقال: أبو عبد الله البلخي ثم البيكندي، سمع في دمشق وغيرها محمد بن عبد الجليل الخشني ومحمد بن الفضل وقتيبة بن سعيد ومحمد بن سليمان لوينا وهشام بن عمّار وزياد بن أيوب والحسن بن محمد الزعفراني، روى عنه أبو علي الحسن بن نصر بن منصور الطوسي وأبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الفارسي وإبنه أبو بكر عبد الله بن محمد بن علي وأبو حرب محمد بن أحمد الحافظ، وكان حافظاً للحديث حسن التصنيف، رحل إلى الشام ومصر وأكثر الكتابة في الكوفة والبصرة وبغداد، وتوفى في رجب سنة 278، والحسن بن شجاع بن رجاء أبو علي البلخي الحافظ، رحل في طلب العلم إلى الشام والعراق ومصر وحدث عن أبي مسهر ويحيى بن صالح الوحاظي وأبي صالح كاتب الليث وسعيد بن أبي مريم وعبيد الله إبن موسى، روى عنه البخاري وأبو زرعة الرازي ومحمد بن زكرياء البلخي وأحمد بن علي بن مسلم الأبّار. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: يا أبت ما الحفّاظ؟ قال: يا بنيّ شباب كانوا عندنا من أهل خراسان وقد تفرّقوا، قلت: ومن هم يا أبت؟ قال: محمد بن إسماعيل ذاك البخاري وعبيد الله بن عبد الكريم ذاك الرازي وعبد الله بن عبد الرحمن ذاك السمرقندي والحسن بن شجاع ذاك البلخي، فقلت: يا أبت من أحفظ هؤلاء؟ قال: أما أبو زرعة الرازي فأسردهم وأما محمد بن إسماعيل فأعرفهم وأما عبد الله بن عبد الرحمن فأتقنهم وأما الحسن إبن شجاع فأجمعهم للأبواب، وقال أبو عمرو البيكندي: حكيت هذا لمحمد بن عقيل البلخي فأطرى ذكر الحسن بن شجاع فقلت له: لِمَ لم يشتهر كما اشتهر هؤلاء الثلاثة؟ فقال: لأنه لم يمتّع بالعمر، ومات الحسن بن شجاع للنصف من شوّال سنة 244، وهو إبن تسع وأربعين سنة”. (2)
 
مولانا، بلخي أم رومي؟
جَلَالُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ بْنُ سُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ مُحَمَّدٍ بَهَاءِ الدِّينِ وَلَدْ بْنِ حُسَيْنٍ بْنِ أَحْمَدَ الْخَطِيبِيُّ الْبَلْخِيُّ، المعروف بِمولانا، لدى العربِ، ومِڨْلَانَا لَدَى الْفُرْسِ والتُّرك ، والمُلَقَّب أيضاً بالرُّومي.
 
لكل مكون من هذه السلسلة، التي يمتزج فيها الإسم واللقب والنسب، دلالة ومستنتَجات تعطينا صورة شبه كاملة عن واحد من أهم شخصيات العرفان الخُرَساني المنشأ، الفارسي اللسان. فـ “سلطان العلماء”، كدرجة دينية، تعني أن أباه كان مرجعاً أساسياً في تَرَاتُبِيَّةِ رجال الدين؛ أما “الْخَطِيبِيُّ”، فلأن جده الأكبر كان خطيباً لصلاة الجمعة، ويبدو أن جدَّه أيضاً مارسَ نفس المهام، وبذلك يسعنا القول إن مولانا سليل أسرة توارثت إلقاء العِظة وتشبّعت بثقافة دينية عريقة؛ أما تكرار إسم محمد، نبي الإسلام، في نفس السلسلة، فما زال إلى حد اليوم عادةً يُتَبَرَّكُ بكثرتها في الأُسَرِ؛ وبخصوص الإسم المُرَكَّب من إسم بسيط مُضَافٍ [جلال/بهاء/شمس] + إسم مُضاف إليه [الدين]، فكانت، آنَئِذٍ، ألقابًا تستند إليها أُسَرُ رجال الدين والطرق الصوفية والأُسَر الحاكِمة؛ وأخيراً، إسم النسبة المحدِّد لانتماء جغرافي، ميلادًا أو إقامةً: فـ “الْبَلْخِيُّ”، تحدِّد ميلادَه، سنة 1207، في بلخ، في أفغانستان الحالية، وهي أيضاً تعريف بأصوله وأصول أسرته؛ ولكن أشهرَ ألقابه، والذي عُرِفَ به شرقياً وغربياً، “الرُّومي”، فهو يعيِّنُ على الخريطة إقامتَه، من 1222 حتى وفاته في 1273، بما كان يُعْرَفُ، في القرن 13، ضمنَ رقعة آسيا الصغرى، وكجزء من إمبراطورية روما الشرقية [البيزنطية]، بِبلاد الروم، وبالتحديد في بلدة قونية، في أناضول تركيا الحالية.
 
يُضَافُ لكل هذا اللقبُ الذي كان يناديه به مريدوه ورواةُ أخباره: “مولانا”، فهو من التشريفات المعروفة في المدارس الدينية والطرق الصوفية، وهو تشريف حازه أبو جلال الدين قبلَه. ولكن لشهرة جلال الدين وفرادته، يكفي أن تنطق باسم “مولانا”، في العالَمين الناطقين بالفارسية والتركية/التركمانية، ليكون هو المقصود الوحيد. عطفاً عليه، أُطِلِقَ على الطريقة وفِرَقَ السَّمَاعِ الصوفي التي أنشأها إبنه وفق تعاليمه ومسلكياته: المولوية أو الدراويش المولوية (الفيديو أدناه: وصلة من وصلات فرقة صَبَا الحلبية المولوية).
 
 
ووفق التقاليد الشعرية الفارسية، لكل شاعر إسمٌ يَتَخَلَّصُ به [اشتقاقاً من خلاص القصيدة، أي من بيتها أو بَيْتَيها الأخيرين]، كتوقيع باسم مستعارٍ في ذيل النص. وقد اختار مولانا أَنْ يَتَخَلَّصَ باسم “خَامُوشْ”، ويعني بالفارسية: الصامت/المُطْفَأ، واخترنا أن نجمعَ الدلالتين في مقابِل عربي واحد: الخامِد.
 
 (Rumi)ولو أن مولانا جلال الدين الرومي اشتهر في سائر بقاع العالَم بلقب الرومي
من دون غيره، إلا أن الإيرانيين الذين يعتبرونه جزءاً أصيلاً من ثقافتهم، حَدَّ اعتبارهم “المثنوي” تفسيراً فارسياً أساسياً للقرآن، يرفضون استعمال هذا اللقب الذي يسلخه عن روح الشرق، فهو لديهم بلخي فحسب، روحاً ولساناً.
 
جلال الدين البلخي، رائد العرفان الفارسي في فرعه الأفغاني
ولو أن ميلاد مولانا وجزءاً من طفولته كانا في أفغانستان الحالية، إلا أن المرويات الأسطورية تحكي أنَّ أباه استشعرَ غزو المغول لبلخ وتخريبها في أحد مناماته، ما جعله يغادِرها، مع كامل أسرته إلى بغداد، فمكّة من أجل شعائر الحج، فحلب ودمشق من أجل التتلمذ على شيوخ الفقه والشريعة.
 
ومن ضمن المرويات الأسطورية أيضاً لقاؤه الخاطف بمحيي الدين إبن عربي في حلب، وقَبْلَ ذلك لقاؤه بفريد الدين العطار في نيشابور. وهما لقاءان يبقيان في حدود الخيال الذي يمتزج بالواقِع، في صوغ الأخبار، إذ لا يتوافر الدارسون على أي مؤشِّر أو وثيقة تاريخية لا يرقى إليها الشك، حول تحققهما. وفعلاً، في العام 1221، حسب نبوءة أو توجس والد مولانا، غزا المغول بلخ وخربوها عن آخرها. سنةً بعد ذلك، تستقر كامل الأسرة في الأناضول السلجوقي، في نواحي قونية.
 
في العام 1222 م، يمنحُ السلطان السلجوقي لوالد مولانا إِقْطَاعَةً أرضية ليشيد فوقها مدرسةً دينية، وهي ما يعرف لحد الساعة بِتَكِيَّة قونية المولوية. بوفاة الوالد عام 1231، يتسلم مولانا زمام تسيير المدرسة، وتشيع شهرته في كامل المشرق والغرب الإسلاميين، من حيث توافدت عليه جموع المريدين من أجل الانتساب إلى طريقته والتتلمذ على تعاليمه.
 
إلا أن ما غيّر كلياً مسار حياة مولانا، هو لقاؤ العام في 1244، بشمس الدين التبريزي، الذي عبر به من الاهتمام بالشريعة إلى مسلك الطريقة، من الاهتمام بأصول الفقه وتدريسها، إلى العزلة وتَعَلُّم السماع الصوفي على يده؛ وهو تغيّر أثّر كثيراً على سير المدرسة التي يرأسها، ما ولَّدَ لدى المريدين، الذين أهملهم شيخهم، غيرةً وأحقاداً على شمس، دفعت هذا الأخير إلى المغادَرة نحو سوريا عام 1246.
 
ويخلص الباحثون إلى أن لقاء مولانا وشمس لم يأت مصادفةً، بل تنفيذاً لرؤيا التبريزي: “كُنْتُ أَبْحَثُ عَنْ شَخْصٍ بِطِبَاعِي نَفْسِهَا، أُوَلِّيهِ قُطْبَانِيَّتِي، وَأُوَلِّي وَجْهِي وِجْهَتَهُ؛ فَقَدْ سَئِمْتُ نَفْسِي؛ هَلْ لَكَ أَنْ تُدْرِكَ مَا أَقُولُهُ هُنَا: سَئِمْتُ نَفْسِي؟”.(مقالات شمس، 219).
 
وفي جميع الأحوال، فإن لحظة الفراق هذه ولوعتَها، هما ما سيجعل من مولانا شاعراً بقوة الواقِع وفِعلِ الهُجْرَانِ، فإذا كان “اَلْبُعْدُ حِجَابٌ”. (مقالات شمس، 622)، فقد كان بالنسبة للبلخي كشفاً شعرياً صوفياً وخلوات فردية من السماع الصوفي، الذي كان عنصراً أساسياً رفد به شمس المدرسة المولوية.
 
سيتم تجميع غزليات البلخي، في الحب الإلهي وحب شمس، من طرف مريديه في ما صار يسمى بـ “كُلِّيَّات شمس التبريزي”، ولهذه التسمية مغزيان:
 
أ. اعتبار مولانا الديوانَ كلاماً للتبريزي بلسانه، كأن شمس تجلٍّ ناسوتي للاهوت
 
ب. اعتبار مولانا للتبريزي ملهِماً أساسياً لمجمل غزلياتِه، بحيث حَقَّ أن يكون مؤلِّفَها، لا مُلْهِمَهَا فقط.
 
بعد اختفاء لمدة سنة ونيف، يعود التبريزي إلى قونية في 1247، ليتم الاحتفاء به أيما احتفاء، في استقبال غفير خلدته أكثر من منمنمة وخَبَر.
 
ويصف إبن مولانا، سلطان وَلَدْ، هذا اللقاء الثاني بين القطبين، في يومياته “كِتَابُ الْمَعَارِفِ”، كَالتالي: “وَجَلَسَ مَوْلَانَا قُرْبَ شَمْسِ. كَانَا كَشَمْسَيْنِ فِي سِمْتِ السَّمَاءِ نَفْسِهَا. وَشَرَعَ شَمْسُ فِي الْكَلَامِ: هَا هُوَ، أَخِيرًا، مُعَلِّمٌ بُعِثَ مِنْ جَدِيدٍ. بَكَلِمَاتِهِ، طَارَ الْمَجْمَعُ نَحْوَ الْحُبِّ؛ قَطَعُوا جَمِيعًا مَعَ أَنَانِيَّتِهِمْ. [..] وَهَكَذَا صَارَتِ الْأُمُورُ لِمُدَّةٍ: بِحَضْرَةِ مُلُوكِ الْعَالَمَيْنِ، كَانُوا جَمِيعًا كَالْكُؤُوسِ، وَالْمَلِكَانِ كَالْخَمْرَةِ؛ جَمِيعًا كَاللَّيْلِ، وَهُمَا كَصَبَاحَيْنِ. كَانَ الْمَلِكَانِ كَالرَّبِيعِ، وَبَاقِي الْمُلُوكِ كَمَرَجٍ خَصَّبَتْهُ النَّدَاوَةُ”.
 
وسرعانَ ما ستتجدد الغيرات والأحقاد بين مريدي مولانا وشمس، لنفس الأسباب: إهمال مدير المدرسة لطلبته واستفراد شمس به وبكل اهتماماته، ليختفي التبريزي نهائياً، بعد سنةٍ، في 1248، في ظروف أقل ما يقال عنها إنها غامضة، يذهب بعض الدارسين إلى أنها عملية اغتيال مُدَبَّرة من طرف مريدي التكية المولوية بتواطؤ من إبن مولانا، سلطان ولد.
 
إضافةً إلى ديوان مولانا الغنائي، له مُطَوَّلةٌ تعليمية من 25000 بيت: “المثنوي المعنوي”، الذي تعتبره الشعوب والأقليات الناطقة بالفارسية أهم تفاسيرها للقرآن ومَنْجَمَ تراثها الحِكَمِيِّ الشفوي والمدوَّن.
 
والبلخي الآن؟
لماذا لا يعتبر التُّرك البلخي شاعراً وطنياً لهم، رغم أنه عاش جل حياته في قونية السلجوقية؟ ربما كان الجواب عند ضحايا مذابح الأرمن في الأناضول، ذلك أن غُنُوصَ الكنيسة الأرثوذوكسية الأرمينية من روافد التجربة العرفانية لمولانا، إذ من الثابت تاريخياً أنه زار الكثير من أديرة وكنائس الأرمن في الأناضول وآسيا الصغرى، حيث تجاذب مطوَّلاً أطرافَ الحديث مع لاهوتييها في شأن ميراثهم الصوفي النصراني. فربما أوعز هذا الأمر إلى مؤرخي الآداب العثمانية والتركية بنبذ إدراج مولانا ضمن “الثقافة” العثمانية، وربما أيضاً لانغلاقها الشديد، تاريخياً، على اللسان التركي والإسلام السلطاني المستند إلى قراءة أحادية (شافعية متزمّتة) للمتن الديني وقوة عسكرية ضاربة تحسم حتى انتقال الخلافة من شخص إلى شخص بالدماء.
 
ولربما كان البلخي، برابطة اللسان، والميراث العرفاني الخرساني المشترَك، وانفتاح القومية الفارسية على أعراق عديدة ومِلَلٍ كثيرة، أسهل اندراجاً ضمن الأدب العرفاني الفارسي، رغم طول إقامته في الأناضول.
 
إِهمالٌ كبير وقصور تَرْجَمِيٌّ أكبر
ما زال العرب يجهلون الغالبية العظمى والأهم من الشق الفارسي والتركي والْأُوْرْدِي من الأدب العرفاني، بسبب ترجمات مبتسرة وأخرى جزئية، وبسبب نقص كبير في تناول بعض الأسماء؛ وحالياً بسبب الصراع الطائفي/العرقي الذي مزّق المشرق والغرب الإسلاميَّيْن، بحيث، مثلاً، وبإغراض، يتم وضع كل شعراء العرفان الإيراني ضمن خانة التشيع، ولو بحث الطائفيون في مِلَلِ ونِحَلِ كبار الشعراء الكلاسيكيين الفرس لبُهِتوا باكتشاف أن غالبيتهم سُنَّة شَوَافِع، وعلى رأسهم الشاعر الوطني لإيران، حافظ الشيرازي.
 
كأسماء، كانت الحظوة الأكبر لعمر الخيام، في رباعياته ورسائله الرياضية والفلكية، بأكثر من سبع ترجمات عربية [أحمد رامي/ الزهاوي/ الصافي النجفي/ عرار/ أحمد الصراف/ عبد الحق فاضل/ جلال زنكبادي]، كلها تقريباً كانت بصياغة شعرية قاربت روح النص الفارسي.
 
وعلى العكس من ذلك، فترجمات مولانا جلال الدين [إبراهيم الدسوقي شَتَا/ عيسى علي الكاعوب/ عبد السلام كفافي/ عاشور الطويبي/ خالد الجبيلي/ محمد عيد إبراهيم/ محمد السعيد جمال الدين/ منال اليمني عبد العزيز/ عباس زليخة/ إحسان الملائكة/ عبد العزيز الجواهري] تَعْتَرِيها، بشكل متفرق، عيوب عدم الدقة، أو الصياغة التي تنقصها اللمسة الشعرية، أو النَّظْم المتعسِّفُ، رغم أنَّ بعضها منقول عن الأصل الفارسي أو عن الترجمات الإنكليزية الجميلة لآرثر أربري ورينولد نيكلسن.
 
والغايةُ الأساس للترجمات التي ذيَّلنا بها هذه الورقة، محاولةٌ شذرية لتجاوز هذه المثالب بصوغ بعضٍ من متن مولانا صياغةً شعرية أقربَ إلى روح الأصل وتوهج اللغة.
 
معاييرنا في المنتخبات الشعرية
بعزل الصور من الغزليات والوعظيات، وتشذيب القصائد الطِّوَال، يبدو جلال الدين البلخي شاعراً سريالياً عظيماً، يقوم خياله الشعري على المفارقة والشَّطَح وجمع المتناقضات والمتباعدات.
 
لوعته بفراق شمس جعلت “هذياناته” الغنائية مليئة بالثرثرات وحشو الكلام بمحاولة تفسير الغوامض في مواضِعَ كثيرة، وهو ما تَسْتَبْشِعُهُ اللغة الشعرية الميالة للاقتضاب والإشارة الوجيزة والكناية اللطيفة، لا إلى الشرح والتفسير والاستفاضة. فالكثير من غزلياته مفككة ومفتقدة للمعمار المتين (بعكس غزليات حافظ الشيرازي، مثلاً، ذات البنيان الرصين والسبك السلس الذي لا زوائد فيه).
 
وَتُحَدِّدُ الدارسة والباحثة ليلى أنور الغزلية في ما بين 5 و15 بيتًاً غنائياً، في لغةٍ تتوسل المعجمَيْن الأيروتيكي والخمري، وتتناول في مواضيعها العشق الإلهي والرؤى العرفانية. وحدَه البلخي تقريباً خرج عن هذه القاعدة بتجاوزه الـ 15 بيتاً إلى مطولات غنائية تفوق الـ 200 بيت، فللَّوْعَة تدفقها الجارف وخروجها عن القوالب المتواضَع عليها.
 
اعتمدنا في منتخباتِنا، ها هنا، درس المخرِج والفنان الفوتوغرافي والشاعر عباس كيارستمي النقدي في صوغ المنتخبات الشعرية من كلاسيكيات التراث الفارسي، عبر تشذيب القصائد في شكل شذرات تقبض على جوهر النصوص في صورٍ وبروق ولُمَعٍ وهاجة. بعض هذه العبارات الشذرية صارت حِكَماً متداولة بين الأقوام الناطقة بالفارسية، وحتى بين الترك والتركمان. تنحصر هذه المختارات في المئة غزلية الأولى، ضمن مشروع أشمل يتجاوزها إلى كل الديوان.
 
ملحوظة أولى: لمولانا ديوان عربي شبه مجهول، إضافةً إلى المُلَمَّع، ربما أفردنا له ورقة بحثية قادمة.
 
ملحوظة ثانية: الترقيم، هنا، يحيل إلى ترتيب الغزليات في نشرة فُرُوزَانْفَرْ لِـ “كُلِّيَّاتُ مَوْلَانَا جَلَالِ الدِّينِ”، طَهْرَانْ، 2006. والتي يستند إليها كل المختصين بالدراسات المولوية، وذلك تسهيلاً لعودة الدارسين إلى النصوص في أصولها، رغم أن ترجمتَنا تستند إلى النقل عن لغة وسيطة، من خلال ترجمات فرنسية عديدة. (الفيديو أدناه: تسجيل كامل لأمسية “مولانا الرومي” في مسرح أرسكو بالاس، في بيروت 18 كانون الثاني/يناير 2019، أداء الشيخ أحمد حويلي وعزف الفنان زياد سحاب).
 
 
المنتخبات الشعرية: غزليات شمس
1. دَعِ الْقِرْطَاسَ، هَشِّمِ الْقَلَمَ؛ فَقَدْ أَتَى السَّاقِي: حَمْدًا لَهُ.
 
2. اَلْحُبُّ نِظَامُ الْكَوْنِ، وَنَحْنُ ذَرَّةٌ؛ هُوَ أُوْقْيَانُوسٌ، وَنَحْنُ قَطْرَةٌ.
 
3. حَتى إِنْ صَارَتِ الْأُوْقْيَانُوسَاتُ السَّبْعُ نَارًا، سَأَخُوضُ لُجَّتَهَا كَيْ أَرَاهُ.
 
5. بَدْرٌ فِي ثَوْبٍ طَوِيلٍ.
 
7. وَفَجْأَةً رَأَتْكَ وَرْدَةٌ، فَمَزَّقَتْ فُسْتَانَهَا وَبَدَّدَتْ حَيَاتَهَا.
 
9. سِرًّا، آتِنِي بِهَا، أَيُّهَا السَّاقِي، تِلْكَ الْكَأْسُ، بَعِيدًا عَنْ شِفَاهِ الْغُرَبَاءِ.
 
11. جَنِّنْ، أَيُّهَا الْبُلْبُلُ، بِغِنَائِكَ الشَّادِي، الزُّهْرَةَ، الْمَاثِلَةَ هَا هُنَا، جَنِّنْهَا بِأَغَانٍ تُلْهِبُ الرُّوحَ.
 
14. فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، يَفْلِقُ شَرَرٌ مِنْ نُورِ الْبَهَاءِ الْإِلَهِيِّ الْجَبَلَ؛ فَجْزْءٌ مِنْهُ يَصِيرُ خُضْرَةً، وَجُزْءٌ نَرْجِسَاتٍ، وَجُزْءٌ لُؤْلُؤَاتٍ، وَجُزْءٌ عَقِيقًا أَحْمَرَ، وَجُزْءٌ أَخِيرٌ عَنْبَرًا.
 
15. وَأَنْتَ، فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، يَسُوعُ وَمَرْيَمُ؛ السِّرُّ وَحَافِظُهُ.
 
17. وَضَعْتُ فِي السَّمَاءِ سُلَّماً، كَيْ تَرْقَى الرُّوحُ نَحْوَ الْأَعَالِي.
 
18. بِنَارِ الْقَلْبِ، عَلَى سُجَّادِ الْقَلْبِ، أَزْحَفُ فِي صَبَابَةِ الْقَلْبِ حَتَّى بَحْرِ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ.
 
22. فَلْيُكَرْدِحْ، عَلَى مَطِيَّةِ حُبِّكَ، قَلْبِي؛ فَفِي كُلِّ خُطْوَةٍ، تَمْشِي هَذِهِ الْمَطِيَّةُ أَمْيَالًا فِي مَا وَرَاءَ الرُّوحِ.
 
23. اَلْأَرْوَاحُ مَحَّارَاتٌ لِلُؤْلُؤَتِكَ، أَعْشَابٌ لِحَدِيقَتِكَ.
 
24. كَيْفَ لِشَرَكِ وَحَبِّ الْعَالَمِ أَنْ يَخْدَعَ الْعَنْقَاءَ الْجَلِيلَةَ؟
 
26. إِنْ نَظَرْتَ إِلَى مِيَاهٍ مُوْحِلَةٍ، فَلَنْ يَكُونَ بِوُسْعِكَ أَنْ تَرَى الْقَمَرَ وَلَا السَّمَاءَ.
 
27. يَا مَنْ جَلَالُهُ يُخْجِلُ الْقَمَرَ، وَحُبُّهُ يُرِيقٌ، عَنْ حَقٍّ، الدِّمَاءَ.
 
28. عِنْدَ قَدَمَيْ لَيْلَى تَارَةً، وَتَارَةً مَخْمُورٌ مَجْنُونٌ بِاللهِ.
 
29. مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَخْسَةٍ تَصْنَعُ لُؤْلُؤَةَ شَرْقٍ كَرِيمَةً، تُثِيرُ غَيْرَةَ الزُّهْرَةِ.
 
30. فَالْكَأْسُ الْعَظِيمَةُ تَمْنَحُ خِفَافَ الْقُلُوبِ حَقَّ رَشْفِهَا.
 
33. اَلنَّارُ صَائِغُ الذَّهَبِ؛ وَالنُّورُ صَائِغُ الْوَلَايَةِ.
 
33. اَلْحُبُّ قِنْدِيلُ اللَّيْلِ؛ وَالْفِرَاقُ يُحْرِقُ الْجَسَدَ.
 
35. نَحْنُ الْجَبَلُ، وَهَذَا الصَّدَى كَلِمَاتُنَا.
 
36. اُنْظُرْ، أَيَا مَلِكَ الْخَمَّارِينَ، إِلَى الظَّمْآنِ مَخْمُورًا.
 
37. أَنْتَ طَيْرُ جَبَلِ سِينَاءَ، وَأَنَا انْجَرَحْتُ بِمِنْقَارِكَ؛ أَنْتَ قَطْرَةُ الْمَاءِ، وَالْأُوْقْيَانُوسُ أَنْتَ.
 
38. أُحَرِّكُ يَدَيَّ كَأَوْرَاقِ شَجَرَةٍ، وَأَدُورُ رَاقِصًا حَوْلَ نَفْسِي كَالْقَمَرِ.
 
39. اَلْأَسَدُ لَكَ، وَالْخَمِيلَةُ لَكَ؛ وَلَكِنَّ غَزَالَ التَّتَارِ لِي.
 
41. لَا يَرَى الْمِرْآةَ إِلَّا مَنْ صَارَ بِالْمِرْآةِ شَبِيهًا.
 
42. قُمِ، كَقَمَرٍ، اللَّيْلَ؛ وَانْتَظِرِ الْفَجْرَ.
 
45. مِنْ شَفَتَيْهِ النَّاشِفَتَيْنِ يَتَفَّجَرُ نَبْعُ الخِضْرِ.
 
46. بَازُ الْقَلْبِ الْمُحَلِّقُ أَتَى بِنَفْسِهِ لِلنَّقْرِ عَلَى طَبْلَةٍ تُنَادِيهِ.
 
48. وَانْزَعْ مِنْ عُيُونِنَا النَّوْمَ، فَبِكَ يَصِيرُ اللَّيْلُ نَهَارًا.
 
50. اَللُّؤْلُؤَةُ الْخَرِيدَةُ أَصْفَى مِنْ كَوْكَبِ الْمُشْتَرِي.
 
52. فِي مُنْحَنَيَاتِ جَدِيلَتِكَ، الْتَفَّتْ رُوحُنَا.
 
54. يَنْظُرُ إِلَى الْحَرْفِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَقْرَأُ بِشَفَتَيْهِ.
 
55. يَحُوكُ، مِنْ جَدِيلَاتِهِ، حِبَالًا؛ يُخْرِجُ بِهَا آلَ يَعْقُوبَ مِنَ الْبِئْرِ.
 
56. نَرْجِسَةٌ تَخَلَّتْ عَنْ وَسَنِهَا.
 
57. رَسُولُ شَمْسِ الدِّينِ التِّبْرِيزِيِّ، أَنَا؛ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ رِسَالَتِي؛ وَحُبٌّ كَسَيْفِ ذِي الْفِقَارِ الْبَتَّارِ بِيَدِي.
 
58. كُنْتُ جَبَلًا، وَصِرْتُ قَشَّةً تَحْتَ حَافِرِ حِصَانِ السُّلْطَانِ.
 
59. إِنْ كَانَ الْمِرْجَلُ مِنْ ذَهَبٍ، مَا هَمَّ إِنِ اسْوَدَّ وَجْهُهُ.
 
60. وَمَا أَدْرَى يُوسُفَ الْمِصْرِيَّ بِآلَامِ زُلَيْخَةَ؟
 
63. نَحْنُ غُصْنُ شَجَرَةٍ، وَحُبُّكَ رِيحٌ؛ بِحُبِّكَ نَصْفَرُّ وَنَذْبُلُ، وَبِحُبِّكَ أَيْضًا نَنْضُرُ وَنَخْضَرُّ.
 
65. تُحِسُّ اللُّؤُلُؤَةُ، فِي حَضْرَةِ الْبَحْرِ، بِالْمَهَانَةِ؛ فَكَيْفَ بِالْمَاءِ وَالطِينِ؟
 
67. رَسَمْتَ الرُّمُوشَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، عَلَى شَاكِلَةِ الرَّسَّامِينَ الصِّينِيِّينَ.
 
70. شَقَائِقُ النُّعْمَانِ مِلْحُ كَلَامِهِ.
 
71. اَلْحُبُّ جَوْهَرُ إِكْسِيرِ الْحَقِيقَةِ.
 
73. كُنْ ظِلَّ سَرْوَتِهِ، اجْرِ، تَقَدَّمْهُ وَاتْبَعْهُ.
 
74. قَالَ شَمْسُ الْحَقِّ التَّبْرِيزِيُّ لِبُرْعُمِ الْقَلْبِ: — سَتَصِيرُ، حِينَ سَتَنْفَتِحُ عَيْنُكَ، رَائِيًا مَعَنَا.
 
75. اَلْمَشْرِقُ جَوْهَرُ الرُّوحِ.
 
77. بَحْثًا عَنِ الحُبِّ حَلَّ الْعَقْلُ عَلَى الْأَرْضِ.
 
78. مَوْجَتُكَ تُمْطِرُ لُؤْلُؤًا مِنْ عَيْنِ الْغَيْمَةِ.
 
78. أَعْطِنَا خَمْرَةً أَكْثَرَ، وَأَبْعِدْ عَنْ عُيُونِنَا الْهَمَّ؛ فَكَيْفَ لِمَنْ نَامَ أَنْ يَعْرِفَ عَنِ اللَّيْلِ شَيْئًا؟
 
79. مَزَّقَتْ شَمْسُ جَمَالِهِ حُجُبَ الْعَتَمَاتِ.
 
80. إِذَا لَمْ تُرِدْ لِوَرْدِسْتَانَ أَنْ تَكْشِفَ عَنْ بَهَائِهَا، لِمَ إِذَنْ فَتَحْتَ حَانُوتًا لِمَاءِ الْوَرْدِ؟
 
81. مَا جَدْوَى بَاقَةِ يَاقُوتِيَّاتٍ وَوُرُودٍ لِرُسْتُمَ فِي سَاحَةِ الْوَغَى؟
 
82. وَانْظُرْ إِلَى الرِّيحِ، بِسِحْرِ شَفَتَيْ شِيرِينَ، تَئِنُّ مُتَنَاغِمَةً مَعَ النَّايِ الْقَصَبِ.
 
83. وَأَنْتَ، أَيَا عَمُودَ الْخَيْمَةِ، لَا تَسْتَرِحْ حَتَّى يَحُلَّ الْفَجْرُ.
 
84. كَالْوَرْدَةِ، أَضْحَكُ، بِكَامِلِ جَسَدِي، لَا بِفَمِي فَقَطْ.
 
85. كُنْتُ، لَيْلًا، كَشَمْعَةٍ مُشْتَعِلَةٍ؛ ثُمَّ أُطْفِئَتْ فَجْرًا؛ أَمَّا الْيَوْمَ، أَيْ حَيَاتِي، فَلَا أُمَيِّزُ اللَّيْلَ عَنِ الْفَجْرِ.
 
87. أَنْتَ بُلْبُلُ وَرْدِسْتَانَ، سَاقِي أَهْلِ الصَّفَاءِ؛ تُعْطِي رُوحَكَ وَلَا تَكْشِفُ سِرَّ الْبُسَطَاءِ.
 
88. فَلْتَئِنِّي، أَيْ طَبْلَةُ، مِنْ أَعْمَاقِ قَلْبِكِ؛ فَلْتُنْشِدْ، أَيْ مِزْمَارُ، شَكْوَاكَ.
 
91. سِرًّا، كَالسُّكَارَى، تَنْثرُ الْأَشْجَارُ، فِي الْحُقُولِ، أَزْهَارَ أَغْصَانِهَا.
 
94. ثَقَّبَتْ يَدُكَ، أَيْ إِلَهِي، نَايَ جَسَدِي، فَصَارَ، لَيْلَ نَهَارَ، يَشْكُو وَيَئِنُّ؛ فَمَا أَدْرَى هَذِهِ الْآلَةَ بِسُلَّمِ النَّغَمَاتِ؟ وَحْدَهُ نَفَسُ الْعَازِفِ يَدْرِي وَيُدْرِكُ، أَيْ إِلَهِي، ذَلِكَ.
 
96. حَلَّ دَوْرُنَا، أَيَا صَابَّ الْقَهْوَةِ، لِمَدِّ الْفِنْجَانِ.
 
97. أَمْطَرَتِ الْعُيُونُ لُؤْلُؤًا مِنْ أَجْلِ ذَاكَ الَّذِي شَفَتَاهُ عَقِيقٌ أَحْمَرُ.
 
98. إِنْ أَرَدْتَنِي أَنْ أَتَكَلَّمَ، فَنَاوِلْنِي هَذِهِ الْكَأْسَ مِنْ خَمْرَةٍ صَبَاحِيَّةٍ؛ كَيْ تَأْتِيَ السَّمَاءُ رَاقِصَةً، صُحْبَةَ مِئَةِ زُهْرَةٍ لَأْلَاءَةٍ.
 
99. اَلْكَائِنَاتُ فَرَاشٌ، وَالنَّهَارُ شَمْعَةٌ.
 
هوامش
(1) من أعلام الأفغان الرائدين:
• جمال الدين الأفغاني: من مواليد عام 1838 في بلدة أسد آباد، غربي العاصمة الأفغانية كابُل، استقر في مصر وصار من أعلامِها، توفى سنة 1879 بعدما عاش يدعو للثورة ضد الاستعمار في العالمين العربي والإسلامي، وتم تكريسه إلى جانب محمد عبده وعبد الحميد بن باديس وعلال الفاسي رواداً للحركة السلفية، في موجتها الحديثة الأولى، وبمعناها التحرري.
 
• أبو حاتم محمد إبن حبان: إمامٌ، رحَّالَةٌ، تولى قضاء سمرقند مدة طويلة، عالمٌ في الطب والنجوم.
 
• إسحاق الجوزجاني: أحد الأئمة المحدثين، ولد في مدينة جوزجان من أقضية بلخ في خرسان، رحل إلى مكة والبصرة وغادرها إلى دمشق وظل بها حتى مات.
 
• عبد الحكيم الأفغاني القندهاري: متصوف ولد في قندهار وتعلم فيها، سافر إلى العديد من البلدان وقضى معظم حياته في سوريا واستقر في دمشق.
 
• علي القاري: إمام ومحدث وفقيه، ولد عام 930 في مدينة هرات، تعلم القرآن الكريم ورحل إلى مكة وتعلم من علماء ونوابغ عصره، وكان معروفًا بالتدين والورع والتقوى، وكان قليل الاختلاط بالناس كثير العبادة، وكان يكتب مصحفًا كل عام ويهمشه بالقراءات والتفاسير.
 
(2) من باقي مشاهير المنتسبين لبلخ:
 
• أبو زيد أحمد بن سهل البَلْخِي (849-934) الملقب بـ “الجاحظ الثاني”، وهو أحد حكماء الإسلام وعلمائهم البارزين في الأدب والفقه والفلسفة.
 
• أبو علي شقيق بن إبراهيم الأزدي البلخي، أحد أبرز الفقهاء، كان أستاذ حاتم الأصم، وصاحب إبراهيم بن أدهم، وأخذ عنه الزهد.
 
• إبراهيم بن أدهم، أبو إسحاق، إبراهيم بن منصور بن زيد بن جابر العجلي ويقال التميمي، أحد أبرز أوائل المتصوفة.
 
• أبو القاسم، عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي، ينسب إلى بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وقد نزلت طائفة منهم خراسان، من أئمة المعتزلة ورأس طائفة الكعبية. نشأ الكعبي في مدينة بلخ في خراسان، وانتقل منها إلى بغداد في طلب العلم، ثم عاد إلى بلخ، وَوُزِّرَ للقائد الساماني أحمد بن سهل بن هاشم المروزي، ولما قبض على هذا الأخير أخذ الكعبيّ، فاعتلّ حتى خلصه الوزير علي بن عيسى بن الجرّاح، فأقام في بلخ حتى مات في خلافة المقتدر. أخذ الكعبي، في بغداد، عن أبي الحسين الخيّاط المعتزلي، مؤلف كتاب “الانتصار في الردّ على إبن الراوندي” (913) وغدا على مذهبه في الاعتزال. كذلك أخذ عن البصريين من المعتزلة كثيراً من المسائل، واستفاد مما نشر من آراء الفلاسفة فيها، ثم توسع في بحثها والنظر فيها وخالفهم في بعضها. وفي خراسان تبعه كثيرون، وغدا رأس طائفة من المعتزلة يقال لها الكعبية أو البلخية، صنفها الشهرستاني في “المِلَل والنِّحَل” مع الخيّاطية، وعدها إحدى فرق المعتزلة التي اختصت بمبادئ ليست لغيرها.
 
• أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي (787-886)، والذي كان يعرف لدى اللاتين باسم ألبوماسر: فلكي ورياضي فارسي ولد في بلخ. توفى في واسط.
 
مصادر المتون
• Djalâl Od-dîn Rûmî: Rubâi’yât, traduites par Eva de Vitray-Meyerovitch et Mohammad Mokri, éditions Albin Michel, coll. “Spiritualités vivantes”, Paris, 1987.
 
• Djalâloddîn Rûmî: Soleil du Réel, poèmes d’amour mystique traduits par Christian Jambet, éditions Imprimerie nationale, coll. “La salamandre”, Paris, 1999.
 
• Eva de Vitray-Meyerovitch: Rûmî et le soufisme, éditions du Seuil, coll. “Sagesse”, Paris, 1977.
 
• Leili Anvar: Rûmî: La religion de l’amour, éditions Entrelacs, coll. “Sagesses éternelles”, Paris, 2021.
 
• Rûmî: Odes mystiques, divan-e Shams-e Tabrîzî, coédition Klinsieck-Unesco, Paris, 1973. (Traduites par Eva de Vitray-Meyerovitch et Mohammad Mokri).
 
• Rûmî: La religion de l’amour, textes choisis et présentés par Leili Anvar, éditions Points, coll. “Sagesse”, Paris, 2011.
 
• Rûmî: Cette lumière est mon désir: Le livre de Shams de Tabrîz, éditions Gallimard, coll. “Poésie”, Paris, 2020. (Traduit du persan par Jean-Claude Carrière, Mahin Tajadod et Nahal Tajadod).
 
• Shams de Tabriz: La quête du joyau. Paroles inouïes de Shams, maître de Jalâl al-din Rûmi. Trad. du persan, introduction et notes par Charles-Henri de Fouchécour. Éditions du Cerf, Paris, 2017.
• Sultân Walad, Muhammad, Maître et disciple (Kitâb al-Ma’ârif), Traduites par Eva de Vitray-Meyerovitch, Actes sud, Paris, 1982.
 
 
الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *