بعد منتصف الكأس ثانية بتوقيت حالة الطوارئ

أحمد فرج الروماني 

بعد منتصف الكأس ثانية بتوقيت حالة الطوارئ

(رسائل قصيرة إلى مؤسسة “النظام العالمي”)

 

أحمد فرج الروماني

1

الحرية المطلقة قيد مطلق: الحرُّ، هو فقط، من يتمتع بالقدرة على التنقل من قيد إلى آخر.

***

عمتَ مساء أيها الإنسان المتعبُ حدّ الخوف..

عمتِ سلاما أيتها الشعوب الخائفة حدّ الموت..

بعد منتصف الكأس، ثانية، بتوقيت حالة الطوارئ اللعينة، توقيت ينام فيه النهاريون دونما تعبٍ، وينطفئ فيه الليليون دون سَبْقِ اشتعال. لا بُخورَ، لا خمور.. وحدها رائحة الموتِ تعلو سماءك أيها العالم؛ رائحةٌ لم تعد تثير انتباه هذي الشعوب المنشغلة بضجيج الانتخابات الكاذبة، وصور المؤخرات الغبية على الإنستغرام والتيك توك وهي تحصد ملايين اللّايكات، تماما كما يحصدها صانع محتوىً تبنى صدفة موضة الموسم الحقوقي (لا لخطاب للكراهية) لتجعل منه “السوشل ميديا” الشاعر “النامبر وان” وما هو ما بشاعر ولا ينبغي.

2

عمت سلاما أيها النظام العالمي الذي فقد جِدَته وجادته؛ أقول لك عمت سلاما؛ لأني لا أملك الشجاعة الكافية لأدعو عليك، علنا، باللعنة والهلاك، فأنا أعرف أنك لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وتُحصيها، لتحاكم بها كل مارِقٍ عن مشيئتك. كنت أود أن أقول، إن العالم كله في الأصل لك، ولربما الكون أيضا.. من يدري؟ ربما أُسلِّم لك إن قلتَ إنك ربنا الأعلى.. المهم أن تصدق أننا، نحن شعوبك المتفرقين في أراضي هذه الدُّنيا، لم نعد نطالب بإسقاطك ولا بمناهضة عولمتك، ولا حتى نملك قدرة محاربة رغبتك في طمس هوياتنا. نعم استسلمنا.. ولا نريد سوى أن تسمح لنا، فضلا منك، بأن نعيش حريتنا الموهومة التي منحتنا إياها.. أن نعيش طقوسنا الحميمة دون هاجس “كبسات” دوريات الشرطة، ودون الخوف من مرضى “اللايفات” الذين لا شغل لهم سوى تسليط كاميراتك، التي زودتَ بها هواتفهم المحمولة، على حياة الناس الخاصة.

لقد استبد بنا الحصار، ولا نريد الآن أن إلا نرقص مع بعضنا البعض متعانقين على إيقاعات التانغو، أو متقابلين متراصين على نغمات “الأحيدوس” وهَيْتِ “الحصادة”.. أن نتراصَّ في صلواتنا دون خوف من سلالة شياطين متحورة..

3

بِمنطق درس الاحتمالات في الرياضيات البسيطة؛ كلما تقلصت مدة التجوال الزمنية في مدينة ما، كلما عرفت فضاءاتها اكتظاظا أكثر، ومن ثمة ترتفع نسبة احتمال الإصابات. لا مجال إذن للخروج من حالة الرعب هذه، سوى فسح المجال أمام الأفراد لممارسة حريتهم الوحيدة -حرية التنقل- وإن كانت حرية ناقصة في الأصل. وبالمنطق نفسه؛ كلما أشهرت بندقيتك بحجة حفظ السلام، تتأزم الأوضاع أكثر، فلا تحصد في النهاية إلا الدّمار، وجرائم عديدة يُسجلها عليك التاريخ.

4

عندما تَختلطُ كلُّ الروائحِ في دُكّانٍ واحدٍ.. قَد يَبِيعُ لك التّاجرُ رَائِحةَ الْعَفَنِ في قَارورةِ عِطْر…

***

اَلعلماء الذين لا يطرحون الأسئلة، تقنيون ليس إلا. لذلك، فكل علمائك -أيها النظام العالمي- الذين خصصت لهم ميزانيات هائلة لخدمة هذا العالم تكنولوجيا، بيئيا، وطبيا..، هم في الأساس تقنيون يبحثون في سُبلِ تحقيق أحلامك الغبية/ رغبتك القديمة في إخضاع الطبيعة إلى سيطرتك.. طبعا أنت عاقل، مخير، وحر تماما، ولزبانيتك الذين تسميهم علماء قدر هائل من هذه الحرية؛ غير أن الطبيعة لا تُفكر، ولا خَيار أمامها سوى أن تكون كما هي، بسيطة ومركبة، ثابتة ومتحولة، واجِدةٌ ومُنوَجِدة.. مهما حاولت تَسخيرها لخدمة جشعك، فإنك لن تصنع سوى الخراب.. الطبيعة دائما تجدد نفسها؛ أربعة عناصر فقط تكفيها لتعود إلى بدايتها الأولى، ويعود من تبقى منك ومنا إلى دهشته وخوفه البدائيين.

5

قد تبدو، أيها النظام العالمي، مطمئنا لشعوب العالم الصامتة والمقهورة لأنها بعدُ خاضعة، وإن ثارت فإن ثوراتها تكون خجولة، ومن السهل توجيهها حسب ما تقتضيه مصلحتك. وقد تخلق أنت بنفسك ثورات، كما فعلتَ دائما، لتحافظ على هيمنتك الاقتصادية والسياسية. طبعا، أنت لم تنجح في خططك هذه إلا بعدما نجحتَ في حربك ضد كل ما هو “رمزي”. غير أن “الرمزي” لا يُمكن أن ينتهي أو يَفنى، لأنه مكونٌ أساس من مكونات الوجود الإنساني؛ بحيث يمكن للإنسان/ المجتمع التجرد من كل ما هو مادي خالص، لكن هذا التجرد لن يهدد بقاءه. في حين، إذا زال الإنسان/ المجتمع، زال معه كل شيء: ما هو مادي خالص، وما هو رمزي محسوس. لذلك، كن “رحيما بنا”، ولا تكن مطمئنا حدَّ العمى؛ لأن الإنسانية لا تحيا من مواثيقك ومعاهداتك، بل تحيا من رمادها: من حيث تظن أنها ماتت.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *