الفنان ومنظّر الفنّ الألماني جوزيف بويس (1921 – 1986) في نقاش عامّ حول دور الفن في حياة الإنسان سنة 1976

ترجمة: سليمان زوڨاري| تونس جوزيف بويس

  • الفنان ومنظّر الفنّ الألماني جوزيف بويس نقاش عامّ حول الفنّ (1921 – 1986)

▪ لماذا لا يستطيع الإنسان العيش دون فنّ؟

تعتبر التربية الفنّية مشكلا حقيقيا في جميع أنحاء العالم في حين أن الجميع يعلمون في عمق أعماقهم بأن الإنسان لا يمكنه العيش دون فنّ. من المحتمل أن يذوي الإنسان في غضون 2000 سنة دون فنّ وربّما يفقد عقله أيضا. نحن نقصد ذاك الفنّ الذي يعيد الحياة إلى البشر بشكل غير مباشر ومن فضاء غير معلوم بعد ولكن ما أرمي إليه عند الحديث عن “الفضاء المقابل” متسائلا حول مسألة وجود الإنسان في حدّ ذاتها : كيف يأتي الإنسان إلى العالم؟ وماهي القوى التي تغذّي وجوده؟ ماهي مهمّة الفنّ إن تبعنا وجهة نظر غوته التي تقول بأن الفنّ هو تقنية تتكوّن من عالمين مختلفين. على هذه التقنية أن تواجه عالم المادّة وعالم ما وراء المادّة أو ما يسمّي بعالم الرّوح على حدّ السّواء. هنا تكمن معضلة الفنّ إذ بواسطته يُجلب شيء ما إلى الإنسان يجعله قادرا على العيش في بعد الحياة المادّي فيما يحصّنه إذا ما ارتضى لاحقا أن يكون فيزيائيا أو كان عليه يفكّر بصورة عقلانيّة. سيكون هذا الفرد قادرا على التفكير العقلانيّ بشكل أفضل إذا ما كان متشرّبا بالفنّ. أنا أحاول هنا أن أتناول الفنّ بصفته مادّة غذائية يحتاجها الإنسان للإضطلاع بأنشطته اليوميّة. علينا أن نطوّر نماذج لهذا الغرض وهذا هو المهمّ.

▪ هل يمكن اعتبار الفنّ وسيلة من وسائل الثّورة؟

بطبيعة الحال، يمكن للفنّ أن يطرح مثل هذه الأسئلة لأنّه وسّع مفهومه بالسّيرورة فهو لم يعد يكتفي فقط بالتساؤل حول النتيجة إذا صار يعود إلى الخلف للتساؤل حول السّيرورة. في النهاية، يبلغ الأصل ويتسائل من أين بدأ المسار إلى أن يصل إلى النقطة التي ينبثق منها التّفكير. وإذا تعمّقنا أكثر في المسار الفنّي فسنصل إلى النقطة التي يُخلّقُ فيها الحدس والخيال. علينا أن نتساءل: “أين يظهر الخيال بالتّحديد ولماذا؟” هل يظهر بصفته انعكاسا للعالم الخارجيّ والمحيط أم بوصفه انعكاسا لعالم الأشياء بأسره؟ هل هو أمر أُبدِعُه من فضاء متعال أي من عالم روحيّ حقيقيّ؟ هذا هو السّؤال الطّارئ الذي يجب علينا طرحه. هل أنا حبيس شروط الحياة على سطح الأرض أم أنا أعظم من هذه الظّروف المادّية الأرضيّة؟ الفنّ يصل حتما إلى السّيرورة ذاتها فالفنّ هو من يتكفّل اليوم بطرح الأسئلة الإيبستيمولوجية التي لا يهتمّ العلم بطرحها. أودّ أن أؤكّد على هذا الأمر التالي، يتوصّل الفنّ إلى النتيجة التي تمكّنه من تمثيل الفكرة في لحظة ظهورها مثل مسار تشكيليّ. وعندما تمسك الفكرة بتلابيب الكلمة، علينا أن نرى الكلمة بوصفها فنّا. من المستحسن أن يتعامل البشر مع الكلمة مثل تعاملهم مع الفنّ. إن الكلمة فنّ، نعم يمكنها أن تكون فنّا من الفنون عندما تنتقل بواسطة الكتابة فاليد ثم الأعصاب لتغدو نصّا. يمكنها أن تكون فنّا، أو قصيدة ويمكنها أيضا أن تتحوّل إلى حركة في أعضاء البدن أو إلى عمل تشكيليّ في المادّة الأرضيّة. ولهذا، فمن الأهمّية بمكان أن نتساءل عن سيرورة الإنسان إنطلاقا من الفنّ وان نضع علما إنسانيّا من هذا المنطلق. سيكون باستعاطتنا عند تلك اللحظة بالتّحديد أن نعلم كيف يجدر بنا تربية الإنسان. هل علينا أن نعلّمه بناء على القيود العمليّة والسّياسيّة التي يقرّرها السّاسة كما يحصل في أيّامنا هذه؟ لماذا لا توجد لدينا مدارس حرّة؟ يعتقد السياسيّون اليوم أنّهم يستطيعون أن يقرّروا ما يحتاجه الإنسان لكي يتعلّم.

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *