(ثلاث قصائد) للشاعرة الأرجنتينية: ألفونسينا ستورني Alfonsina Storni

(ترجمة عن الإسبانية) الشاعرة الجزائرية: لميس سعيدي

(ترجمة عن الإسبانية)
الشاعرة الجزائرية: لميس سعيدي

(1) كلمتان
.
هذه الليلة، همستَ في أذني كلمتين عاديتين.
كلمتان متعبتان من كثرة تكرارهما.
ومن شدّة قِدمهما، صارتا جديدتين.

كلمتان ناعمتان جدّا
حتّى أن القمر الذي كان يمشي
متسلّلا بين الأغصان
توقّف في فمي.
كلمتان ناعمتان جدّا، حتّى أنّني لا أحاول أن أتحرّك
لأُزيحَ نملة تتنزّه على عُنقي.

كلمتان ناعمتان جدّا
حتّى أنّني رَغما عني أقول؟ آهٍ، ما أجمل، الحياة!؟
ناعمتان جدّا ووديعتان جدّا
حتّى أنّ زيوتا فوّاحة تنسكب على الجسد.

ناعمتان جدّا وجميلتان جدّا
حتّى أنّ أصابعي، المتوترة
تتحرّك في اتّجاه السماء، كأنها مِقصّ.
آهٍ، تودّ أصابعي
لو تقطع النجوم.

(2) الرِّقة
.
سبتمبر. شجرة الخوخ، المُزهرة، تُزيّن نوافذ الغرفة.
يدا الأمّ لونهما أبيض، شاحبتان، وفوقهما، يضع الأب شفتيّه الشهيّتين، الدافئتين، ويؤخِّرهما…

شابان، جميلان، ويتحابّان. الطفل الذي يبلغ من العمر عشرة أيام، عاريا، يبكي وسط اتّساخ الأقمشة البيضاء كالثلج، والمطرّزة برسومات أزهار.
طيور كناري ذهبية تغني أسفل الممرّات.

إنّه وقت القيلولة. تخرج الأمّ الثّدي الذي يقطر منه الحليب، الثّدي الأبيض والناعم. تصبّ، سائلها الثمين في فم الحيوان الصغير الناعم والأخرق.
الذي يمارس، وهو يرتشفه، بهجتَه الأولى،
مُلَملَما في ذراع الشمع المُصْفرّ، الذي يحيط عُنقَه. أنا أشاهد وأتذكّركَ.

(3) أنا في أعماق البحر
.
في أعماق البحر
ثمّة بيت من الكريستال.

يطلّ على جادّة
من المرجان المتشعِّب.

سمك ذهبيّ كبير
يأتي في الساعة الخامسة
ليلقي عليّ التحية.

يجلب لي
باقة حمراء
من أزهار المرجان.

أنام في سرير
أكثر زرقة بقليل
من البحر.

أخطبوط
يغمز لي
من خلال الكريستال.
في الغابة الخضراء
التي تحيط بي
_دين دون… دين دون__

حوريات البحر من صَدَف بلون أخضر بحري
يتأرجحن ويُغَنِّين.

وفوق رأسي
تحترق، في ساعة المغيب
أطراف البحر الواقفة.

▪▪▪

▪في إحدى قصائدها، تتخيّل الشاعرة الأرجنتينية ألفونسينا ستورني (1892-1938) بأنّ جسدها سيستقرّ في أعماق البحر، في بيت من الكريستال، تحديدا على “سرير أكثر زرقة -بقليل- من البحر”، غير أنّ الشرطة، في صبيحة يوم 25 أكتوبر 1938، وعلى شاطئ في مدينة “پلاتا دال المار” الأرجنتينية، سوف تعثر على جثّة امرأة، تطفو على سطح مياه الأطلسي، ترتدي ثيابا بسيطة، ولا تحمل أيّة بطاقة هوية.

▪▪▪

▪في سنة 1898، سوف تفقد إسبانيا آخر مستعمراتها في أمريكا اللاتينية، إثر حربها مع الولايات المتحدّة الأمريكية؛ هذا الحدث المفصلي الذي يُدعى في إسبانيا: “كارثة 1898″، سوف يتزامن مع ظهور واحد من أهم الأجيال الأدبية في تاريخ الأدب الإسباني: جيل 98. الجيل الذي ضمّ الكتاب والشعراء: أنطونيو ماتشادو، ميغيل دي أونامونو، بيو باروخا، وغيرهم، سيحمل رؤية نقدية جمالية لإسبانيا التي فقدت “أمجاد الماضي”، وأصبحت في “مواجهة عارية” مع العالم الحديث. أمّا في جنوب “القارّة الجديدة”، سيتوالى ظهور التيارات الأدبية، التي تحاول تجسيد القطيعة مع الماضي (رغم الحبل السُرّيّ الثقافي الذي يربط أمريكا اللاتينية بالمستَعمِر القديم)، وستُخلِّص هذه التيارات أدب أمريكا الجنوبية من عزلته ليتحوّل إلى مشهد جماليّ له هويّته وخصائصه. التيار الحداثي، التيار الطليعي، التيار ما بعد الحداثي، كلّها تيارات ستظهر تباعا وفي أزمنة متقاربة، لتتصارع فيما بينها ولتُثري أدب أمريكا اللاتينية الذي سيدخل مرحلة النضج.

▪▪▪

▪وُلدتْ الشاعرة ألفونسينا ستورني، إحدى أيقونات شِّعر ما بعد الحداثة، في أمريكا اللاتينية، -مصادفة- في قرية “سالا” بمقاطعة كاپرياسكا بسويسرا، ورغم أنّها لم تقضِ فيها سوى أربع سنوات، قبل أن تعود إلى الأرجنتين رفقة والديها، إلا أنّ قرية “سالا” لا تزال تقدِّم نسخة من أعمالها الكاملة كهدية للمتزوجين حديثا.
ستصل ألفونسينا إلى بوينس آيرس في سنّ التاسعة عشر، وهي تحمل في رحمها ابنها الوحيد أليخندرو، والذي سترفض الكشف عن هويّة والده. في المدينة الكبيرة ستدخل الأوساط الأدبية شاعرة، والأوساط النقابية واليسارية والنسوية، مناضلةً، يَظهر صوتُها واضحا وقويّا وجريئا في التسجيلات الصوتية التي تحفظ خطاباتها أو حتّى قراءاتها الشِّعرية. كما تَظهر ضحكتُها الواسعةُ في الصور، واثقةً، رغم أنّ سرطان الثدي سيتمكّن تدريجيا من التهام جسدها، الذي ستختار، في نهاية الأمر، أن تهبه للبحر بدل أن ينهشه المرض. ولتكون آخر كلمات ألفونسينا ستورني في قصيدتها: سأنام: “إذا اتّصل مجدّدا عبر الهاتف، قولي له أن لا يلحّ، فلقد خرجتْ”.

(*)الصورة: ألفونسينا ستورني على شاطئ البحر. صيف 1924

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *