عبدالهادي سعدون || قصائد

بار في متنزه آلاميدا

في كيوسكو أوريخاس،

بار في متنزه آلاميدا

أحكُ أصداف سنواتي المتآكلة

بينما الناس، سعداء، يملأون

بطونهم ببراميل البيرة

ويتذكرون دون أن يعوا ذلك

نصائح صاحبة حانة كلكامش.

مماطلاً الزمن

أعرضُ وجهي

لما تبقى من شقرة الشمس

متناسياً، ولو لمرة واحدة فحسب

براميل مليئة من حيوات عديدة

شهدت

وما تزال تتبعني حتى الآن.

المدينة

و المدينة الآن

خط مائل في يدي

زقاق لتخرصاتي المجحفة.

من هذه البوابة أخرج لاستقبال اليوم

ومنها نفسها أودع المساءات

المعفرة بلون عنبر الحقل.

ازاء هذه الصخرة

أُخزنُ نَفَسي لنطاح آخر.

اليوم مضطرب، معوج

لذا أخطط لقدري في سلة العدم.

خطواتي ها هنا

تبصم متاهاتها الأبدية.

المساء، رمادي، ينتظر

فاكهة صباحاتي المقطوفة.

هنا غيمي يُستهلكْ،

ظلال محاولات نيئة.

يجمعنا الخوف عزيزتي، وليس الحب

لهذا نتعانق كل لحظات اللقاء.

 

أقول لك

أقول لك

أن الطرق ليست مهنتي

فأنا رجل بيت من طراز آخر

لا أمتهن التخفي

و قدماي لا تحتملان السفر

تزلان منذ الأبد

لكنني في كل مرة أمارس الإبتعاد

لا تدفعني رغبة التلاشي

ولا متعة تحسس المناظر التي تمر

أمضي كأي (مسافر في غرفته)

متأملاً دليل السياحة

و مبتسماً بلا أدنى تعب.

أقول لك

لست فرجيل

ولا صاحب حقيبة بمتاع خفيف

لست سوى نظرة تعبى

و ابتسامة واهية

في صورة بالأسود و الأبيض.

 

الثقوب

يا إلهي

كلما رسمت الرأس تخاتلني الثقوب

كلما أشرت للرأس أن يهتز تغافلني الثقوب

كلما داورت الرأس تراقبني الثقوب

كلما حدثت الرأس تصاحبني الثقوب

لا أمل

الرأس رأسي ومطرز بالثقوب

أينما أريد لا وجهة أخرى غيرها.

الثقوب،

لماذا يا إلهي؟

 

السماء تتكدر

قلت لك أن كل شيء يمضي بالضد مني

مطرت أم لا

فالمدينة في حداد

و السماء تتكدر مثل عينيك

آه من عينيك

اللتان لا ترغبان برؤيتي

على الرغم من مروري، في مياهك، ليل نهار.

كل اليوم

على الرغم من أنك لا تعتقدين بذلك

السماء تتكدر

و عيناك

ـ آه من عينيك ـ

ما زالتا لا ترغبان برؤيتي.

درس

علمني أبي

في واحد من دروسه المكررة

أن لا أنسى الابتسامة معلقة على الوجه

يقول:

ـ الوجه مثل اليد المبسوطة تعلن عن نفسها ـ .

بعد أعوام

متذكراً لعبة الأب

لم أترك أرثاً حقيقياً

لأبني

ـ الذي لم يولد بعد ـ

غير هذه القهقهات المرسومة بحبر أسود.

صمت

قرب النهر،

مختبئاً بين أحراشه

أنصتوا معي

للصمت

…………

………

…….

..

.

يا لهذا العواء الهادر.

 

كما لو أن لا شيء قد حدث من حين

كما لو أن لا شيء قد حدث من حينه

كما لو أنني أعرفك منذ قرون عندما لم أكن بعد صغيراً، والأشياء كبيرة جداً. كما لو أننا التقينا في حياة أخرى، نلعب البحث عنا في مستودعات المكاشفات. كما لو أن أحدنا يحيي الآخر بحرارة، والآخر يحييه بحرارة رقيقة أيضاً. كما لو أنك أنا وانا أنتِ حتى الأبد. كما لو أن لا شيء قد حدث، وكل شيء يحدث بغتة. كما لو أنني أصفق لكِ من بعيد وأنتِ تشيرين لي بنفس اللعبة الدائمة. كما لو أن لا شيء قد حدث من حينه.

كما لو أن كل شيء قد برز من فكرة، فكرة جلية ولازمة. وأنتِ تتوسعين أمام عيني المبتهجتين. أما الآن فلست بحكاية وكفى، لهذا أنا ها هنا بكل حماس الجسد، أصلُ أيك لألقي نظرة عما تخفينه في جذرك الموروث، باحثاً عن ذاكرةتغطيها الأرض في مسالك الترحال.

عيناكِ تشتهيان مغامرات عتيقة،بينما أشعر كما لو أن مناظرك تحزر بهدوء أوهاماً بلا لون تعشش في نظرتي السديمية المنذهلة.

أنتِ

فكرة سرية لشجرة سرية

شجرةُ سرية لبذرة فكرة لا سرية.

أنتِ

خيال

متطاول

ولساني

حبل

مضطجع

في هواء،

تنهداتك.

 

عن الشاعر

باحث ومترجم وأستاذ متخصص في مادة الأدب الإسباني الحديث. دكتوراه في الآداب والفلسفة من جامعة مدريد. أسس وشارك بإدارة مجلة ومنشورات ألواح الثقافية العربية للفترة ما بين 1997 حتى 2007. مدير سلسلة (آلفالفا ALFALFA) للإصدارات الأدبية والفكرية العربية باللغة الإسبانية، التي بدأت نشاطها الثقافي بداية عام2006 والتي نشرت أكثر من 40 كتاباً مترجماً من العربية إلى اللغة الإسبانية من شعر ورواية ودراسات نقدية. كما يقوم اليوم بمهام الاستشارة الأدبية لدى دار نشر بيربوم Verbumالإسبانية فيما يتعلق بترجمة ونشر الأعمال العربية المعاصرة باللغة الإسبانية ضمن سلسلة (آداب عربية/ Letras Árabes). كباحث وكاتب شارك في عشرات الملتقيات والمهرجانات الأدبية العربية والعالمية على مدى العشرين سنة الأخيرة وفي بلدان مختلفة في أميركا اللاتينية وأوروبا. حاز عام 2009 على جائزة الإبداع الأدبي (جائزة أنطونيو ماتشادو العالمية في إسبانيا) عن كتابه الشعري (دائماً) التي تمنح من قبل وزارة الثقافة الإسبانية. كما سبق وحاز على جائزتين عربيتين في قصة الأطفال ورواية الخيال العلمي. كما تم تكريمه كشخصية العام في مدينة سلمنكا و كذلك عام 2016 بجائزة صندوق الشعر العالمي التي تمنح للشعراء الأجانب ودورهم المهم في الثقافة الإسبانية.

أصدر حتى اليوم أكثر من 15 كتاباً في القصة والشعر والرواية من بينها: تأطير

الضحك 1998، إنتحالات عائلة 2002، عصفور الفم 2006، حقول الغريب 2010، مذكرات كلب عراقي 2012 ، توستالا 2014، العودة إلى الأرض 2015، و الكل يكتب عن الحب إلا أنت 2018.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *