حسن نجمي || ثلاث قصائد

حسن نجمي

وَجْهٌ في المِرْآة

وَقَفْتُ أَمَامَ المِرْآةِ، نَفَسِيَ الصَّغِيرُ يُرَطِّبُ السَّطْحَ الزُّجَاجَ، فَجَاءَ وَجْهٌ لَيْسَ كَوَجْهي إِلى لِقَائِي. عَيْنَاهُ كَعَينَيْنِ تَتْبَعَانِي فِي الأسفار.

بَقِيتُ صَامِتاً أُحَدِّقُ في الوَجْهِ الذي ليس وَجْهِي، حِينَ بَدَأَ يُغَنِّي. رأيتُهُ يُطِيلُ عُنْقَهُ كي يُوسِعَ مَسَافَةَ الكَلِمَاتِ. كُنْتُ أَسْمَعُهُ يُنَقِّلُ صَوْتَهُ مِنْ مَقامٍ لِمَقَامٍ كَمُغَنٍّ عِرَاقيٍّ رَاكَمَتِ الحَضَارَاتُ دِجْلَةَ دَمْعِهِ. وبَدَتْ بدْلَتِي السَّوْدَاءُ في أُغْنيَّتِهِ، وفي الأُغْنِيَةِ رَبْطَةُ العُنُقِ الدَّاكِنَةُ والإيمَاءَاتُ اليَائِسَةُ الَّتِي لي.

قُلْتُ أُخَاطِبُهُ (*)« On se connait ? »، فَلَمْ يَتَعَرَّفْ وَجْهُ المِرْآةِ وَجْهِي،

أَشَحْتُ بوَجْهي عِنِ المِرآةِ وانْصَرَفْتُ مُوقِناً أَنِّي تَرَكْتُ وَجْهاً كَوَجْهِي في مِرْآةِ هَذِهِ القَصِيدَةِ.

​​
​​
مَطَرٌ صَغيرٌ

لاَ تَسَأَلْنِي عَنِّي- أَنَا أَنَا.

أَنْتَ الَّذِي لَسْتَ أَنْتَ.

أَعْطِنِي مَا يُطَمْئِنُ رُوحِيَ أَنَّكَ أَنْتَ.

أَعْطِني بُرْهَانَ قَلْبِكَ.

قَرِّبْني من سَرِيرِ يَدَيْكَ.

أَعْطِنِي المَسَاءَ الَّذِي أُحِبُّ.

أَعْطِنِي الحُبَّ الَّذِي يَحِنُّ ويُريدُ.

أَعْطِنِي اليَدَ الخَفِيفَةَ الَّتِي تَرأَفُ –

والذِّرَاعَ الُّتِي تَنْحَنِي كَشَرَمِ بَحْرٍ.

أَعْطِنِي أَجَمَةَ القَلْبِ الَّتِي تَخْضَرُّ –

الحُلْمَ الَّذِي يُدْخِلُني إلى حُلْمِكَ.

أَعْطِنِي الشَّخْصَ الَّذِي وَعَدْتَنِي حِينَ كُنَّا نَتَبَادَلُ الرَّسَائِلَ.

أَعْطِنِي كُلَّ مَا أُرِيدُ.

النَّدَبَةَ لِأسْتَرْجعَ الجُرْحَ القَدِيمَ مِنْ تَحْتِ زُجَاجِ نَظَّارَاتِكِ.

وَوَجْهَكَ لِأَلْمَسَ التَّجاعِيدَ التي لَمْ تَكُنْ هُنَا مِنْ قَبْلُ لَكْ.

أَعْطِني وَجْهَكَ لأَمْسَحَ المَطَرَ الصَّغِيرَ عن عَيْنَيْكَ.

كُنْ أَنْتَ.​​

دَعْنَا نَبْقَ غَرِيبَيْنِ- كَما كُنْتُ وكَمَا كُنْتَ. ​​

دَعْ لَيْلَنَا الصَّغيرَ يَنْزِلِ الآنَ.. كَيْ يَبْقَى.

يُمْكِنُنَا أن نَعْثُرَ عَلَى قَدَرٍ آخَرَ

كي نَنْسى أَيْديَنَا

نَقْلِبَ الوَجْهَ المُظْلِمَ لِحَجَرِ النَّرْدِ.

ثم تعَالَ اتَّكِئْ خَفِيفاً عَلَى صَدْري.

 

أعِدْنِي إلى اسْمِي

تَعَالَ خُذْ يَدِي وَاكْتُبْ

أَخْرِجْ صَوْتِيَ مِنَ الحَشْدِ

اِرْفَع نَبْرَتَكَ أَعْلَى مِنَ الرَّايَةِ

خُذْ لِسَانِيَ وَشَفَتَيَّ واشْرَبْ كَأْسَ حَيَاتِكَ

خُذْنِي وأَعِدْنِي إِلى حِكَايَاتِي الأُولَى

إِلى كَتَابِي القَدِيمِ وهُدُوءِ أَنَايَ وأَقْنِعَتِي

إلى كِتَابِ لَيَالِيَّ وغِبْطَتِي وَاسْمِي

إِلى كَلامِي المُبَاحِ وَفُكَّ أَزْرَارَ القَمِيصِ

لاَ أُريدُ أَنْ أَشْبَعَ مِنْكَ ومِنْ سَرِيرِي

لاَ أُريدُ أَنْ أَبْقَى وَحِيدَةً في الكِتَابِ

وَلا تَذْهَبْ نَحْوَ جِهَةِ الصَّبَاحِ

هُنَا خَلْفَ طَيَّاتِ هَذِهِ الملاءَةِ البَارِدَةِ.

اُتْرُكْـ يَدَكَ لِي وَقَلْبَكَ المُضطَرِبَ في حُنْجُرَتي

دَعْنِي أَبْقَ في حُلْمِكَ حَرُوناً كَفَرَسٍ تَرْقُصُ

أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ حَلِيفَةً لَكَ مَحْلُولَةَ الحِزَامِ

ولاَ أَحَدَ مَعَكَ في الغُرْفَةِ غَيْرُ صَمْتِكَ وزَفْرَةِ اللَّيْلِ

لا أَحَدَ عَدَاكَ –

تَعَالَ أَعِدْنِي إِلى اسْمِي لِأُحِبَّ اسْمَكَ

شاعر وكاتب من المغرب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *