(صدى اﻷعوام) للفنان التشكيلي العراقيّ المقيم في السويد “علي النجار”
عن دار أوراق/ بغداد صدر كتاب (صدى اﻷعوام) للفنان التشكيلي العراقيّ المقيم في السويد علي النجار
وهذا الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية وفنية وسياسية واجتماعية رافقت حياة الفنان وكونت تجربته الغنية منذ بداية ستينات القرن الماضي وللآن.
ومتوفر حاليا لدى (دار ومكتبة أوراق، ومكتبة أكرم للفنون) بشارع المتنبي.
(*) ومن أجواء الكتاب نقتطف هذا المقطع الذي يؤرخ لمرحة طفولة الفنان:
……………………………………….
الخوينس
الخناس في اللغة (صفة مبالغة من الخنوس، بمعنى الاختفاء بعد الظهور). وهي أيضاً (الكواكب التي تخنس بالنهار). وقيل( الخنس هي زحل والمشتري والمريخ، لأنها تخنس في مجراها) كما أن الخناس هو التواري أو الغياب. وأخنست عنه حقه: أخرته. (الخوينس) صفة اعتقدها مشتقة من مفردة الخناس – تصغير لاسم الفاعل خانس -. ولقد كنت في صغري ألقب بالـ(خوينس)، لكن ليس كما خنس الشيطان.
علي الخوينس أو قبلها عبادة الخوينس. صفة ربما كنت أستحقها أو لا أستحقها، لست أدري. كل ما أعرفه أن للآخرين أحكامهم التي ليست لي حيلة في قبولها أو رفضها. وإن قبلتها على مضض، فمن أجل مداراة وضعي الاجتماعي لا أكثر، حتى إن كان ذلك يعنيني أو انه لا يعنيني. لقد كنا كائنات اجتماعية بامتياز، خاضعين بشكل ما لهيمنة الجماعة وتصوراتها وأحكامها، ولم أجد فرصة تسمح لي أن أختبر مدى استساغتي لهذه الصفة الهبة أو اللقب. ثم وجدتني أتخفى بظلها، لتساهم في حفر نفق عزلتي الافتراضية.
ربما لم أكن الخوينس الوحيد فما ينسب للفنان الانطباعي الفرنسي المعروف بـ (ديكا) أن العديد من رسومه التشخيصية تظهره كما لو أنه رسمها متلصصاً من فرجة الباب.
(أدك دكة وشك الكاع.. واريد لي رجل هالساع)
حميده
…………….
بخدود هما فلقتا قمر
بعيون بعض من عسل
بقامة تدك الأرض دكا
…………….
ماء الخميرة
حناء وياسمين
حميراء حد مفرق شعر الرأس
هي أيضاً
لاهية
وجاهزة لحصاد قادم
يسبقه ريح الصبا
…………….
حميدة
ذئبة نافرة
بيت دبابير
هبة من ريح السموم اللاهبة
……………
في موسم الهجرة
حميدة
فقدت عذوبتها
عذريتها
…………….
حميدة
لا تزال تدق الأرض دقاً
لكن
ما من مجيب
غالباً ما كنت أشعر بأن خللا ًما يعتري همتي. ربما لتعثّر صحتي المبكر، أو لمطاردة خيالاتي التي لا تنتهي، وربما لخوفي من المجهول أو حتى المعلوم القاتم، ربما بسبب من أساليب التدريس العنيفة أو من بعض المؤثرات الخارجية التي تلتقطها أذني أو حاسة بصري وبما يعتري ذاكرتي أحياناً من عجز لا أعرف سببه.
تعتلّ صحتي، بعض الأحيان، لتجد والدتي عذراً لانقطاعي عن الدوام ذلك اليوم. وإنني لأفتعل العلة، أحياناً، لأتخلّف في كوخنا. ومن مكان اختبائي الذي يطل بابه المقوس المنخفض على الباحة الداخلية أنصت لـ (حميدة) وهي (تهبش) أي تهرس الرز لتفصله عن قشرته بالأداة الخشبية البدائية. ومع كل طرقة مدوية تردد (أدك دكة واشك الكاع .. واريدلي رجل هالساع) ويعني ذلك: أطرق طرقة وأشق الأرض، وأريد زوجاً الآن.
لم يمر وقت كثير على استغرابي من ترديدها هذا حتى استجيب دعاؤها، وتقدم لها زوج. ما هي إلا مدة زمنية قصيرة حتى غادرتنا الصبية الممتلئة ذات الشعر الأحمر إلى أحضان زوجها مودعة بزغاريد نساء أكواخنا المعدودة، والضحكات والابتسامات توّرد الخدود. لقد كنت واحداً ممن اطلع على سر أفضل أمنياتها اليها، ولقد كانت لجوجة في طلب تحققه. لم يكن هذا سر(حميدة) الوحيد الذي تعرفت عليه، وأنا متمارض تحت الفراش أتلصص على غرائب عالم الكبار أو الفتيات الناضجات، فلقد كانت لي كشوفات غير متوقعة أيضاّ.